“لن أوقع على قانون لا ينصفكنّ، وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة في هذا القانون”.. بهذه الكلمات طمأن الرئيس عبدالفتاح السيسي نساء مصر، بشأن قانون الأحوال الشخصية الذي أثار الجدل الأسابيع الماضية بشأن بعض مواده الخلافية ما بين مؤسسة الأزهر من جهة والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى. وأوضح السيسي خلال كلمته بمنتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، “أن النساء يتخوفن ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهن”. وينتظر البرلمان حاليا مشروع القانون الذى تعده وزارة العدل، تمهيدا لمناقشته مع مشروعات القوانين المقدمة من النواب للوصول لمشروع متوازٍ ومنصف لكل الأطراف. بداية الأزمة اشتعل الجدل حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية خاصة بعد خروج مشروع القانون الذى أعده الأزهر الشريف وأقرته هيئة كبار العلماء للنور حيث عبر عدد من النواب عن استيائهم الشديد من عدم رد الازهر على مشروعات القوانين المقدمة منهم اليه لابداء الرأى الشرعى فيها, وخروجه بمشروع قانون مستقل له دون ابداء الرأى فى مشروعات القوانين الاخرى مؤكدين أن الازهر ليست مؤسسة تشريعية حتى يقوم على اعداد مشاريع القوانين ,فى حين رأى آخرون أن مقترحات الأزهر استرشادية وليست ملزمة لمجلس النواب، وأنه يتعين على المؤسسة الدينية أن تسلك المسارات القانونية فى تقديم تلك المقترحات إلى مجلس النواب, وبحسب ما أقرته لائحة البرلمان، يتعين على تعديلات الأزهر لكى تصبح مشروعا بقانون، أن تقدم إلى مجلس النواب بصفته السلطة التشريعية عبر 3 حلقات، إما أن يتبنى تلك التعديلات أحد النواب ويجمع لها ما يعادل توقيع 60 نائبا، أو أن يتبناها مجلس الوزراء ويقدمها كمشروع قانون من الحكومة للبرلمان، أو يقدمه رئيس الجمهورية كمشروع قانون, ومن ناحية اخرى اعلن المجلس القومى للمرأة تمسكه بمشروع القانون الذى تم إعداده على مدار أكثر من عام ونصف، تم خلاله تشكيل لجنة صياغة، مكونة من اللجنة التشريعية بالمجلس ب وفى خضم هذا الجدل ومع اقتراب انتهاء دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب نتساءل ..ما مصير مشاريع قوانين الاحوال الشخصية المقدمة من النواب؟ وهل ستقدم الحكومة مشروع قانون خاص بها أم لا ؟وهل البرلمان لديه نية لاصدار قانون جديد للاحوال الشخصية خلال الدور الأخير للبرلمان من الفصل التشريعي الأول؟ وهل سيأخذ البرلمان بمشروع قانون الازهر ام بمشروع قومى المرأة ام مقترحات النواب ؟ 6 مشروعات قوانين تقدم نواب البرلمان ب6 مشروعات لقانون الأحوال الشخصية منذ 2017 حتى الآن. في مقدمتهم مشروع مقدم من النائب محمد فؤاد في أبريل 2017، ومشروع مقدم من النائبة عبلة الهواري مارس 2018، بالاضافة ل4 مقترحات بمشروعات قوانين ل4 نواب وهم النائبة هالة أبو السعد – النائبة سهير الحادي – النائب جمال الشويخي – النائب سمير أبو طالب. هذه الأسباب دفعت النواب بإعادة المطالبة والضغط من إجلال مناقشة وإقرار قانون الأحوال الشخصية قبل انتهاء أعمال المجلس في دور انعقاده الأخير، باعتباره من القوانين الهامة والتي تخاطب ملايين الأسر المصرية. ولاية الفقيه! يقول النائب محمد فؤاد، مقدم مشروع قانون للأحوال الشخصية؛ أن الازهر حاول أن يتجاوز دوره الاستشارى ويبحث عن دور لا يخصه من ناحية ولا يمتلك الإمكانيات للقيام به من أخرى. وانتقد “فؤاد” تصريحات الإمام الاكبر عن أسباب تمسك الأزهر بإعداد مشروع، التى قال فيها إن المؤسسة لن تترك مسائل الأحوال لكل “من هب ودب” ليتدخل فيها، وكأنه صاحب سلطة بالفعل وكلمته حاسمة وقاطعة لن يرده فيها برلمان كان أو حكومة. مؤكدًا أن معالجة مسائل الأحوال الشخصية التي أدت لفساد بالمجتمع لن تكون بتوضيح موقف التراث من المواد الخلافية، والتي هي في الأساس ليست من القرآن والسنة في شيء، دون علم حقيقي بمعاناة المجتمع ودراسة لأسباب ذلك. وأكد “فؤاد” أن الأزهر لن يستطيع فرض سلطته وكأننا نعيش عصر آخر لولاية الفقيه، وأن محاولات التظاهر بحماية حقوق المرآة تارة والقول بأن هذا “تشريع قرآني” تارة أخرى لن تسكت ألسنة النقد من نساء ورجال المجتمع الباحثين عن حلول لمشاكل مجتمعية عنيفة. ولم يمانع أحد قط الأزهر الشريف وإمامه الأكبر من إبداء الرأي فيما يخص القوانين المطروحة، لكن القفز على المشهد ومصادرة الآراء بخطاب فوقي ونص ركيك لن يرهب أحدا ولن يسكت نقدا. قالت النائبة آمنة نصير، وأستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن استقرار الأسرة من استقرار الوطن كله، والأسرة تحتاج لتأنٍ وحكمة بالغة بمعرفة مستجدات الزمان على ما ورثناه من التشريعات القديمة، وفي كل قانون يؤخذ بشأنها سواء للمرأة للمطلقة أو للمعيلة، أو للأبناء غير الأشقاء. وأكدت: “الأزهر لا يُشرع، لكنه يرسل إليه تشريعات البرلمان لكي يرى إذا ما كانت توافق الشريعة، وأنا أول من سيعارض مناقشة مشروع القانون. وبشأن الفقرة (ب) من المادة 6 من مشروع الأزهر والتي تنص على (لا يحق للولى منع تزويج المرأة برجل كفء ترضاه، إذا لم يكن للمنع سبب مقبول، وللقاضى إذا رفع إليه أمرها أن يزوجها) علقت النائبة أمنة نصير أن من شروط صحة الزواج فلا بد من موافقة ولي الأمر، ومثل هذه البنود –المادة المذكورة في مشروع الأزهر- لا تبني بل تطرح نوعا من الجدل والحوار وربما التفلت من ميثاق الأسرة واحترام وجهة نظرها فيما تقبل وفيما ترفض. فلابد من موافقة ولي الأمر وإلا سنضع قنبلة داخل البيت بين هذه الفتاة ومن تقدم لها، وهناك البعد النفسي والأخلاقي والاجتماعي لتضامن هذا الزواج من قِبَل الأسرة”. الحوار المجتمعي وقال النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن بالبرلمان، إنه منذ أواخر دور انعقاد البرلمان الأول بدأ عددًا من النواب التقدم بمقترحات للتعديل قانون الأحوال الشخصية، بالإضافة لقانونين جديدين، وأرسل البرلمان القوانين والمقترحات بداية الدور الثاني للأزهر للرد عليها إذا كانت هذه المواد متوافقة مع الشريعة الإسلامية من عدمه. إلا أن النواب فوجئوا بداية دور الانعقاد الرابع تصريحات من بعض قيادات الأزهر بإعداده لقانون للأحوال الشخصية، بعد أن عطل الأزهر مناقشة القانون 3 سنوات كاملة لعدم رده على البرلمان. ولفت “أبو حامد” أنه طوال أدوار انعقاد البرلمان الثلاثة الماضية طالبنا اللجنة التشريعية بضرورة مناقشة القوانين وفتح حوار مجتمعي ودعوة الأزهر لإبداء رأيه دينيًا، إلا أن ذلك لم يحدث. وبعد أن تجاهل الأزهر تمامًا للبرلمان ولم يقم بالرد على المقترحات التي أرسلت له من البرلمان، فوجئنا في أواخر دور الانعقاد الرابع للبرلمان إعلان الأزهر عن مشروع قانون كامل عن الأحوال الشخصية. وأكد “أبو حامد” أن البرلمان لن يقر تعديلات القانون الخاص بالأحوال الشخصية بدون حوار مجتمعي مفتوح ودعوة الازهر للإطلاع على المقترحات وإبداء الرأي الديني والشرعي فيها. رسالة طمأنة وقالت النائبة مايسة عطوة وكيل لجنة القوى العاملة بالبرلمان، إن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن قانون الأحوال الشخصية، وثقته في أن النواب والبرلمان حريصون على خروج قانون عادل ومتوازن؛ يؤكد متابعة الرئيس لكي ما يخص الأسر المصرية وتوجيهاته بضرورة أنَّ يسود العدل والتوازن تعد رسالة طمأنة للجميع. وأكدت أن قانون الأحوال الشخصية الجديد لن يخرج من البرلمان إلا منصفا للجميع؛ معالجا لجميع المشكلات والآثار السلبية التى يسببها القانون الحالى، مراعيا لحقوق الطفل والمرأة والرجل، موازنا للواجبات بين الجميع، معلياً المصلحة الفضلى للطفل. الخطوة القادمة وأكدت د”امانى الطويل”خبيرة بمركز الاهرام للدراسات السياسية أن تصريحات الرئيس السيسى جاءت نتيجة الاعتراضات الموجهة لمشروع قانون الازهر سواء من منظمات المجتمع المدنى او من نواب البرلمان انفسهم ,لافتة الى أن الازهر جهة منوط بها التشريع ,بل أن هذا هو دور البرلمان, ودور الازهر ابداء الرأى فى مشروعات القوانين المعروضة عليه, كما أن رأيه اسشاري, وليس ملزما. واضافت”الطويل”اتصور أن الخطوة القادمة يجب أن تأتى من البرلمان, فيجب ان يتبنى البرلمان مشروع القانون الذى أعده المجلس القومى للمرأة بمشاركة العديد من المنظمات النسائية وبمشاركة مركز الاهرام للدراسات مشيرة الى أن هناك مجهودات عديدة لاصدار قانون جديد للاحوال الشخصية لاننا امام قانون يحكم المرأة المصرية منذ قرن من الزمان مشيرة الى إن الأسر المصرية تعاني من قانون الأحوال الشخصية الحالي، حيث أن التعديلات التي طرأت عليه جعلت الوحدة الموضوعية للقانون مفقودة بما أسهم في تآكل نسيج الأسرة المصرية حيث ارتفعت نسب الطلاق وزادت الخصومات في المحاكم. وأشارت الي أن المجلس القومي للمرأة قام بتكوين لجنة في أغسطس 2017 للقيام بوضع تشريع جديد للأحوال الشخصية تضمنت ممثلين عن وزارات العدل، والتضامن، والداخلية، والخارجية، والكثير من المعنيين من الأجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ومركز الأهرام للدراسات، وقد نجحت هذه المبادرة في بلورة قانون جديد راعي البيئة الدينية والثقافية الراهنة للمجتمع المصري ,وتابعت:أن المحددات المستقرة لهذا القانون تتركز في الحفاظ علي الأسرة كوحدة متكاملة، تخفيف الخصومة بين الزوجين، الحفاظ علي متطلبات الحماية النفسية والاجتماعية للأطفال، تنظيم الخطبة وبعض مسائل الزواج، توسيع حق المرأة في طلب التطليق، تنظيم حق الاستضافة والرؤية والحضانة بما يراعي المصلحة الفضلى للطفل والحفاظ علي حقوق الطفل، فضلا عن حقه في النسب, واوصت اللجنة بضرورة تعديل المنظومة القضائية ومنظومة المأذونيين, وأن يكون هناك تساوٍ فى الاجراءات بين الاطراف لان تنفيذ الاحكام يقع دائما على عاتق المرأة . قوانين تعود بنا للوراء اما “نهاد أبو القمصان”رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة فأكدت أن الرئيس أنقذ المرأة المصرية من قوانين تعود بنا للوراء لافتة إلى أن التعديلات المطروحة لقانون الأحوال الشخصية المصرى سواء من الأزهر أو من البرلمان لم تقدم رؤية أكثر تفاعلًا مع تطورات الحياة أو تدرس القضايا الواقعية ولا التغييرات الاجتماعية والاقتصادية, وفيما يخص مشروع قانون الازهر فهو يضع مزيدا من القيود أمام المرأة للحصول على حقوقها وحقوق أطفالها وأن القانون متناقض وليس له علاقة بمشاكل الأسر, كما أن مقترح القانون لم يضع أي قيود على الطلاق من جانب الرجل، فبكلمة واحدة تهدم الأسر وتشرد الأطفال، وفيما يخص تعدد الزوجات أيضا لم يضع أي قيود على تعدد الزوجات الذي يؤثر بالسلب على الأطفال ويعرضهم لمخاطر شديدة، بل ولم يعتبر التعدد في حد ذاته ضرراً وإنما على الزوجة إثبات تضررها من الزواج بأخرى . واضافت بالرغم من أن المقترح أشرك المرأة فى الانفاق الا انه لم يعط للأم أي دور في اتخاذ قرارات متعلقة بحماية أموال أولادها القصر – في مجتمع تصل الأسر التي تعيلها المرأة إلى ما يقرب الثلث، حيث لم يضع الأم مع الأب في الولاية على أموال أولادها القصر, وجعل الولاية للأب ثم الجد، وهذا يعرض أموال القصر للضياع، فمن الأولى بحماية أموال الأولاد، الأم التي ترعاهم وتعمل لتنفق عليهم وتسجن أحياناً “كالغارمات” من أجل أولادها، أم الجد أو العم الذى لا يعلم عنهم شيئاً؟ ,ولم يكتف المقترح بذلك بل ألغى الولاية التعليمية للأم، وهو الأمر الذى انُتزع بعد نضال طويل لإنقاذ الأطفال من أن تكون حياتهم الدراسية أداة تنكيل، فكان كثير من الآباء إما أن يسحب الملف الدراسي، ولا يرسل الطفل للمدرسة، أو يغير نظام التعليم أو ينزل بالمستوى أو يغير عنوان المدرسة من محافظة إلى أخرى، فكيف يتم إلغاء نص يحمى مستقبل الأطفال وأكدت نهاد أبو القمصان أنه بمراجعة القانون نجد آثار معركة بين واضعي القانون، فالبعض حاول مواكبة العصر، والبعض أخذ المجتمع لأكثر من ألف عام للخلف، وكان الأحرى بالأزهر إذا تصدى لتقديم مقترح قانون للأحوال الشخصية أن يكون ثورة في العدالة والإنصاف والمساواة، وأن يستند على ما له من مكانة روحية في تقديم تفسير جديد لقضايا عدة منها الولاية والقوامة فببلوغ الشابة 21 عاماً تستطيع أن تكون عضو مجلس محلى وتوقع عقد شركة مساهمة وشركة أموال، وببلوغها 25 تستطيع أن تكون عضوة برلمان تشرع للناس، لكن ورغم ذلك في مقترح الأزهر والمقترحات الأخرى، لا تستطيع أن توقع عقد زواجها، تؤتمن كعضو مجلس إدارة أو عضو منتدب لشركة قابضة تدير مليارات بحجم ميزانيات دول، لكن لا تؤتمن على اختيار شريك للحياة أو إدارة بيتها وأموال أطفالها, فهل هذا ما يريده الأزهر؟!. وأضافت نهاد أن أفضل رد على دعاة التمسك بحرفية النصوص والتشدد ضد حقوق النساء بأن المملكة العربية السعودية الآن وعلى الرغم من عدم وجود قانون شامل للأسرة قدمت حديثا العديد من التعديلات فى القرارات المتعلقة بالنساء، مركزة على المصلحة الفضلى للطفل ومنح المرأة حقا مساويا لحق الرجل. ونصت تعديلات السعودية على أن رب الأسرة الأب أو الأم مع منح الوصاية ولها الحق في التبليغ عن المواليد، وثبوت حضانة الطفل للأم دون الحاجة لإقامة دعوى فيما ليس فيه نزاع، وإلغاء أمر الطاعة ونظر دعاوى الطلاق كأولية “على سبيل الاستعجال” وللزوجة حق طلب فسخ النكاح بسبب كرهها لزوجها وعدم إطاقتها العيش معه المحكمة العليا, كما نصت التعديلات على إلزام والد الأطفال بالنفقة والسكن والحضانة لوالدتهم. وأضافت أبو القمصان أنه لا داعى للتمسك برؤى شديدة المحافظة لقضايا عدة تمت إعادة النظر فيها فى الكثير من البلدان العربية والإسلامية، فبمقارنة قانون الأسرة المصرى بالعديد من البلدان العربية نجد أنه الأكثر انتهاكا لحقوق النساء والأطفال والأكثر تشددا والتمسك برؤى دينية عفا عليها الزمن ولم تعد تتناسب مع العصر، فالمشروعات المقدمة للمناقشة فى لجنة وزارة العدل لا تستجيب لمطالب النساء أو حتى المصلحة الفضلى للطفل كما لم تعالج المشاكل الإجرائية التى تجعل دعاوى الأسرة تستمر لسنوات فى المحاكم. وأكدت رئيس المركز المصرى لحقوق الطفل ان تصريحات الرئيس بانه سيقف بجانب المرأة ويحمى حقوقها يجب أن يتبعها دور قوى من المنظمات النسائية ,لافتة الى أن هناك العديد من المنظمات تقدمت بمقترحات لتعديل القانون بناء على خبرة عملية ودراسة لآلاف من القضايا وذلك للتعامل مع المشكلات الموضوعية والاجرائية، ويجب الضغط على وزارة العدل لمناقشة هذه المقترحات ,واوضحت أن وزارة العدل تعانى حرجا شديدا من مشروع قانون الازهر ولهذا قامت بدراسة مقترح الازهر ولم يتم أخذ رأى المنظمات النسائية.