عقب تشديدات الرئيس عبد الفتاح السيسى، على ضرورة تطوير شركات قطاع الأعمال العام، وحرص الدولة على النهوض بهذه الشركات، ولا صوت يعلو فوق اتخاذ الإجراءات التى تحد من خسائر هذه الشركات، ولكن يبقى الفيصل هنا هو أساليب خطة الانقاذ التى سيسير وفقًا لها المسئولون عن هذه الشركات وتؤتى بثمارها، ولا تكون مثل سابقيها من الخطط والدراسات والقرارات الخاطئة والتى تتسبب فى مزيد من المعاناة لهذا القطاع الاستراتيجى. ووفقا للإحصائيات الرسمية، فإن هناك حوالى 44 شركة خاسرة، بنحو 7 مليارات جنيه خلال العام المالى 2016-2017، من بين 124 شركة، فالشركات الخاسرة فى القابضة للقطن والغزل نحو 24 شركة، وتبلغ خسائرها نحو 2.5 مليار جنيه، والقابضة للصناعات الكيماوية لديها نحو 10 شركات خاسرة بلغت خسائرها نحو 2.1 مليار جنيه. والشركات الخاسرة فى القابضة للصناعات المعدنية 9 شركات، وخسائرها نحو 1.2 مليار جنيه، والشركات الخاسرة فى القابضة للأدوية نحو 5 شركات حيث أظهرت القوائم المالية المجمعة للشركات تحقيق خسارة قدرها نحو505.422 مليون جنيه، وفى الشركة القابضة للنقل البحرى شركتان، اما الشركات الخاسرة فى القابضة للتشييد والتعمير وهى الشركات التجارية فقط وخسائرها 70 مليون جنيه، وهى «عمر أفندى» والشركات الخاسرة فى القابضة للسياحة والفنادق وهى «مصر للصوت والضوء» و«صيدناوى» فقط، وخسائرها نحو 16.8 مليون جنيه وتقلصت فى النصف الأول من العام المالى الحالى إلى 8 ملايين جنيه. أولويات للتطوير وإذا تطرقنا إلى أهم الصناعات الاستراتيجية فالحديد والصلب والغزل والنسيج لابد أن يكونوا على رأس أولويات التطوير، فالشركة القابضة للغزل والنسيج، فقد أكد هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، أن تكلفة تطوير الشركة القابضة للغزل والنسيج، تصل إلى 25 مليار جنيه، والوزارة تعتزم تمويل تكلفة التطوير من حصيلة بيع بعض محالج القطن التابعة لها، وإن هذه التكلفة المقدرة قد تتغير وفقا للدراسات، مشيراً إلى أن تطوير شركات الغزل والنسيج سيتم تمويله من إيرادات بيع أراضي 14 محلجًا تابعا للشركة القابضة، وتبلغ الحصيلة المتوقعة من البيع حوالي 30 مليار جنيه، لكن وتسعى الوزارة إلى تقليص عددها من 25 محلجًا إلى 11 محلجًا فقط، واستغلال أراضي المحالج التي سيتم إغلاقها فى تطوير الشركات، وذلك بجانب خطة لزراعة نحو 10 آلاف فدان من القطن قصير التيلة، بالتعاون والتنسيق مع وزارة الزراعة. وأما شركة الحديد والصلب، والتابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، فعلى الرغم من التأكيدات بأن الشركة لن يتم إغلاقها مهما حدث، وأن الدراسة مستمرة لبحث أنسب السبل للتطوير، إلا أن جميع المؤشرات والتقارير تؤكد على أن هذه الشركة الوطنية ماضية فى نفس طريق الشركة القومية للأسمنت نحو الإغلاق حيث انتهت الدراسات الخاصة بمصير هذه الشركة إلى أنه لا سبيل إلا بإغلاق الشركة القومية للأسمنت نظرا للخسائر الكبيرة، وبيع أراضى الشركة لسداد المديونية. شركة الحديد والصلب والتى تبلغ مساحتها حوالى 2500 فدان، وأنشأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بلغت خسارتها نحو 726.3 مليون جنيه منذ بداية يوليو 2017 حتى نهاية يونيو 2018، حيث تشهد هذه الأيام تخبطًا كثيرا فى تصريحات المسئولين تجاه مصيرها القادم، فعقب تصريحات وزير قطاع الأعمال هشام توفيق الغاء مناقصة التطوير لمزيد من الدراسة، وعقب ذلك التأكيدات بانه لانية لتصفية الشركة وماضون فى التطوير، ولكن خسائر الشركة والتكلفة الباهظة لتطويرها، والضغط المستمر الذى يواجه وزير قطاع الأعمال ورئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية بإنهاء مسلسل نزيف الخسائر، قد يكون هو الحاكم فى هذا الأمر ويتجه المسئولون نحو إغلاق أعرق شركة للحديد والصلب فى الشرق الأوسط. رفض وفى هذا السياق، يرى هانى الحسينى، الخبير الاقتصادي، وعضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع، أن عمليه إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال العام، تعد إجراءات فنية ومالية بحته، موضحًا أن التعثر يأتى نتيجة الخلل فى الوضع المالى للشركة، ومؤكدًا على أن الدراسات التى تجرى لكيفية النهوض بالشركات يجب أن تكون شاملة لجميع الأسباب والحلول. وأضاف عضو اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أن الرؤية العامة لتطوير قطاع الأعمال العام، يجب أن يكون وفقًا لرؤية اقتصادية معينة، موضحًا أنه من الممكن أن تتضمن هذه الرؤية دمج الشركات ذات النشاط المشابه إذا كانت هذه الخطوت مجدية، وبالتالى يتم الاستفادة من وفورات الدمج، فضلا عن إعادة النظر فى الشركات ذات المنتجات غير المجدية فى الوقت الراهن، ويكون الحل بإدخال التكنولوجيًا الحديثة إليها وخطوط انتاج جديدة، أو الحل الأخر وهو الاستغناء عنها إذا كانت العوائد لا تغطى التكاليف. وتابع الحسينى، أن اللجوء لطرح أسهم هذه الشركت بالبوصة لهذه الشركات، يجب أن يكون بقرار سياسى، لانه لابد أن يتضمن النسبة التى يجب أن تمتلكها الدولة فى هذه الشركات، مؤكدًا أننا فى حزب التجمع نرفض تماما التخلى عن الشركات والاحتفاظ بها، وندعم هذا الرفض والذى يكون على أساس اقتصادى، ببدائل وخطط لكيفية تطوير هذه الشركات. وأضاف أن أحد أسباب مشاكل شركات قطاع الأعمال هو تضخم العمالة بها، مؤكدًا أن هذه حقيقه يجب علينا الاعتراف بها، فالغرض الاجتماعى العام فى التعيين قديما أدى إلى هذا التضخم فى العمالة، وهذا الأمر يتطلب التدريب الجيد لهذه العمالة والعمل على استيعاب هذه الطاقات والاتفادة منها فى زيادة الانتاج. وأوضح، أن إعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال يرتبط بمجموعة مؤثرات رئيسية مثل السياسة العامة كضمان الوضع الاقتصادى ومستوى المعيشة، ومستوى الدخول، مضيفًا أن الحل فى هذا الأمر يكمن فى استمرار دور الدولة والحفاظ على ملكيتها لهذه الشركات، فالسياسة العامة للدولة هى التى تحدد ماذا تريد من هذه الشركات. استدعاء وفى سياق متصل، أكد وكيل لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، مدحت الشريف، على أن اللجنة ستقوم باستدعاء وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، مطلع شهر اكتوبر القادم، وذلك لمراجعة خطة تطوير شركات قطاع الأعمال، مشيرًا إلى أنه يجب أن يكون هناك خطة واضحة لتطوير هذه الشركات، حيث تكون هذه الخطة لكل شركة على حدة، بحسب الظروف المحيطة بها، لافتًا إلى أن المجلس طالب من وزير قطاع الأعمال، السابق خالد بدوى، بعرض خطته لتطوير هذه الشركات، ولكن الرؤية كانت محدودة لدى الوزارة فى هذا الأمر، وبناء على ذلك تم تغييره. وتابع الشريف، أنه فى المرحلة القادمة سنطلب بجانب عرض وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، ملامح خطته للتطوير، أن يأتى كل رئيس شركة قابضة ومعه مجالس إدارات الشركات التابعة، إلى مجلس النواب، وذلك لطرح وجهة نظرهم فى تطوير شركاتهم، وحتى نفهم كيف تدار الأمور على أرض الواقع. وشدد على ضرورة أن يتم دراسة حالة كل شركة منفصلة، حتى يتسنى معرفة السبب الحقيقى للخسائر، موضحًا أن هناك شركات تم تضييق الخناق عليها من قبل جماعات المصالح حتى انتهت هذه الشركات تماما، فالوضع بحالة إلى دراسة متكاملة من خلال عرض الفرص المتاحة لجميع الشركات. وقال إن بيع أراضى الشركات أو التداخل فى أنشطة مختلفة بعيدًا عما تنتجه هذه الشركة لا يعد سوى فساد مقنن، فيجب عدم إتاحة التصرف فى أراضى الشركات من قبل مجالس إدارات الشركات التابعة، أو حتى الشركة القابضة، ولكن لابد أن يكون هناك آليات واضحة للتقييم، ومن الممكن ان تتم هذا العملية من خلال صندوق مصر السيادى، وأن تذهب عائد البيع للشركة القابضة عقب ذلك، تجنبًا للفساد. وحول الخطط المطروحة للشراكة مع القطاع الخاص، طالب وكيل لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، بوجود دراسة متأنية قبل الشروع فى تنفيذ هذه الخطوة، وتتضمن هذه الدراسة ما الذى ستقدمه هذه الخطوة من تطوير للشركات، مؤكدًا أن كل الإجراءات متاحة طالما أنها ستتضمن الحفاظ على الملكية وحوكمة الإجراءات وأيضًا إدارة رشيدة. بدائل ومن جانبها، أكدت د. يمن الحماقى، استاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن هناك العديد من البدائل التى يجب اللجوء إليها لتطوير شركات قطاع الأعمال لتقود قاطرة التنمية، موضحة أن شركات قطاع الأعمال هى بمثابة صمام أمان للدولة فى ضبط الأسواق، وتحقيق الاستقرار فى الأسعار. وأضافت الحماقى أنه من البدائل التى من الممكن أن تكون حلولا لإعادة هيكلة الشركات، منها بيع الأصول غير المستغلة، وتحويلها إلى استثمار رأس مالى يرفع من انتاجيتها، وذلك بناء على دراسات جدوى اقتصادية، وكذلك عمل شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، حيث يتم الإبقاء على الشركات تحت سيطرة الدولة، على أن يتم ضخ استثمارات من القطاع الخاص بالمشاركة، موضحة أن هناك تجارب ناجحة فى قطاع الأعمال العام على هذا الأمر، وذلك فضلا عن حسن استغلال الموارد البشرية الهائلة الموجودة بالشركات والتى تعتبر طاقة معطلة يجب توظيفها بما يحقق زيادة الانتاج.