كشفت أزمة الكورونا عن خطورة الوضع العالمي الذي يعيشه العالم ككل، بل وأثبتت أن البحث العلمي أمر أساسي من أجل الخروج من الجائحة وتخطي تبعاتها. ودفعت العالم ككل ليسرع بمنظومة البحث العلمي كي يستطيع الوصول إلى مصل واقي يساعد علي التصدي للجائحة والعودة للحياة الطبيعية التي نشتاق إليها جميعا. هنا قد يعتقد القارئ أن البحث العلمي يقتصر فقط على الأبحاث في مجال الطب والعلوم الطبيعية “البحث والتطوير R&D ” كسلاح أساسي في التصدي للجائحة. إلا أن هذا الإعتقاد خاطئ فقد أحدثت الكورونا هزة في جميع مناحي الحياة الأمر الذي يدفع بجميع مؤسسات الدولة البحثية إلى التطوير والعمل للنظر إلى المستقبل، لتلافي الآثار السلبية لجائحة الكورونا وإعادة بناء عجلة التنمية. هذا الأمر الذي دفع معهد التخطيط القومي برئاسة الاستاذ الدكتور علاء زهران إلى تبني اتجاه تكاملي لمساندة صانع القرار خلال التصدي للجائحة، خاصة أن معهد التخطيط يضم ثمانين تخصص فرعي ممثل في ثماني مراكز بحثية في مختلف مجالات ومناحي التنمية. فتبني رؤية تقوم بالجمع بين مختلف التخصصات بالمعهد ما بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والهندسية والطبية للعمل سويا للخروج بسياسات خارج الصندوق لدعم صانع القرار. هنا قد يعتقد القارئ أن ما أذكره هو في إطار التسويق لدور المعهد بإعتباري أحد أعضائه، إلا أنني ما أطرحه أمر مختلف حيث أقدم نموذجا لمركز فكر مصري يحاول ان يقترب من صانع القرار لدعمه خلال الغموض الذي يكتنف الجائحة. كنموذج يمكن الاسترشاد به من قبل مختلف مراكز الفكر والبحث في مصر ووطننا العربي، هنا كان دور المعهد: – الرؤية للاقتراب من الجائحة: إن الاقتراب من الجائحة لابد أن يكون اقترابا تكامليا جامعا لمختلف التخصصات فالكورونا ذات أبعاد وآثار متشابكة ومتداخلة لها انعكاساتها على مختلف مناحي الحياة فتعظيم الآثر يحتاج إلى منهج تكاملي للتصدي واستشراف المستقبل. – الأدوات: دعم صانع القرار لا يمكن أن يتم بالطرق البحثية المعتادة وأنما عبر منتجات بحثية مغايرة كأوراق السياسات وملخص السياسات فلم نعد أمام رفاهية التنظير البحثي وأنما يحتاج صانع القرار الآن لوضع مقترحات وبرامج وقرارات قابلة للتطبيق والتنفيذ الأمر الذي بدأ فيه المعهد عبر “أوراق الازمة” و”أوراق عمل السياسات” فكلاهما يستهدف طرح رؤية جديدة خارجة عن المعتاد في تناول قضايا تمثل احتياج فعلي لصانع القرار يتناول مختلف الأبعاد والنواحي. كقضية التمويل خلال وبعد الجائحة، وضع مصر تجاه مبادرة الحزام والطريق في إطار الاتهامات الامريكية الصينية المتبادلة، وضع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال الجائحة. – الأجندة البحثية: يتبني المعهد توجها جديدا لتغطية الأثار المتنوعة للكورونا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة بموضوعات جديدة كدور تقنيات الذكاء الاصطناعي في التصدي للكورونا وحروب الجيل السادس، الأمن السبراني وتداعيات جائحة الكورونا، أبحاث التطور الجيني وأبعادها السياسية والاقتصادية فيما بعد الكورونا، أولويات التصنيع في إطار الأزمة الكاشفة للكوورنا. – بناء الكوادر خلال الأزمة: يقدم المعهد برامج تدريبية تساند خلال الجائحة في تفعيل دور مؤسسات الدولة كدور القيادة أبان الأزمات، وكيفية وضع خطط إدارة الأزمة ومتابعتها وتقويمها، والتفكير الاستراتيجي أبان الأزمات، والتفكير المستقبلي وتداعيات أزمة الكورونا على أولويات التنمية. كما يساند شباب الباحثين بالتشبيك مع مؤسسات الدولة المختلفة للحصول على برامج تدريبية في إطار خصوصية الجائحة كالبرامج التدريبية التي يقدمها معهد الإدارة العامة. – التعليم عن بعد: رغم أن المعهد يختص بالتعليم ما بعد الجامعي إلا أن دعم الدارسين خلال الجائحة كان أحد أهم أولوياته لاستكمال العملية التعليمية حتى وإن كانت عن بعد. في الواقع بعد إنقضاء جائحة الكوورنا سنشهد عالما جديدا مختلف الأبعاد والملامح الأمر الذي يجب أن نبدأ في تصور استراتيجيات التأثير وأدوات النفوذ في عالم ما بعد الوباء التي سيكون البحث العلمي هو أبرز مداخلها وفاعليها بل هو ما سيحدد مستقبل ومصير الأمم خاصة أنني أعتقد ان الكورونا لن تكون الوباء الأخير الذي سيواجه العالم في إطار حروب ما بعد الجيل السادس التي بدأت وطأتها بقوة في الظهور في ظل تشكل نظام عالمي جديد كانت الجائحة هى القوى المحركة الأسرع لديناميات التغير داخله. هنا في إطار إيماني بأهمية المدخل التكاملي الذي أكد عليه د زهران في خطة عمل المعهد من قبل سأقدم اقتراحات مهمة للمراكز البحثية المصرية، التي يمكن أن تساهم مع المعهد لتخفيف وطأة الجائحة على كاهل الدولة المصرية، وذلك في إطار تعليمات سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي: – تأسيس شبكة لمراكز الفكر المصرية وقاعدة بأسماء االباحثين بتخصصاتهم المختلفة كنواة للبدء في قضايا بحثية مشتركة على المستوى القومي للدولة. فالأبحاث الكمية تحتاج لأبعاد كيفية لقرائتها واستثمار نتائجها. والأبحاث الطبيعية تحتاج لأبعاد اجتماعية لتكمل الصورة وتزيد من الأثر والفاعلية. – وضع أجندة بحثية على المستوى القومي للدولة لتلبي احتياجات صانع القرار فلم نعد أمام رفاهية العمل البحثي الفردي محدود الأثر. – إقامة منصة للبرامج التدريبية عبر شبكة الأنترنت بالتنسيق بين مختلف المؤسسات التدريبية المختلفة للدولة لبناء الكوادر التنموية القادرة على التصدي للجائحة. وهذا يتطلب وضع أجندة تدريبية على إطار أكبر يلبي احتياجات القوى البشرية بمصر مع أهمية أن يتضمن برامج تحويلية للشباب والمهن التي تاثرت سلبا بفعل الكورونا. – وضع خطة توعوية لتأهيل المجتمع على الفكر الأزموي في إطار التوقع بإستمرار الأوبئة وتبعاتها. إن البحث والتنمية هما العربة التي ستنقلنا بسلام نحو المستقبل. الأمر الذي يحتاج إلى رؤية تكاملية للعبور إلى بر الأمان. حمي الله مصر من الجائحة وتبعاتها. *بقلم: د. هبة جمال الدين/مدرس العلوم السياسية والدراسات المستقبلية- معهد التخطيط القومي- وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية