بعد أكثر من شهرين من بدء الاحتجاجات بالمدن السودانية ودخولها شهرها الثالث، لا تزال شعلتها مستمرة، بل ازدادت اتساعا وانتشارا، ودخلت على خطوطها قوى سياسية داخلية عديدة، والأهم أن هناك قوى خارجية بدأت تغير مواقفها من الخرطوم، حيث بدأ المجتمع الدولي يدرك أن هذا الحراك يختلف عما سبقه وهو ما يستدعي إعادة ترتيب الأوراق والنظر للمشهد السوداني برؤية مختلفة للحفاظ على مصالحه المتعددة بدءاً من مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والهجرة الشرعية وانتهاءً بالحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي، وكان الصوت الأمريكي، الأعلى وبعده البريطاني والفرنسي، فيما فضلت الدول العربية الترقب وإعلان دعمها السياسي للخرطوم، حيث أبدى السفير البريطاني لدى الخرطوم "عرفان صديق" قلقاً حيال التقارير الأخيرة التي تضمنت حدوث وفيات فى المعتقل، بينما دعت فرنسا بدورها سلطات الخرطوم إلى "وضع حد للعنف" لدى تفريق المتظاهرين الذين يحتجون ضد الحكومة على تردي الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية "آنييس فون درمول" "ندعو السلطات السودانية إلى اتخاذ كل التدابير الضرورية لوضع حد للعنف ضد المتظاهرين المسالمين وملاحقة مرتكبي أعمال العنف"، أما وزير الخارجية الأمريكى "مايك بومبيو" فى أول تعليق رسمي أمريكي، فقد أعلن موقف الولايات من الاحداث، حيث اكد ضرورة سماع صوت الشعب السودانى وأن تتم عملية الانتقال حال حصولها بقيادة الشعب، الأمر الذى اعتبره البعض تحولا لافتا فى موقف بلاد ه والذي عبر عن نفسه بعبارات فضفاضة سابقا، فُهم معظمها أنها تميل لصالح عدم التخلي عن الرئيس البشير، خاصة أن الادارة الامريكية اعتقدت ان الخرطوم قادرة على الاحتواء واكتفت بإجراءات شكلية طالبت بإطلاق سراح المعتقلين، وتجديد العقوبات الدولية فى مجلس الأمن بطريقة روتينية، لأنه لم يكن من المتوقع رفعها، حتى وان كان الاهتمام ودرجته لهما علاقة بشبكة المصالح التي نسجتها واشنطن مع النظام السوداني فى مجال مكافحة الإرهاب وتسليم متشددين، وهو ما انعكس أيضا على تغطية غالبية وسائل الإعلام الأمريكية، والتي لم تحظ تظاهرات السودان بمساحة واسعة فيها، على غرار ما حدث فى بعض الدول العربية قبل ثمانية أعوام! واكد خبراء فى الشأن السودانى أن النظام وضع نفسه فى مأزق سياسي كبير عندما راهن على عدم قدرة الجماهير على البقاء فى الشارع لفترة طويلة، وأن المجتمع الدولي لن يتحرك لمساندة المتظاهرين، وبعد نجاحهم فى الصمود والبقاء فى الشوارع لنحو شهرين متواصلين، قابلين للزيادة بكثير، وتحدي جميع الوسائل التي لجأ إليها النظام السوداني، اضاف ذلك على الأزمة بريقا سياسيا تجاوز حدود الشكل الاقتصادي الذي صاحبها منذ بدايتها، وأوضحوا أن إرادة المتظاهرين القوية والتى لم يصبها إحباط نتيجة عدم تلبية مطالبهم العاجلة، والتي انتقلت من مربع تخفيف حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية إلى إسقاط النظام، كانت وراء بوادر تغير الموقف الأمريكى والتى تحمل الكثير من الدلالات، غالبيتها تميل عكس رغبة النظام السوداني، أبرزها أن الرئيس عمر البشير بات قليل الحيلة ولن يتمكن من المواجهة الطويلة، وقد تنفلت الأزمة من عقالها الحالي، وفاته قطار الحصول على دعم مادي يساعده على علاج جزء من المشكلة الاقتصادية، ويقنع الجماهير بالتهدئة والتخلي عن المعارضة من خلال الشارع، حيث إن الكثير من الدول التي زارها أو خاطبها البشير، سرا وعلانية، لم تقدم له الدعم المطلوب، وخشيت أن تمد أياديها له بسخاء فيسقط، وتدخل فى معركة مع من يأتي بعده، وتتزايد ملامح الخلاف، إذا جاء الوريث من خارج الدائرة التي ينحدر منها الرئيس البشير، ولذلك كان موقف الحياد حلا وسطا للبعض، لكن استمرار التظاهرات واكتسابها زخما يوما بعد آخر غيّرا موقف الولاياتالمتحدة وغيرها. وأضاف الخبراء ان التطورات التي يمر بها السودان والتى تشير جميعها إلى ان هناك جديدا، تزامنا مع عدم قدرة البشير على التحرك لحل الأزمة، فلم تظهر مقدمات حقيقية تثبت قدرته على ذلك فى المستقبل القريب، من خلال جلب مساعدات اقتصادية محددة، أو ضمان عدم تململ قوى كبيرة فى المجتمع الدولي، وهو ما يصب فى صالح المتظاهرين، ويؤكد بأن السودان مقبل على مفاجآت سياسية، تظهر معالمها مع كل يوم يمر،يعجز فيه البشيرعن تسوية الأزمة المستعصية، التى اعتبرها منذ البداية مجرد ابتلاءات ومحطات للتمحيص سيخرج منها أكثر قوة. من جانبه، أوضح الناشط السياسي المهتم بالعلاقات السودانية الأمريكية "عزت الشريف"، ان الاحتجاجات فى السودان وجدت اهتماماً كبيراً من الدول الغربية لارتباطها بقضية حقوق الإنسان خاصة بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى والمعتقلين لا سيما بعد أن تحولت لقضية داخلية بعد نشاط السودانيين هناك عبر الوقفات الاحتجاجية والتواصل مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام، مشيرا الى ان الخارجية الأمريكية ربطت تطور العلاقات مع الخرطوم بالإصلاحات فى ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يستلزم إجراء إصلاحات سياسية عميقة وذات مصداقية، خاصة أن الأزمة الحالية فى جوهرها سياسية فيما تمثل الضائقة الاقتصادية مظهرًا من مظاهر الأزمة، نتاج لسياسات النظام الحاكم حيث إن الإقصاء السياسي يتطلب بالضرورة إجراءات أمنية لا تتوافق مع حقوق الإنسان. بينما اقترح مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الانسان دكتور"أحمد المفتي"، ضرورة توحد كل الأحزاب والجهات المعارضة فى ثلاث أو أربع جهات لتقليل مدى التنافس بينها على السلطة فى حالة سقوط الحكومة، ودعا للاسراع فى إعلان ذلك حتى يطمئن المواطن على مستقبل الحكم، خاصة بعدما اتفقت القوى المعارضة على أن موقف الإسلاميين الحاكمين ضعيف جداً حالياً، لأنهم لا يملكون رؤية للتعامل مع الأحداث الجارية، ولذلك ترفع المعارضة شعار "تسقط بس"، مستشهدًا على ذلك بأن كل دول العالم لا يتجاوز عدد الأحزاب المعارضة فيها أصابع اليد الواحدة، واعتبر انهم فى الحركة الجماهيرية الحقوقية اكثر الجهات اكتواءً بسلبيات الحكم، وتمسك "المفتى" بضرورة توحد تلك القوى المعارضة حيث ينبغى ان يكون محل اهتمام الشباب المتظاهرين غير الحزبيين، لأن إسقاط الحكومة وتوزيع سلطاتها على أكثر من 50 جهة معارضة لن يكون قطعاً فى صالح الوطن والمواطنين. يذكر أن، الكثير من المدن السودانية شهدت احتجاجات، وخاصة العاصمة الخرطوم، منذ 19 ديسمبر2018، والمظاهرات مستمرة تطالب برحيل حكومة الرئيس السوداني عمر البشير، وآخر تطوراتها بعد اعتقال عشرات النساء فى مظاهرات الاسبوع الماضى، انقطاع التيار الكهربائى فى المحافظات، فى ظل مظاهرات غاضبة، فيما أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية والري والكهرباء السودانية، "إبراهيم يس شقلاوي"،ان حدوث إطفاء كامل بالشبكة القومية، كان سببه عطل طارئ فى الخطوط الناقلة وخروج الربط الإثيوبي مما نتج عنه الخروج التدريجي لكل محطات التوليد المغذية الشبكة القومية، مضيفا أن الإطفاء التام يتعذر معه ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺠﻬﺪ ﻭﺍﻟﺘﺮﺩﺩ ﻣﻤﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺧﺮﻭﺝ ﻛﻞ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﻮﻟﻴﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﺎﺀﻋﻦ ﻛﻞ ﺍﻷﺣﻤﺎﻝ، علماً بأن ﺍﻟﺸﺒﻜﺔ ﺍﻟﻜﻬﺮﺑﻴﺔ ﻣﻜﻮﻧﺔ ﻣﻦ ﻣﺤﻄﺎﺕ ﺗﻮﻟﻴﺪ ﻣﺘﺼﻠﺔ ﺑﺒﻌﻀﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻟﺘﻐﺬية ﺍﻷﺣﻤﺎﻝ الكهربائية.