بعد افتتاحه رسميا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب رضي الله عنها    426 مليون جنيه إجمالي مبيعات مبادرة "سند الخير" منذ انطلاقها    رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية: إسرائيل لن تلتزم بقرارات العدل الدولية    فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي على شاطئ غزة منفذا لتهجير الفلسطينيين    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    كولر يعقد محاضرة فنية قبل مران اليوم استعدادا للترجي    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    إعدام 6 أطنان أسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    "القاهرة الإخبارية" تحتفي بعيد ميلاد عادل إمام: حارب الفكر المتطرف بالفن    أحمد السقا عن أصعب مشهد بفيلم «السرب»: قنبلة انفجرت حولي وخرجت سليم    وزيرة التخطيط تشارك بافتتاح النسخة الحادية عشر لقمة رايز أب    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    تضامن الدقهلية تنظم ورشة عمل للتعريف بقانون حقوق كبار السن    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    سعر الدولار فى البنوك المصرية صباح الجمعة 17 مايو 2024    الجزار: انتهاء القرعة العلنية لحاجزي وحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    سيد عبد الحفيظ: مواجهة نهضة بركان ليست سهلة.. وأتمنى تتويج الزمالك بالكونفدرالية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    17 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    مصرع ربة منزل ونجليها في حادث دهس أسفل سيارة بعين شمس    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    تجديد تكليف مي فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحى الشامل    الخشت يستعرض دور جامعة القاهرة في نشر فكر ريادة الأعمال    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    طريقة عمل الهريسة، مذاقها مميز وأحلى من الجاهزة    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    خبير سياسات دولية: نتنياهو يتصرف بجنون لجر المنطقة لعدم استقرار    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17 مايو 2024 والقنوات الناقلة    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشرف بيدس يكتب: عظمة يا ست
نشر في الأهالي يوم 30 - 03 - 2019


بقلم أشرف بيدس:
كم ناجيتي من الحياري في ليل سهادهم.. وأزحت عنهم ويلات الأرق.. ومسحت من عيونهم دمعات جرت.. ورقرقتي العذاب في أنغام اخترقت أعماق جروحهم واكتوت، فداوت الآهات وأراحت الألم.. تطوفين علي العشاق تسمعين الشكوي والأنين.. وبقسط عادل تغدقين بلسما هو ترياق لا يري ولا يشم.. محملا علي نغمات سابحة تطيب النفس والوجدان وتحلق معهم في الشجن المسافر بعيدا…. ستاير النسيان نزلت بقالها زمان.. وإن كان على الحب القديم وآساه… انا نسيته.. ياريت كمان تنساه.. تفيد بإيه يا ندم.. وتعمل إيه يا عتاب.
- الإعلانات -
لا تشابه في الأسم.. أو الطريقة.. أو الشخصية.. أو نوعية الأغاني…. حالة متفردة لا تشبه أحد، وغير قابلة للتكرار .. يمكن تقليدها بمستويات أقل في محاولة لتلامسها، والاقتراب من عالمها الغنائي المتفرد من كلمة ولحن، فما أتيح لها أصبح استنساخه دربا من دروب المستحيل، ولا غضاضة في الأمر.. فهي الاستاذة المعلمة وهن التلميذات النجيبات اللائي يدينن بالولاء والعرفان ويتعلمن في دروس مفتوحة ومن دون شروط أو قيود سوي أن يتمتعن بصوت موهوب، فقط، حيث لا مصاريف ولا وساطة.. حبيبي لما يوعدني تبات الدنيا ضحكالي.. ولما وصله يسعدني ما افكر في اللي يجرالي.. ينسيني الوجود كله ولا يخطر على بالي.. ولما طبعه يتغير وقلبي يبقى متحير.. مع الافكار ابات في نار وفي حيرة تبكيني.. وبعد الليل يجينا النور وبعد الغيم ربيع وزهور..
أم كلثوم.. ويكفي أن نقول الست، عملة معدنية من الذهب الخالص طاردة لأي اضافات صناعية .. مادة خام من الجودة.. تملك أجواء خرافية بلا طقوس.. وأيضا بكامل الطقوس دون نقص تفصيلة واحدة.. ملكية عامة لكل العرب.. ولم تكن يوما مطربة طبقة دون أخري.. شائعة ومتداولة للجميع.. تسمعها في القصور والأحياء والقري.. ويجلجل صوتها في مدن العرب دون تصاريح مرور أو اختام حكومية.. هي كائن اسطوري بما تملكه من مقومات ليست لدي الآخريات.. يا أرق من النسمة وأجمل من ملك.. انت روحي وكل عمري ونور حياتي .. ده انا مخلوق علشانك .. يا دوب علشانك، علشانك انت.. وقلبي، عاش على لمس حنانك .. يا دوب حنانك، حنانك انت.
* فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي, اشتهرت بعدة ألقاب : ثومة، الجامعة العربية، الست، سيدة الغناء العربي، شمس الأصيل، صاحبة العصمة، كوكب الشرق، قيثارة الشرق، فنانة الشعب, الهرم الرابع.. ولدت في محافظة الدقهلية في 30 ديسمبر 1898, أو رسميًا حسب السجلات المدنية في 4 مايو 1908، وتوفيت في القاهرة بعد معاناة مع المرض في 3 فبراير 1975م. تعد أم كلثوم من أبرز مغني القرن العشرين, بدأت مشوارها الفني في سن الطفولة.. أشتهرت في مصر والوطن العربي.. ولدت لأسرة متواضعة في قرية طماي الزهايرة, مركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، كان والدها الشيخ إبراهيم, إمام ومؤذن لمسجد القرية، عاشت العائلة في مسكن صغير مُشيد من طوب طيني. وكانت حالة الدخل المادي للأسرة منخفضة، حيث أن المصدر الرئيس للدخل هو أبيها الذي يعمل كمُنشد في حفلات الزواج بالقرية, الحقت بكتاب القرية لتتعلم, وتعلمت الغناء من والدها في سن صغيرة، حفظت القرآن في سن مبكرة, عندما سمعها والدها وهي تغني اعجب بصوتها, واصطحبها معه إلي الحفلات لتغني معه.. وتحولت الي مصد رزق رئيسي للاسرة. قام زكريا احمد وابو العلا محمد باقناع والدها للانتقال للقاهرة حيث غنت في مسرح البوسفور ومسرح حديقة الأزيكية , وبيعت أول اسطوانة لها ثمانية عشر ألف إسطوانة, ثم غنت في حفلات كبار القوم, واقتربت من اشهر المؤلفين والملحنين,واصبحت من أشهر المطربين في تاريخ الغناء, قدمت للسينما 6 أعمال: 1935: وداد, 1937: نشيد الأمل, 1940: دنانير, 1942: عايدة,. 1944: سلامة, 1947: فاطمة. وحول عدد الاغنيات التي غنتها ام كلثوم, يقول دكتور فيكتور سحاب في كتابه ” السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة” واستناداً الى فهرس خليل المصري ومحمود كامل تبلغ حوالي300 أغنية بالتقريب. تزوجت أم كلثوم 4 مرات, الاول كانت من الشيخ عبر الرحيم, وكان زواجا صوريا بغرض السفر, والثاني كان من الملحن محمود الشريف, والثالث من الصحفي مصطفي أمين, والرابعة من الدكتور حسن الحفناوي.
أداء يقترب من الصلاة.. ويصل إلي آفاق الرهبنة.. حيث الثبات والوقار والقدرة علي التواصل بنبرات عالية تسمو وتسمو, ثم سرعان ما تخفت وتخفت وتثقل الكلمات بمعيار دقيق، لا تحلق بمفردها بل تصطحب معها الجميع رغما عنهم ولا تستثني أحد، الكل يطير معها مسلوب الارادة والعقل مستسلم برضا ورغبة في الفرار من الواقع والابحار في عالمها المخملي الذي يقتحم سكون الليل ويقلب موازينه الهادئة.. يا حبيبي، الليل وسماه، ونجومه وقمره، قمره وسهره.. وانت وانا يا حبيبي أنا، يا حياتى انا، كلنا فى الحب سوا.. والهوى آه منه الهوى، سهران الهوى.. يسقينا الهنا ويقول بالهنا يا حبيبي.
استحوذت أم كلثوم علي اهتمام الموسيقيين وأهل الاختصاص طوال مسيرتها الفنية, وتناولتها الأفلام والأفواه بالاشادة والتقييم, ففي 1934 كتب الاديب محمد السيد المويلحي مقالا يعدد من خلالها ملامح وخصائص صوتها من الناحية الفنية, فيقول: “صوت غني بذبذباته التي تفعل في النفس فعل السحر أو أكثر , والتي تعطي السامع لوناً لامعاً ونبرة صافية غنية بكل الدوافع التي تسلب الإنسان حسه ونفسه.. فهو يتكون من (ديوانين) تقريباً , وهو من نوع (الكونترالتو) و(الميزوسبرانو) ويبلغ 15 مقاماً تقريبا (12 كونترالتو) و(3ميزوسبرانو).. ويضيف أم كلثوم أقوي مطربة من الشرق, تتصرف من عقود النغم وعنصره تصرفا فنيا سليماً. فهي مثلاً تتصرف في العقد الأول (بياتي ذي الاربع علي الدوكة) وتتصرف من العقد الثاني (راست دي الاربع علي النوي) كذلك عشاق ذي الاربع علي النوي, والحجاز ذي الأربع علي النوي, وتهبط من البياتي ذي الأربع علي الدوكة (نغمة الكارجهار), وكل هذا لا يخرج عن عقود النغمة وعنصرها ولا يؤذي أذن السامع بل يصور له ذوقا رفيعا ساميا في التصرف, وفي تذوق النغم وفهمه..
وهي أقدر المطربات قاطبة في فن الإلقاء, وفهم الغناء, واعطاء كل كلمة المعني الذي يترجمها ترجمة صادقة. وأكبر الظن أن هذا يرجع أنها اشتغلت كثيراً مطربة ومغنية للقصائد النبوية في المدائن والقري.. تجيد كل ما تغنيه : ففي الطقطوقة والدور, والتوشيح والمنولوج, والقصيدة, لا تستطيع أن تسمو من ناحية علي الأخري, ولا في نوع علي نوع, لأن التوفيق يأبي إلا أن يلازمها في جميع ما تغني.. تدين للملحنين بكثير من مجدها, وإن كانت هي لا تحب أن تعترف بهذا .. تعزف علي العود وتفهم في علم النغم, وتلم إلماماً بسيطاً ببحور الشعر وقوافيه”.
كانت من الذكاء الذي لم يجعل من ألحان محمد عبدالوهاب من اختراقها, والركون مجبرة في منطقته, واستطاعت أن تنفد من حيله الموسيقية بتقييدها, وكأنها تقول أنا أم كلثوم التي تطرب إذا غنت وتشجي إذا أنت.. أنها كان امتداد اصيل لدنانير وقمر والعجفاء وسلامة وبنات زرياب”, فهي الفلاحة الفصحية التي استطاعت أن تملأ سماء الفن, وتفهم المزاج العام للعرب.. نجحت أم كلثوم أن “تكلثم” أغنياتها, تضفي عليها شخصيتها في صورتها ومذاقها ولونها ورائحتها, وتهيئ لها عملية فنية دقيقة متأنية حتي تصير كلثومية, لا يمكن استخدامها من خلال الاخرين, حتي إذا حاول البعض غنائها فأنها محاولة تجري في أنهارها الصوتية.
***
يا درة الفن يا أبهى لآلئه… سبحان ربى بديع الكون باريها
مهما أراد بيان أن يصورها… لا يستطيع لها وصفا وتشبيها
فريدة من عطاياه يجود بها… على براياه ترويحا وترفيها
صوت بعيد المدى ريا مناهله…به من النبرات الغر صافيها
وآهة من صميم القلب ترسلها…إلى جراح ذوي شكوى فتشفيها
تشدو فتسمع نجوى روح قائلها… وتستبين جمال اللحن من فيها
احمد رامي
***
حضور ساحر يطغي علي الآلات والنغمات والكلمات، ويعلن للملأ دون استحياء وبجبروت الأنثي التي تملك ولا تتباهي.. تعشق ولا تظلم.. تتألم ولا تشتكي.. تسامح ولا تلوم.. حتى الزمان اللى كان عطفك يا عينى عليه .. خلانى ارضى الهوان واسلم الروح اليه .. أم كلثوم جرافيك.. رسم.. سينما.. نحت.. عرائس.. كرتون.. لا تغيب ولا تعود.. هي حاضرة في الذاكرة والوجدان.. وفي تاريخنا الموسيقي والغنائي بطلتها الهادرة.. ووقفتها الراسخة.. وأدائها الأسطوري الذي يفرض سطوته، ويحرض الشجن علي الانطلاق في دواخلنا يفتش عن مواطن الوجع ويحولها إلي فرحة.. أم كلثوم الهرم الرابع.. لكن الأهرام من حجارة قابعة في الجيزة لا تتحرك ولا تحدث فينا التأثير .. لكن أم كلثوم هي ذاكرتنا الخصبة التي تؤكد للعالم الكبير أننا شعب يملك مشاعر خيالية وطازجة تتجسد في صوتها : هو حناني عليك قساك حتى علي.. ولا رضايَ كمان خلاك تلعب بيّ.. ولا تسامح روحي معاك غرّك بيّ..انا يا حبيبي صحيح بتسامح إلا في عزة نفسي وحبي.. واما يفيض بي ما باعرف أصالح.. وأعرف آجي كتير على قلبي.
أم كلثوم ليست مغنية عادية.. بل هي حالة عربية ومصرية.. توحدت مع ثقافتها وبيئتها وناسها.. وعبرت عنهم في كل حالات انتصاراتهم واخفاقاتهم.. وظلت في الصفوف الامامية رمز لم تهتز صورته ولم ينل منها أحد.. حياتها الخاصة مناطق محرمة، حتي التلصص لم يكن متاحا.. ولم يتجاوز أسوارها العالية سوي الطيور التي كانت تهيم حولها وتشحن ذاكرتها العفية بأصواتها، أو ربما كانت تسمع صوتها وهي تشدو بين الحين والحين.. شمس الأصيل دهبّت .. خوص النخيل يا نيل.. تحفة ومتصورة في صفحتك يا جميل.. والناي على الشط غنى.. والقدود بتميل على هبوب الهوا لما يمر عليل.
***
تشدو فتسكب في الأرواح صافية.. من سلسل من رحيق الخلد مختوم
تعطيك من دمها لحن الخلود فما.. داود أحري وان أوفي بتقديم
هزت ربي الشوق هزا فاستدار لها.. وقال من تلك؟ في فخر وتعظيم
تلك التي ازدانت بها فغدت.. غنية باسمها عن كل تقديم..
عزيز اباظة
***
تمتعت أغانيها بلغة وسطية لم تكن مشاعة، لكنها صارت مدرسة فيما بعد, لجأ إليها اجيال من المؤلفين، وصار علي النهج كل المطربين والمطربات بعد أن اعتمدتها أم كلثوم، وصارت طريقة مشروعة.. كان تجمع الناس حول الراديو يمثل طقس مصري وعربي أصيل.. ليس له مثيل في كل بلدان العالم.. ولم يتكرر سوي مع صوت أم كلثوم.. حتي الحفلات الغنائية كانت شديدة الصرامة من دون تعليمات.. ما زلت فى وحدتى اُسامرها.. حتى سرت فيك نسمة السحر.. وانا اسبحُ فى دنيا تراءت لعيونى.. قصة اقرأ فيها صفحات من شجونى.. بين ماضً لم يدع لى غير ذكرى عن خيالى لا تغيب.
عنيدة جدا وليست سهلة الانصياع.. وإلا ما كانت استطاعت الصمود أكثر من خمسين عاما ومئات السنوات القادمة لتحتل المشهد الغنائي بمفردها، في ألق يجعل المهمة مستحيلة علي الكثيرات.. ولازلنا في انتظار من يقترب من عالمها الابداعي وصوتها الفريد وشخصيتها الجامعة.. اكسبتها تلاوة القرآن طهارة الصوت ونقائه .. موجة تداعب صفحة البحر الهادئة.. تلهو ..تمرح.. ولا تنفرط حباتها المتماسكة.. مثلما طور الموسيقيين من أدائها، راحوا يطورون من ألحانهم لتناسب حنجرتها الذهبية التي فاقت كل المقاييس المتعارف عليها.. القمر من فرحنا هينور اكتر .. والنجوم هتبان لنا اجمل واكبر .. والشجر قبل الربيع هنشوفوا أخضر .. واللي فات ننساه ننسى كل أساه.. يلا نلحق من الزمن أيام صفاه.. دي الحياة من غير لقانا مش حياه.. واحنا مش هنعيش يا روحي مرتين.
***
سَلوا كؤوسَ الطِلا هل لامَسَتْ فاها.. واسْتَخْبِروا الراحَ هل مَسَتْ ثناياها
باتَتْ على الرَّوضِ تَسقينى بصافيةٍ.. لا للسُلافِ ولا للوَرْدِ رَيَّاها
ما ضَرَ لو جَعَلَتْ كأسى مَراشِفها.. ولو سَقَتنى بصافٍ من حُمَيَّاها
هَيْفاءُ كالبانِ يَلْتَفُ النَسيمُ بِها.. ويُلْفِتُ الطير تحت الوَشى عِطْفاها
أحمد شوقي
***
أتاح صوت أم كلثوم للملحنين فرصة تجديد ألحانهم وتطويرها, ومن ثم تطوير الغناء العربي, بل لم يقف الأمر فقط علي الغناء والألحان بل امتد ليشمل العزف ايضا بدءا من محمد عبده صالح الذي بلغ ذورته في فرقة أم كلثوم عازفا علي آلة القانون, وكذلك أحمد الحفناوي عازف الكمان الذي رد سر تميزه بسبب جلوسه في “تخت” أم كلثوم, ولم يكن غريبا أن يصرح إبراهيم عفيفي رائد الايقاع أن أم كلثوم ألهمته بصوتها ما استنبطه من أساليب جديدة في الايقاع.. أنها حالة استثنائية لا تنطبق عليها مقولة عبد الوهاب “بأنها أعظم فاترينة في حياتنا الموسيقية” لأنها شريكة في العمل, وظل في النهاية عبد الوهاب بقيمته واحتفظت أم كلثوم بكامل شعبيتها.
هناك من الملحنين اضافوا لتاريخها الفني وحصدوا الظل, وتواروا خلف هذه الشعبية, ومنهم واحد ممن وصفهم الدكتور فيكتور سحاب بالسبعة الكبار, وهو محمد القصبجي التي عزفت عن الغناء من ألحانه بعد أن قدم لها العديد من الألحان “إن كنت أسامح وأنسى الآسية” لتي قفزت بأم كلثوم لقمة الغناء، وحققت الأسطوانة حينها أعلى المبيعات واقترن اسم أم كلثوم والقصبجي حتى وصلا إلى القمة من خلال “رق الحبيب”, والرجل حسب وصف العارفين بالموسيقي يملك القدرة علي التفكير الموسيقي, وعلي صياغة لوازم قوية متماسكة, كما قام بتطوير اللحن والتجديد في الموسيقي, ووصفته “الست” بأنه “سبق عصره”, وقدم ألحان ساحرة لاسمهان منها ” يا طيور” التي كان قفزة للأغنية العربية وصفها النقاد بأنها وصلت إلي الاوبرا العالمية, أو مزجه ايقاع الفالس في اغنية “قلبي دليلي” ليلي مراد, وهو من احصي محمود كامل أعماله وكانت : 360 أغنية موزعة على عدة أشكال من التلحين: 182 طقطوقة، 91 أغنية في 38 فيلمًا سينمائيًا، 43 مونولوجًا، 30 قصيدة، 13 دورًا، وموشح وحيد . والسؤال ماذا حدث؟ ليشهد هذا التراجع ويتحول من خالق للموسيقي ومطورا لها إلي عازف في فرقتها الموسيقية, يرجح جلال أمين أن الأذواق اختلف وربما هبطت, وما كان مطلوبا في الأربعينيات لم يعد مطلوبا في الستينيات والسبعينيات وهذا فاقم من أزمة القصبجي الذي عشق أم كلثوم حتي الذوبان في رحابها, مع كامل التقدير لما قدمه الملحنون الجدد في هذين العقدين من ألحان ساعدت علي استمرار وهج أم كلثوم وتألقها وبقاءها منفردة علي القمة.
عندما يعلن مسرح الاولمبيا أنها تقاضت أعلي أجر لفنان في العالم (19 مليون فرنك), ثم يضيف بأن المسرح حقق أعلي ايراد علي مر التاريخ, فإن الأمر لم يأتي مصادفة, حتي من خلال العلم حددت تجربة علمية أنها تملك أعلي ذبذبة بلغها صوت انساني, إذ بلغت 3966 ونصف الذبذبه في الثانيه الواحدة وان اقل ذبذبة فيه بلغت 356 ونصف الذبذبه في الثانية الواحدة..
***
أم كلثوم في فنون الأغاني….أمةٌ وحدها بهذا الزمان “
هي في الشرق وحدها ربّة الفنّ….فما كان للفنّ ربّ ثان
ذاع من صوتها الى اليوم حيث….عمّ كلّ الأمصار والبلدان
ما تغنّت الا وقد سحرتنا….بافتنان لها وأيّ افتنان
معروف الصرفاوي
***
جددت أم كلثوم في فن الغناء العربي .. تعلمها السريع وذكائها .. وفطرتها وسرعة بديهتها، والقدرة علي الانتقاء, وقدرتها علي صنع مسافات بينها وبين الآخرين جعلها محل احترام وتقدير من الجميع, ولم يجرؤ أحد علي اجتيازه بقصد أو دون قصد.. سعت إليها الصفوة واحتفت بها، كان القرب منها ميزة حرص الكثيرون علي اكتسابها، ولم يكن الأمر سهلا حتي لعلية القوم.. لم تنسي يوما أنها فلاحة بكل ما تحمله من خصال العفة.. ولم تغير الشهرة من هذه الخصال.. بل علي العكس.. اصطحبت معها عاداتها اينما ذهبت.. من كتر شوقي سبقت عمري.. وشفت بكرة والوقت بدري.. وايه يفيد الزمن مع اللي عاش في الخيال.. واللي في قلبه سكن انعم عليه بالوصال.
يقول ناقد موسيقي: ان الثابت بلا جدال هو ان معدن صوت ام كلثوم لا يصدأ ابدا… لقد برهنت الايام المديدة على انه صوت ذهبي بالمعنى الحرفي لهذه الكلمه، فالصدأ لا يتطرق اليه ابدا ولكن حتى الذهب يتحرك مع الزمن ويتشكل مرة بعد مرة وهذا بالضبط ما اتفق لصوت ام كلثوم في تعامله مع الظروف الكثيرة التي تأثر بها في مراحله المتعاقبه.. وكتب المؤلف الموسيقي البريطاني دينيس جراي : ان صوت ام كلثوم فيه عمق حضارة الشرق وهو تلخيص لتاريخ الحضارة الموسيقية الرفيعة التي انطلقت عن طريق فناني وعلماء العرب الى اوروبا.
أم كلثوم قيمة كبيرة في عالم الغناء العربي, وعن طريقة اختيارها الالحان, يحكي احمد رامي: “يعرض عليها اللحن فتقول لصاحبه “أسمعني” وتسمعه وهي قابلة علي هذا الجديد من النغم وفي وجهها اشراقة السرور, وتظل تنصت إليه ساكنة, ثم تقول له :”اسمعني” وتسمع وفي صدرها هدير النغم وعلي شفتيها غمغمة الخالي بنفسه, ثم تقول له : “اسمعني” وتغني معه بصوت خافت لا يقطع عليه انطلاقه في الغناء, ثم تنظر إليه وهي تقول: “الآن أعزف أنت وأغني انا” ثم تغنيه وحدها وهو يعزف, فما تند عن الاصل قيد شعرة, وقد تضيف إليه من ألوان صوتها الفنية ما يزيده عذوبه وحلاوة.
***
أيها الكوكب الذى أسعد الأرض باللقاء.
ردد الطرف فى الفضاء وما أرحب الفضاء
وأسأليه سؤال من يسأل الطير فى الهواء
هل سرى فيه مثل صوتك فى الحسن والنقاء
فى قديم الزمان أعنى وفى حاضر سواء ؟
العقاد
***
تتكشف شخصية أم كلثوم في تعاملاتها مع كبار المؤلفين والملحنين، لم تكن قناة يلقون بها ابداعاتهم، لكي تؤدي وفق وجهات نظرهم.. بل كانت شريكة اصيلة في العمل لأنه في النهاية يحمل بصمتها، لم ترضي عن حرف في كلمة لم يروق لها.. فالعمل معها مرهقا ومجهدا فهي تضع نصب أعينها جماهيرها الغفيرة التي وثقت في اختياراتها, وكانت لثقافتها وقراءاتها واطلاعاتها المستمرة دورا كبيرا انعكس علي فنها.. احتكت بمجتمع ذكوري في وقت مبكر من عمرها.. ونجحت في فرض ذاتيتها علي الجميع دون أن ينتج عن ذلك عداءات أو تجاوزات..ابتديت دلوقتي اخاف لا العمر يجري .. كل فرحه اشتاقها من قبلك خيالي .. التقاها في نور عنيك قلبي وفكري.. يا حياة قلبي يا أغلى من حياتي .. ليه ما قابلتش هواك يا حبيبي بدري.
رغم كل السيدات الأوائل.. فإن أم كلثوم تاريخيا واجتماعيا وشعبيا واقتصاديا ووطنيا وفنيا هي السيدة الأولي بدون منازع، وهو لقب لم تمنحه هيئة حكومية أو سلطوية.. إنما هو صنيعة الشعب، وما يصنعه الشعب يعلو فوق كل شيء.. وهل احتفي الوطن العربي بسيدة مثلما احتفي بهذا الكوكب الصداح الذي ملأ حياتنا متعة وبهجة؟.. هي صاحبة العصمة وبالأوراق الرسمية.. وليست تابعة أو محسوبة علي أحد.. الليل ودقت الساعات تصحي الليل.. الليل وحرقة الأهات في عز الليل.. وقسوة التنهيد والوحده والتسهيد.. لسه ما همش بعيد.. وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان.. وهات لي قلب لا داب ولا حب.. ولا انجرح ولا شاف حرمان.
كانت تخشي الجمهور إلي حد الخوف .. وتكن له التقدير اللازم وتحرص علي ارضائه، أحيانا كانت تداعبه فنيا من دون أن تفقد سيطرتها الكاملة علي الاجواء المحيطة بها.. وعندما كان يطلب منها اعادة مقطع.. تسعي للتجويد وكأنها تكافئ الجماهير.. لا يمكن النظر إلي الجمل اللحنية بنظرة سطحية.. فمن يدقق النظر يلحظ أن النغمات كانت تعبر عن المعني الذي تدور في رحاه الكلمات.. مكة وفيها جبال النور.. طالة علي البيت المعمور.. دخلنا باب السلام.. غمر قلوبنا السلام بعفو رب غفور
***
يا أم كلثوم غني فالهوى نغم…تلذه الشيب والشبان كلهم “
غني وغني على الاوتار صادحة… فانما بالاغاني تنهض الامم
من اجل صوت رخيم منك يسمعه…يا ام كلثوم جاء الجمع يزدحم
قد هزه صوتك الموار يطربه…فهاج كالبحر ذي الامواج يلتطم
صدقي الزهاوي
***
من يرقب حفلات أم كلثوم يلاحظ بسهولة توحد المزاج انصهاره مع أدائها، والأمر لا يتوقف علي الصفوة الذين يحضرون حفلاتها.. حتي في البيوت، والمقاهي والنوادي هناك حالة من الانتباه والاهتمام والامتزاج بين صنوف عديدة من البشر تختلف من حيث البيئة الاجتماعية والمهنية والثقافية والعلمية، لكنهم جميعا ودون استثناء يتشاركون في عشقهم لصوتها وبدرجات متساوية.. فلا طبقية ولا أفضلية.. الكل سواء.. الهوى انت كله والامانى.. فأملا الكأس بالغرام وهات.. بعد حين يبدل الحب دارا والعصافير تهجر الاوكار.. وديار كانت قديما ديارا سنراها كما نراها قفارا.. سوف تلهو بنا الحياه وتسخر فتعال احبك الان أكثر.
تكرار البروفات للموسيقيين وحفظهم الكامل للحن، كان يتيح لهم أثناء العرض المزيد من الاجادة والتميز.. فلا مكان للنوتة الموسيقية.. من بغداد إلي مراكش ملأ صوت أم كلثوم حياتنا.. وفسر لنا معاني العشق حتي ارتوينا منها لكننا لم نشبع عطشنا من سماعها المتواصل الذي يحرك افئدتنا ويحرضنا علي الحب والانغماس فيه حتي الغرق.. أما دروس الوطنية فكان لها نصيب من غنائها، التي كانت نشيد حماسي يلهب قلوب العرب ويشحذ من عزيمتهم ويقويها.. كانت سلاح سري لم ترصده الرادارات العسكرية.. أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم.. إلى ربىً حزينة.. كوجه المجدلية.. إلى القباب الخضر.. والحجارة النبيَّة.. عشرين عاماً وأنا أبحث عن أرضٍ وعن وهوية.
***
سيري مع الجحفل الجرار خافقة .. وسابقي فوقه سرب القشاعيم
وناوحي الامة الثكلي فقد رزئت.. بلادها بالمطاعين المطاعيم
قمرية الدوح اضحت ارضه يبسا.. ومزهر الغصن اضحي غير مرهوم
قد كان يمتص ضرع الغيث مندفقا.. فعاد يعطب في برجاء مفطوم
جواد الشبيبي
***
مذاق مختلف من الغناء ليس له شبيه أو مثيل.. مارشات عاطفية تقنن العشق وتكتب بنوده واحد تلو الآخر, دون أن تفقد تفصيلة أو ملمح.. الجبروت والسطوة والكبرياء.. ثم الذل والخضوع والذوبان في آه تخرج من بين الضلوع, لا ندري إذا كانت منطلقة فرحة.. أو مسقومة وقليلة الحيلة.. لكنها تخرج لتجد شفاة تتلقفها وتتداولها وتحتضن حروفها.
كل علامات الاستفهام والتعجب أبحرت في أنها نغماتها واغتسلت ولم تجد اجابة مرضية.. أغلب الظن أنها احترقت من فرط أدائها, ورفضت الخروج فلم تجد غير الغرق في الأعمال.. ترتوي ولا يطفأ لهيب الحريق الذي يكوي وجدانها.. وتنتظر المزيد والمزيد..
أكثر من نصف قرن علي القمة, وقد أتاح لها هذا, القرب من علية القوم من ملوك وأمراء ورؤساء وزعماء ومثقفين وادباء : هيكل والعقاد والمازني وطه حسين وشوقي وعزيز اباظة وحافظ والبشري ورامي, وعندما دخلت الفن كانت في حضرة القمم من اربابه.. رفعت خلال مسيرتها لافتة كبيرة كتب عليها “ممنوع الاقتراب” لذلك يمكن القول بأن حكاية أم كلثوم لم تكتب بعد, فمازال هناك حكايات لم ترو, وأظن أنها لم ترو.. فلم يعد يبقي من رائحة هذا الزمن سوي القليل والذي ربما لا تقوي ذاكرته علي الادلاء بشهادته.. وهذا ما لم يمنع البعض من التخمين والتأليف في أشياء لم تبد فيها أم كلثوم فيها رأيا أو المحيطين حولها..
***
وأشربُ صوتّها .. فيغوص من روحي إلى القاعِ.. ويُشعل بين أضلاعي
غناءً من لسان النار ، يهتف ” سوف أنساها.. وأنسى نكبتي بجفائها وتذوب أوجاعي ” .
وأشرب صوتها .. فكأنَّ ماء بُويبَ يسقيني.. وأسمع من وراء كرومه ورباه ” ها .. ها .. ها “
تردِّدها الصبايا السُّمْرُ من حينٍ إلى حين .. وأشربُ صوتها فكأنَّ زورقَ زفّةٍ وأنينَ مزمارِ ..
بدر شاكر السياب
***
كتب أحد الادباء أن المؤرخين سيجدون انفسهم بعد ألف عام مضطرين إلي العودة لصوت أم كلثوم كأحد أهم المراجع التاريخية عندما يكتبون تاريخ العرب في منتصف القرن العشرين بكل عنفوانه وانتصاراته وانكساراته , فقد غنت أم كلثوم لانحاء هذه الأمة طوال فترة المد القومي التي بدأت مع بداية الخمسينيات, كما غنت لاحزانه ولقضاياها, وساهمت بصوتها تجوب به الاقطار العربية كواحد من أهم موارد مصر دعما لقدراتها العسكرية والاقتصادية” ..
وكتبت صحيفة التايم الامريكية ذات يوم “أن أم كلثوم هو الشيءالوحيد الذي اتفق عليه العرب” وهما أيضا العرب جميعا ودون استثناء الذين اتفقوا علي أن يباع بيتها ليقام عليه مشروع سياحي, وأن الذي اشتراه ثري عربي من العرب, أغلب الظن أنه لم يعرف قيمتها ولميسمع أغانيها, ولم يعشق يوما امرأة, بينما في الغرب يعتبرون بيوت المشاهير مزارات سياحية لا يمكن الاقتراب أو العبث بها.. عكس ما يحدث في بلداننا العربية.
أم كلثوم الملهمة التي كانت قضيتها الأولي هي عقيدتها وعروبتها ومصريتها.. مثلت نموذج راق للمرأة العربية في شمال الأرض وجنوبها، وسكنت عقول الجميع .. وحازت علي قدسية لم تنلها امرأة عربية.. أم كلثوم استطاعت أن تروج لقيم الخير والجمال والسلام دون خطب أو محاضرات، ويسرت الطريق أمام المرأة لتحتل مكانتها التي تستحقها.. ستظل أم كلثوم حالة نادرة لن يجود الزمان بمثلها..اذا الايمان ضاع فلا أمان.. ولا دنيا لمن لم يحى دينا.. ومن رضى الحياة بغير دين.. فقد جعل الفناء له قرينا.. وللتوحيد للهمم اتحاد.. ولن تبنوا العلا متفرقينا.. الم يبعث لامتكم نبى.. يوحدكم على نهج الوئام.. ومصحفكم وقبلتكم جميعا.. منار للاخوة والسلام.. وفوق الكل رحمان رحيم اله واحد رب الأنام.
جورج البهجوري
لوحة أم كلثوم للرسام جورج البهجوري جاءت ضمن رسومات عديدة في كتابه “أيقونة أم كلثوم”، والذي يقع في 152 صفحة من القطع الكبير، وضم الكتاب ما يقرب من 130 لوحة رسمها الفنان التشكيلي لسيدة الغناء العربي عبر تاريخه الفني الطويل، والتي يقول عنها في مقدمته للكتاب: “أم كلثوم هي مصر، بعيوبها ومميزاتها”.. وجورج البهجوري هو جورج عبد المسيح بشاي شنودة ساليدس جرجس. ولد عام 1932 في محافظة قنا بالقرب من قرية بضواحي نجع حمادي تسمى بهجورة واليها يرجع اسمه الفني.. تخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة. درس في كلية الفنون الجميلة بباريس قسم التصوير. عمل كرسام كاريكاتيري منذ عام 1953 حتى عام 1975 في مجلتي روز اليوسف وصباح الخير. سافر إلى باريس في عام 1975، وأقام بها حتى عودته إلى القاهرة مرة أخرى في تسعينيات القرن الماضي، أقام البهجوري عشرات المعارض في سائر أرجاء العالم. فاز بجوائز كثيرة، منها الجائزة العالمية الأولى في الكاريكاتير في روما في عامي 1985 و1987.. تنوع الانفعال والعاطفة وتشكيلهما في طابع ساخر أدوات استخدمها بهجوري وهو يبدع لوجه وملامح وانفعالات أم كلثوم في عالم الغناء وكأنها أقرب إلى توثيق لأزمنة وشخصيات وتجارب عايشها جورج بهجوري وخرج منها بالتقاطات تفاصيل لمرحلة زمنية كاملة، تؤكد الحضور الطاغي لغناء وشخص أم كلثوم فيمن مسه سحرها.ويعلق الناقد الفني إستيفانيو أنجرانو عن اللوحات بأنها صنعت لأيقونة خالدة صنعت الحلم لأجيال من المصريين والتي لا تزال تحتفظ ببريقها رغم مرور الزمن.. وجورج البهجوري يعمل منذ سنوات على استجلاء أفضل صورة لأم كلثوم؛ لذا لا تتعجب عندما تكتشف وبشكل متكرر، في قلب أحد معارضه، سلسلة من الأعمال الجديدة التي تقدم أم كلثوم كبطلة وحدها وسط الأوركسترا مع أحبائها الموسيقين الذين لا يفارقونها، يحيطون بها حتى الاندماج في نسيج فستانها تحت الجلد. هذا التكامل بشكل خاص يظهر في الصور الكبيرة.. كما انه يصعب ترجمة انفعالات أم كلثوم أثناء الوصلة الغنائية؛ لأنها تتراوح دائماً بين الابتسامة والعبوس.
دخلت لوحاته الزيتية جناح الكورسول باللوفر 1990 لتمثل الجناح المصرى بدعوة خاصة من جمعية محبى الفنون الجميلة بباريس وحصلت لوحته ( وجه من مصر) الميدالية الفضية ووضع اسمه في قاعة كبار المشاهير مع جان كوكتو وأذنا فوروادى ورسومة على الحجر أثارت أنتباة جمهور الفن الفرنسى في ليموح بعد ان أختارة الحفار الآن جورسوة ليحفر بمرسمه فن الليتوجراف.. لجورج البهجوري عدة كتب منها (أيقونة فلتس)، (أيقونة باريس)، (بهجر في المهجر)، (بورسعيد)، (لا تزعل يا عصفور). حصل علي العديد من الجوائز منها : الجائزة العالمية الأولى فى الكاريكاتير فى روما فى سنة 1985 و 1987، وايطاليا Ancona, Italy , 1992، واسبانيا Teneriffa, Spain ,1990، وجائزة الملك عبد الله الثاني للابداع والآداب والفنون. اشترك بهجوري في عدة معارض دولية: معرض السنتين بالعراق، بينالى فينيسيا بأيطاليا 1969، معرض أكسفورد – ودستوك – لندن 1970، معرض برنارد فرنسواز 1973، معرض كونسانس اتيان – باريس 1974، معرض بجاليرى كاردان – باريس 1975، معرض بمتحف بورلى – مرسيليا 1981 ، معرض فى اسباس لو كوك – إيفرى 1982، معرض الفن العربى المعاصر تونس 1984، معرض باتو اسباس – مونتمارتر 1985، معرض فيستيفال الفن – بغداد 1988، معرض ( فرسان ) بمتحف اللوفر – باريس 1999، معرض ( صباح الخير بابلو ) باريس 2002 ، معرض (ابتسامات مصرية) فى بينالى جابروفو لفنون الفكاهة والسخرية ببلغاريا مايو 2007، وعشرات المعارض في جميع بلدان العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.