في يوم الأربعاء الماضي أقدمت «هيلاري كلينتون» وزيرة الخارجية الأمريكية علي تدخل علني فظ في الشئون الداخلية المصرية، وبدا أنها تنحاز بوضوح لجانب حزب الحرية والعدالة «الإخوان المسلمين» في الصراع الدائر بينهم وبين القوي المدافعة عن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وفي خلافهم مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة! قالت كلينتون «نعتبر – أي الإدارة الأمريكية – أنه من الضروري أن يفي الجيش بالوعد الذي قطعه للشعب المصري بتسليم السلطة إلي الفائز في الانتخابات الرئاسية» وكان السائد في ذلك الوقت أن الفائز هو «د. محمد مرسي» مرشح حزب الحرية والعدالة، وأضافت «أن بعض الأفعال التي قامت بها السلطات العسكرية خلال الأيام الماضية مزعجة بوضوح.. ويجب أن يتبني الجيش دورا مناسبا غير دور التدخل والهيمنة أو محاولة إفساد السلطة الدستورية»، وأوضحت وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية أن العسكريين الذين يحكمون مصر لم يكفوا عن القول «شيئا في العلن ثم يتراجعون عنه في السر بطريقة ما، لكن رسالتنا هي دائما نفسها: يجب أن يحترموا العملية الديمقراطية»! ورغم هذا الهجوم علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة من جانب وزيرة الخارجية الأمريكية، فمن المؤكد أن الإدارة الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية حريصة علي علاقاتها بالقوات المسلحة المصرية وبجماعة الإخوان المسلمين معا، وكما قال «جمال عبدالجواد» أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في مصر ومدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية السابق «.. في الصراع بين الجيش المصري والإخوان تري الولاياتالمتحدة نفسها محشورة بين صديق قديم موثوق به إلي حد بعيد وهو الجيش، وصديق جديد محتمل غير موثوق به بعد وهو الإخوان المسلمين، وتحاول أن تجد نقطة توازن ما بين الحليفين أو الشريكين.. القديم والبازغ». ويبدو أن الاضطراب الذي أصاب الإدارة الأمريكية ناتج عن قراءة خاطئة ومتسرعة للواقع المصري خلال الفترة الأخيرة، وربما منذ ثورة 25 يناير 2011، فالولاياتالمتحدة «لم تعد فاعلا رئيسيا في تقرير مصير الأمور في مصر خلال الأحداث التي بدأت بالمظاهرات الاحتجاجية في ميدان التحرير يوم 25 يناير وتطورت لتصبح ثورة شعبية خلعت حسني مبارك من موقعه كرئيس للجمهورية لمدة تقرب من ثلاثين عاما وحتي اليوم.. كانت الولاياتالمتحدة خلال هذه التغييرات تلاحق حدثا لم تصنعه»، ونتيجة لهذا الاضطراب قدرت أن فوز جماعة الإخوان المسلمين بالأكثرية في انتخابات مجلس الشعب ثم مجلس الشوري وتشكيلهم مع حلفائهم الأغلبية في المجلسين، واستيلاؤهم علي الأغلبية في «الجمعية التأسيسية» التي ستتولي صياغة الدستور سواء في تشكيلها الأول الذي ألغي بقرار من محكمة القضاء الإداري أو في تشكيلها الثاني «وربما يكون قد ألغي أمس بحكم جديد من محكمة القضاء الإداري»، وترشيح رئيس حزب الحرية والعدالة «د. محمد مرسي» لرئاسة الجمهورية وحصوله علي أعلي الأصوات في الجولة الأولي لانتخابات الرئاسة واحتمال فوزه في جولة الإعادة.. يجعل الإخوان المسلمين القوة السياسية الأولي في مصر دون منافس وسلطة الحكم القادمة. ولكن المفاجأة التي أربكت الإدارة الأمريكية جاءت من المحكمة الدستورية العليا المصرية قمة السلطة القضائية في مصر التي حكمت ببطلان مواد في قانون الانتخابات وبطلان مجلس الشعب الذي انتخب علي أساس هذا القانون، وبالتالي حله وانتقال السلطة التشريعية بعيدا عن جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن تراجعت شعبيتهم نتيجة لممارساتهم خلال 120 يوما هيمنوا فيها علي السلطة التشريعية، وما بدا من احتمال فشل مرشحهم لمنصب رئيس الجمهورية، وأخيرا الإعلان الدستوري المكمل والذي مد الفترة الانتقالية خمسة أشهر إضافية حتي نوفمبر القادم، وأعطي المجلس الأعلي للقوات المسلحة وضعا يحوله إلي سلطة رابعة إضافية للسلطات الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية» واحتفاظه أيضا بسلطة التشريع. والعلاقة بين الإدارة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين ليست بنت اليوم، ولم تبدأ بعد ثورة 25 يناير، ولكن لها جذور قديمة خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتقدم دراسة لعماد مسعد السبع منشورة تحت عنوان «مستقبل العلاقة بين الإخوان المسلمين وأمريكا» مجموعة من الحقائق المهمة. فيشير الكاتب إلي توصية لمعهد بروكنجز للرئيس أوباما وردت في تقرير صادر عن المعهد «بضرورة استئناف الحوار مع الإخوان لمنع الجماعات السلفية من بسط سيطرتها علي الحياة السياسية ومقاعد المجلس التشريعي في مصر، مع السماح للسفارات الأمريكية بإجراء نقاش مع التيار الوسطي الإسلامي بعد نحو عقد من قرار الرئيس الأمريكي بوش بقطع هذه الاتصالات»، وبرر التقرير هذه الدعوة لاستئناف الحوار بأن «الحوار المفتوح مع الإخوان سيتيح للولايات المتحدة فرض بعض من نفوذها علي الاستراتيجيات التي يتبعونها وخاصة ما يتعلق منها بالمشاركة في الانتخابات والوصول إلي السلطة»، ويتفق هذا الطرح من جانب معهد بروكنجز – في رأي الكاتب – مع ما انتهي إليه تقرير الحريات الدينية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في نوفمبر 2010، والذي اعتبر جماعة الإخوان المسلمين «أقلية دينية تتعرض للتمييز والاضطهاد الديني في مصر»! وأعلنت «هيلاري كلينتون» في العام الماضي أن الإدارة الأمريكية بدأت حوارا مع تيار الإخوان المسلمين – بعد توقفه منذ عام 2006 – وأن هناك نقاشات تجري مع تيار الإخوان المسلمين ممثلا في ذراعه السياسي «حزب الحرية والعدالة»، وصرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي في حديث نشر بصحيفة الأهرام في 15 أغسطس 2011، بأن مسئولي الحكومة الأمريكية يلتقون رموزا وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بشكل مستمر وفي إطار حوار مع القوي السياسية حول مستقبل عملية التحول الديمقراطي في مصر وقام «ريتشارد دوني» مسئول الاتصال السياسي بالسفارة الأمريكية بزيارة لمقر جماعة الإخوان المسلمين «القديم» بشارع سوق التوفيقية واجتمع بقادتها، والتقي د. سعد الكتاتني مع «سيتني هوبز» زعيم الأغلبية الديمقراطية بالكونجرس بمقر السفارة الأمريكية بالقاهرة. كل هذه الحقائق تجعل جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة والمرشد العام للجماعة «محمد بديع» ورئيس حزب الحرية والعدالة «د. محمد مرسي»، مطالبين بإعلان موقفهم من التدخل الأمريكي في الشأن المصري الداخلي، والتهديد «بإعادة النظر في المساعدات العسكرية السنوية لمصر والتي تبلغ قيمتها 3.1 مليار دولار» إذا لم يتم تسليم السلطة للمدنيين في أول يوليو القادم. لقد أدانت كل الأحزاب والقوي السياسية المدنية هذا التدخل الأمريكي، ولم يعد مقبولا من الرأي العام المصري هذا الصمت المريب من الإخوان المسلمين، فهل يفعلوها أم يؤكدون كل الشكوك والاتهامات التي تلاحقهم؟!