عرض رانيا نبيل : “كان السيد يصعب عليه تمييز رفات إبنه، فهو لم يراه منذ زمن بعيد، وكان ينتظر على انفراد، فيما هو يصغي إلى انتحاب البعض وتضرعات الآخرين. والعديدون ممن كانوا قد عجزوا عن العثور على رفات عزيز كانوا يغادرون المكان خائبين، والمرارة على وجوههم. ولم تكن باقية غير أربعة هياكل لم يتم التعرف إليها حين تفرق الجمهور. عندئد بالذات نزل العجوز المعمم إلى الحفرة وراح يستكشف الأنسجة، مفتشًا بيد ثابتة في جيوب الألبسة، بحثًا عن العلامة الوحيدة التي من شأنها إنارته..”.. هكذا يبدأ الطبيب والروائي اللبناني محمد طعان روايته “سيد بغداد” الصادرة عن مكتبة مدبولي، أحداث الفترة الأولى للاحتلال الأمريكي للعراق، قصة “سيد” الأشرطة المشهور، وشيخ القبيلة الشيعي، وهو نفسه الأب الذي ظل يبحث على رفات إبنه الشيوعي والذي هرب من وجه نظام صدام القمعي متوجهًا إلى دمشق محتميًا ب”الست زينب” حفيدة النبي وشيقيقة الإمام حسين. يتابع المؤلف روايته شارحًا لحظات لقاء “آمنة” برفات زوجها المتغيب من سنوات، والتي قد نذرت ثلاثة أساور في حال عثرت على أثر لزوجها تهديها للإمام الحسين، ويستمر المؤلف في سرد تفاصيل رحلة دفن الرفات في ظل الاحتلال وحالة الفوضى التي انتشرت بمداخل ومخارج العراق، ليصل الرفات بسلام إلى أرض النجف المقدسة والتي بها أكبر مقابر العالم. وينطلق المؤلف إلى فصل آخر يروي فيه معاناة الجندي الأمريكي “جيمي” والذي تم إلحاقه بمصلحة الإشارة والذي يفاجئ بمنطق جديد في الحرب غير منطق الواقع مفاداه بأن “بعض الإفشاءات أو الحقائق قي تسئ إلى الإندفاع الوطني” وأحيانًا الأهداف النبيلة تستحق الاحتفاظ ببعض الأسرار، وهو الأمر الذي تصادم به “جيمي” أثناء خدمته بالعراق بعد حادث زميله هاردي كوبورن 23 عام، والذي انتهت حياته منتحرًا، فين حين أبلغت القيادة أسرة الجندي أن “كوبورن مات على يد العراقين بطلقة في الرأس”. وخلال إجازته يشاهد “جيمي” الأخبار على التليفزيون والتي تناقلت إعلان رسمي من الأممالمتحدة يفيد بأنه بعد أشهر طويلة من الأبحاث المشتركة بين خبراء أمريكان، “خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل”.. مرددًا أن جنودنا يموتون هناك لأجل لا شئَ!! وفي منتصف روياته يتذكر المؤلف الحرب العراقية الإيرانية التي وقعت في 1981، ومنها ينتقل إلى البعثة الأمريكية التي تذهب للناصرية بشأن المستقنعات الممتدة على 20 ألف كيلو مربع، والتي سبق وأن أرسلت الأممالمتحدة في الزمن السابق مبعوثين لأقناع صدام حسين بوقف خطته لتجفيف المستقنعات، لكن الرئيس العراقي الراحل لم يعيرهم أي اهتمام، وحذرت الأممالمتحدة من مشروع التجفيف ووصفته “إحدى أكبر كوارث التاريخ البيئية وأشدها جنونًا”. تضم البعثة الأمريكيةالأممية الجندي “جيمي” والذي سأل الشاب فارس الذي استضاف البعثة وأقام على خدمتهم لإنهاء عملها، عن هؤلاء “القوم الذين يبكون ويقرعون صدورهم”، ويبدأ فارس في الإجابة على الجندي الأمريكي باقتضاب بأنها عادة عند الشيعة، ويقومون بذلك في مناسبات معينة تعاطفًا مع الإمام الحسين الذي مات لحماية الإسلام والمسلمين، وخلال رحلة البعثة يستمعون لروايات وذكرى أهالي القرى وروياتهم حول تفجير سدود الفرات عقب إسقاط النظام. ثم تتوجه البعثة إلى الحسينية للقاء “السيد”، وعلى مدى امتداد طريق العودة إلي بغداد لم يكف جيمي عن النظر للحجر الكريم في الخاتم الذي قدمه السيد إليه، في تلك الليلة راى حلم ترك فيه أثرا عميقا وفي العادة لم يكن يتذكر أحلامه لكن هذا الحلم بقى جلي في ذاكرته وبقى لديه أيضا شعور غريب بالسعادة لم يتمكن من الامتتناع من عزوه إلي الخاتم الذي كان قد ابقاه في إصبعه”. يتكرر الحلم ثانيةً، ثم يجد الجندي نفسه متجهًا إلى الحسينية.. تتطور العلاقة بين السيد وجيمي، والذي دفعه فضوله للتهرب من الجندية، وإكتشاف المذهب الشيعي مستقرًا بالحسينية إلى أن أعلن إسلامه على المذهب الشيعي على يد “السيد”، ويحتفل معهم بليلة “عاشوراء” وهو ما عمق معرفته بالإسلام ومدى إعجابه بشخصية الإمام الحسين، وينتهي به الفضول متساءلًا عن تأخر قدوم المهدي المنتظر بعد كل هذا الظلم الذي يعم الأرض. - الإعلانات - صدر للمؤلف 5 كتب سابقة وتحول من كاتب سيناريو إلى كاتب روائي، منها “لاجئي بيشاور” و”نوستالجيا”، وأخيرًا “سيد بغداد” والذي كُتب بالفرنسية، وتم ترجمته للعربية، وتم طباعته بمكتبة مدبولي 2008، الرواية خيالية ذات طابع سياسي، ومأخوذة من الواقع العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين ودخول القوات الأمريكية في مارس 2003، ويرصد الأسابيع الأولى، للاحتلال. الراوية منقسمة ل25 فصل، وتدور أحداثها بدًء من كربلاء ثم الأهوار وبغداد. في الفصل الأول يتحدث حول المقابر الجماعية التي أقامها نظام صدام حسين خلال حكمه، كما في مدينة كربلاء. وسيطرت على أحداث الرواية عدة طقوس دينية للمذهب الشيعي، ووقائع تاريخية بالعراق واستذكار ما جرى في الفتنة الكبرى وواقعة استشهاد الحسين في كربلاء، والمقابر الجماعية والمعتقلين السياسيين للنظام العراقي.