اعتبر مراقبون أن إقرار برلمان العسكر لقانون المنشآت الصحية في مصر، وخصخصة نحو 160 مستشفى والسماح لإدارات الشركات المشترية بتصفية العمال بنسبة 75% من الكوادر، هو تصفية تتعمدها عصابة الانقلاب للقطاع الصحي الحكومي في مصر، حيث لن يتبقى للفقراء (70% من السكان بحسب تقارير البنك الدولي)؛ الكثير إن سارعت حكومة السيسي في بيع المستشفيات والنقاط الصحية. وهو ما اعترف به نائب برلمان العسكر محمد عبد العزيز، الذي قال: إن "مشروع قانون تأجير المستشفيات العامة يمثل تخليا من الحكومة عن واجباتها الاجتماعية، إذ إنه لم يضع ضمانات لعلاج المواطنين من محدودي الدخل، والأكثر احتياجا، وكان من الأولى إعطاء القطاع الخاص حق إنشاء المستشفيات الخاصة، ومنحه حوافز ضريبية، بدلا من منحه إدارة المستشفيات العامة، بما يمثل تهديدا للجبهة الداخلية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة". وزير الصحة في حكومة العسكر قال: إنه "ليس من المنطق إجبار المستثمر على الإبقاء على كل العاملين بالمستشفيات"، ومؤكدا أن من بين شروط بيع وخصخصة المستشفيات الحكومية الحفاظ على 25% فقط من العاملين بها. وتعليقا على طرح المستشفيات الحكومية للخصخصة، أضاف وزير صحة السيسي: "لا نستطيع زيادة السراير في المستشفيات الحكومية، ولا توجد دولة في العالم تفعل ذلك، ولذلك طرحنا المستشفيات الحكوميه للقطاع الخاص". أصوات من الداخل المهندسة والنائبة مها عبد الناصر قالت: إن "إقرار القانون هو يوم أسود في تاريخ الصحة في مصر، ووجهت سؤالها لوزير الصحة، أي مواطنين يقدروا على دفع ثمن الخدمة اللي يقدمها القطاع الخاص في المستشفيات؟ وكشف زميلها "النائب" أحمد الشرقاوي أثناء مناقشة القانون، أن المستشفيات التي سيتم طرحها للإيجار، ستكون المستشفيات المهمة. "النائب" ضياء الدين داوود رفض مشروع قانون تأجير المستشفيات العامة قائلا: إنه "خطير للغاية، وتعكس مواده عجز الدولة وتخليها عن دورها في القطاع الصحي، من خلال تقديم مرافقها العامة للمستثمرين"، مستطردا "نحن بصدد عقود تمثل تنازلا مؤقتا عن إدارة مرفق واجب على الدولة إدارته، والقانون خلط في مواده بين مفاهيم الإدارة والإنشاء والتطوير". موافقة.. بالمقابل، قال عبد الهادي القصبي ممثل حزب "مستقبل وطن" صاحب الأغلبية في برلمان العسكر: إن "القانون لا يعني عجز الدولة أو تنازلها عن تقديم خدماتها، وإنما يهدف إلى إشراك القطاع الخاص في إدارة المستشفيات العامة، والمشروع المقدم من الحكومة لا يخرج عن المنطلقات الوطنية للدولة". أما رئيس المجلس حنفي جبالي فعلق على وصف بعض النواب القانون بأنه ضد المصلحة العليا للبلاد، بالقول: إن "الحق في الصحة يأتي على رأس الحقوق الاجتماعية التي تشكل المقومات الأساسية للمجتمع، وقد حرصت الدساتير المتعاقبة على كفالة التزام الدولة بتقديم الخدمات والرعاية الصحية للمواطنين، وهو ما أكدته المادة 18 من الدستور الحالي بأن لكل مواطن الحق في الصحة، وفي الرعاية الصحية المتكاملة". وبرر زميلهما محمد عبد الرحمن راضي قانون تأجير المستفيات العامة، قائلا: إنه "كان لزاما على الدولة إيجاد موارد جديدة لتقديم خدمة صحية أفضل للمواطنين، خصوصا أن أقل تكلفة للسرير في المستشفى هي 350 ألف دولار، بحساب سعر الأرض المقامة عليها وتكلفة الخدمة، وذلك قياسا بخطة وزارة الصحة الرامية إلى توفير 17 ألف سرير بحلول عام 2025، بتكلفة تقديرية تبلغ مليارين و450 مليون دولار، أي ما يعادل 117 مليار جنيه بسعر الصرف الحالي". استثمار أم استعمار؟ وفي مقال د. أحمد حسين عضو مجلس نقابة الأطباء بعنوان "مشروع إدارة وتشغيل المنشآت الصحية الجديد: استثمار أم استعمار؟" موضحا أن القانون الذي وافق عليه البرلمان، وطرحه وزير الصحة ركز على مشاركة القطاع الخاص في المنظومة الصحية، وتغافل عن حق المواطن في الصحة، وعن رعاية الدولة للمستشفيات العامة، وتحسين ظروف الأطباء وأطقم التمريض". وتساءل الدكتور حسين، كيف لنواب الشعب في لجنة الصحة مجرد فكرة مناقشة هذا القانون، وكيف سيواجه من سيوافق من النواب الشعب بعد أن اشترك في بيع ممتلكاته العامة التي تقدم أهم خدمة حيوية فاصلة بين الحياة والموت، علاج المصريين؟. تشويه دستوري واعتبر د. أحمد حسين أن ما تقدم به وزير الصحة المصري ب 7 مواد هي نصوص القانون مرفقة بمذكرة إيضاحية، لا وصف لها سوى أنها تشويه للدستور عن عمد أو جهل، وأنها قص ولزق لمواد من الدستور المصري أخلت بمبادئه ومضمونه قدر إخلالها بشكله وصياغته. وأوضح أن "الوزير" اقتص من المادة 18 من الدستور فقط جملة وتشجيع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية، ليضيء بها مذكرته الإيضاحية، وتغافل وزير الصحة عما ذكر في المادة عن حق المواطن في الصحة وكفالة الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة ودعمها والعمل لرفع كفاءتها، والتزام الدولة بتخصيص ما لا يقل عن 3 % من الناتج القومي للإنفاق على الصحة، وتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي. وأبان أن كل ذلك وأكثر تضمنته المادة 18 ، ولكن وزير الصحة اختار منها فقط تشجيع مشاركة القطاع الخاص والتي قصد بها الدستور انشاء القطاع الخاص لمشروعات موازية للحكومة وليست تملك أو استئجار ممتلكات الشعب العامة. قانون للأجانب وتحت عنوان فرعي "قانون الملك للمواطن وقانون الوزير للأجانب" أكد "د.حسين" أنه بعيدا عن أن المادة 32 من الدستور التي أشار إليها الوزير في مذكرته الاستيضاحية، تعني منح التزام المرافق العامة التي لا تمثل أمن قومي، فإن نص المادة الثانية من قانون الوزير أجاز منح التزامات إدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة للمستثمرين المصريين أو الأجانب أشخاصا أو كيانات دون التقيد بأحكام قانون 129 لسنة 1947 الصادر في عهد الملك فاروق، والذي قيّد أرباح المستثمر، ووضع لها حد أقصى 10% من قيمة رأس المال المدفوع. ولفت إلى أن "ما زاد عن هذه النسبة يُوضع في صندوق لتحسين المنشأة أو تخفيض أسعار الخدمات المقدمة، وبهذا يكون الملك فاروق في 1947 احتاط لمطامع المستثمر وضمن للشعب عدم استغلاله، بينما وزير الصحة في 2024 أطلق يد المستثمر في جني الأرباح من صحة المصريين دون حد أقصى". مضطرين للأسوأ وعمن سيعالج المصريين في مستشفيات المستثمرين، أشار عضو مجلس نقابة الأطباء إلى أنه "في ظل العجز العالمي في عدد الأطباء والتمريض ويزداد في مصر ليصل إلى طبيب واحد لكل 1200 مواطن بينما النسبة الأدنى المقبولة عالمياً 3 أطباء لكل 1200 مواطن، وفي ظل تزايد هجرة الأطباء المصريين لمصر والمهنة، فهل سيلجأ المستثمر إلى جلب خريجي كليات الطب غير معترف بها وغير المسموح لهم بممارسة الطب في نفس بلاد هذه الجامعات، ليعالجوا المصريين في مستشفياتهم المؤجرة للمستثمرين، وذلك في إطار المادة 4 من قانون الوزير التي تمنحه إصدار تراخيص مزاولة المهنة للأطباء والتمريض والفنيين الأجانب.". ونبه إلى أن ذلك سيتزامن وطرد العمالة المصرية في ظل إدارة استثمارية تهدف إلى الربح في المقام الأول لا يمكن البت بمصيرهم.