تظل قضايا العنف وارتكاب الجريمة واحدة من أخطر القضايا التى تواجه المجتمع فى الوقت الراهن، فبعد مقتل طفلى الدقهلية على يد والدهما، واغتصاب طفلة وقتلها بالمحافظة ذاتها، إلى جانب إلقاء أم لأطفالها فى مياه نهر النيل بالمنيا، وقتل رجل دافع عن زوجته من اعتداء المتحرشين بها فى الإسكندرية، بالإضافة لقتل دكتور جامعى ابنه بسبب مبلغ مالى لا يتعدى 400 جنيهًا، يواجه المجتمع حوادث عنف وقتل عمد بصورة شبه يومية دون قوانين رادعة وقصاص عاجل ومواجهة حقيقية للخطر، الأمر الذى وصفه علماء النفس والاجتماع بنتاج العولمة وعدم القدرة على التكيف مع متغيرات العصر، فى ظل غياب الثقافة والابتعاد عن القيم والتقاليد، وانحدار الذوق العام وتدنى المحتوى الدرامى والإعلامي، بينما اعتبرها البعض بالفردية والتى تزداد ضخمة بفضل تسليط الأضواء على تلك السلبيات. معدلات القتل العمد حيث أظهرت آخر دارسة أجراها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن العنف النفسى أكثر أنواع العنف شيوعاً، وبلغت نسبة النساء اللاتى تعرضن له من قبل أزوجهن خلال فترة الزواج 42.5%، وأن الأميات الأكثر عرضة للعنف البدنى مقارنة بالمتعلمات، بنسبة بلغت 37%، إلى جانب أن غالبية النساء "86%" عانين من مشكلات نفسية نتيجة تعرضهن للعنف على يد الزوج. وأشارت الدراسة، إلى أن المرأة والأسرة يتكبدان بشكل عام 1.49 مليار جنيه فى العام جراء عنف الزوج فقط، منها 831 مليون جنيه تكلفة مباشرة، و662 مليون جنيه تكلفة غير مباشرة، وذلك وفقا لمسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعى الذى أجراه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع المجلس القومى للمرأة، وصندوق الأممالمتحدة للأنشطة السكانية عام 2015. بينما كشف تقرير لقطاع مصلحة الأمن العام حول معدلات الجريمة فى مصر عن ارتفاعها بشكل عام فى العام الماضي، خاصة القتل والسرقة بالإكراه وسرقة السيارات، إذ سجلت 5814 كما تصاعدت حوادث الجنح بصفة عامة وسجلت 40222 حادثة، لافت التقرير إلى أن نسبة الزيادة فى معدل جرائم القتل العمد بلغت 130٪، أما معدلات السرقة بالإكراه فقد زادت بنسبة 350٪؛ إذ سجلت 2611 جريمة، أما سرقة السيارات فقد زادت بنسبة 500٪. وأكدت إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية، وجود أكثر من 92 ألف بلطجى ومسجل خطر، ارتكبوا جرائم قتل واغتصاب وخطف. كما أكد تقرير صدر مؤخرا عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ارتفاع نسبة المسجلين ليزيد على 55٪ من إجمالى المسجلين البالغ عددهم رسميا 92 ألفًا و680 شخصًا، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية، بخلاف غير المسجلين فى الأوراق الرسمية. تأثير العولمة أرجعت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ارتفاع معدلات الجريمة والعنف داخل المجتمع المصرى، إلى عوامل عدة فى مقدمتها زيادة العولمة، وغزو السوشيال ميديا، وانحدار التربية، والابتعاد عن القيم والتقاليد فى الريف والحضر على حد سواء، مشيرة إلى أن هناك حالة من نسيان الجانب الثقافى وتأثيره على ما وصلت إليه حالة الأخلاق فى مصر. وأوضحت سامية خضر، أن المجتمع فى الوقت الراهن يعيش حالة من الانحدار والتسيب وعدم القدرة على التكيف مع الواقع ومتغيراته السريعة، فأصبحت هناك حالة من عدم الاحترام والتضارب والعنف المتدرج الذى يبدأ بين الأطفال وبعضهم البعض وصولاً لكبار السن مروراً بمرحلة الشباب والزواج وغيرها من المراحل العمرية، مشيرة إلى أن هناك من الأعمال الفنية فى السابق ك" البيه البواب، انتبهوا أيها السادة"، مثلت ناقوس تحذير لخطر لم ننتبه له حتى الوقت الراهن. وشددت أستاذ علم الاجتماع أن هناك حاجة ملحة إلى أن يكون هناك ضوابط للبرامج والمحتويات التليفزيونية والأعمال الفنية على حد سواء، بحيث تعكس صورة مصححة وموجهة ومربية تحيى القيم والأخلاق وتساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأمور المتدنية التى نعيشها، مطالبة فى الوقت ذاته بالعمل على تصدير الرموز والشخصيات التى من شأنها الرقى بالذوق العام مجدداً؛ ونشر القيم والأخلاق دون ترديد للبذاءات والتفاهات التى نراها عبر السوشيال ميديا، قائلة:" نريد سوشيال ميديا محترمة بإعداد محترم، على غرار مفيد فوزي، وغيره من الشخصيات الإعلامية التى تتناول قيماً وأشياء مؤثرة لا المرددة للسباب". ظواهر فقاقيع بينما اعتبر الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب سابقاً، العنف فى مصر من أقل حوادث العنف حول العالم، مشدداً أن المجتمع المصرى لا يجب أن يشاع عنه العنف وهو من أكثر المجتمعات تسامحاً، ولا يمكن مقارنته بدول تمارس العنف والبلطجة بصورة يومية كالولايات المتحدةالأمريكية على سبيل المثال. وأشار زايد، إلى أن هناك حالة من القلق، يعمل على زرعها الإعلام بنشره ما وصفه بالظواهر الفقاقيع على حد تعبيره، مشدداً على أن ما يحدث هى أمور طبيعية للغاية ولا علاقة لها بتغيير فى المجتمع أو وجود معدلات تستدعى القلق والتخويف وإشاعة حالة من الإحباط والخوف بين المواطنين. وتابع، نجد وسائل إعلام ومنظمات تحاول أن تجعل من الحوادث الفردية والشاذة التى تحدث فى جميع المجتمعات أزمات لا يمكن مواجهاتها ولا تعد حالات ممنهجة أو متكررة، فهناك دوافع نفسيه يصاب بها الفرد نتيجة غل أو هوس أو غيره من الأشياء، كما أن حالات التحرش قد تحدث لقلة من الفتيات فيما يعيش أغلب النساء فى مصر لا يتعرضن للمضايقات أو هذا النوع من التحرش، مطالباً وزارة الداخلية بالعمل على إصدار دراسة وإحصائيات دورية للوقوف على نسبة تلك الظواهر ومدى ارتفاعها من عدمه، ومقارنة ما يحدث بما نشاهده ونراه فى دول العالم، حتى لا يتم تهويل أمور طبيعية فردية وقليلة وتستخدم ذريعة ضد المجتمع وتصفه بما ليس فيه. تحليل نسب فيما أكدت الدكتورة ميرفت أبو تيج، عضو المجلس القومى للمرأة، ورئيسة جمعية أمى للحقوق والتنمية، أن عدم وجود دراسات وإحصائيات جادة لظواهر العنف التى يشهدها المجتمع خاصة المرتبطة بالعنف داخل الأسر، من شأنه أن يتسبب فى العديد من الأزمات والأمور الخطرة التى ربما لا تقل عما يرتكبه الإرهاب فى حق المجتمع، لافتة إلى أن العنف خارج الأسرة أمر طبيعى ويحدث بينما أن يتحول الأب إلى قاتل والأم إلى قاتلة بل ونجد حالة من اللامبالاة بعد ارتكاب الجريمة هذه تعد كارثة بكل المقاييس. وتابعت، هناك من يبرر الأحداث التى تقع بالفقر والضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بينما ما نراه ليس مبرراً بأى من تلك الأمور، مشددة المجتمع أصبح يفتقد القيم والدف الاجتماعى بين الناس، الأمر الذى يجعلنا بحاجة إلى إجراء تحليل "dna" لكل من الآباء والأمهات وارتباطهم بما يضعونهم من أطفال حتى نطمئن على سلامة العلاقة الأسرية فما نجده من قتل بلا رحمة. وأرجعت عضو القومى للمرأة، أسباب العنف إلى انتشار المخدرات، ووجود أدوية وعقاقير تحتوى مواد تؤثر على كيميا الإنسان، وإلى ما تنتجه بعض الإعمال الدرامية، وغيرها من الأمور، مطالبة بدراسة جادة يقوم عليها المجتمع المدني، الإعلام، والدولة، لدراسة الشخصية المصرية وتحديد أسباب العنف حتى يمكن تجاوزها والقضاء عليها بمنهجية وعدم ترك الأمور تسير نحو الأسوأ. تعديلات القانون فى حين قال النائب ايهاب الطماوي، أمين سر اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن عقوبات جرائم العنف والقتل العمد مغلظة من قبل المجلس الحالى ومقرة من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ عام تقريباً، ونشرت التعديلات الخاصة بالمادة 89 من قانون العقوبات لتصل العقوبة إلى الإعدام فى جرائم هتك العرض، القتل العمد، وسرقة الأعضاء وغيرها، مشدداً لا مجال للحديث عن تغليظ العقوبات لمواجهة جرائم العنف فلا يوجد ما هو أغلظ من الإعدام. وتابع الطماوي، الأمر يحتاج إلى مواجهة أخرى خلاف العقوبة خاصة وأننا بحاجة إلى مواجهة على مستويات ثقافية وتربوية ونفسية وغيرها من الأمور التى تساعد فى التحقيق، مستنكراً المقارنة بين الوضع فى مصر وما يحدث ببعض الدول العربية التى تشهد حالة من عدم الاستقرار، وعدم احترام المؤسسية القائمة ودولة القانون. وأكد أمين سر التشريعية، أن تطبيق عقوبات الإعدام فى الميادين العامة هى أمور رادعه بصورة مؤقتة ولحظية، مشدداً على ضرورة أن تكون المواجهة الشاملة للظاهرة سبباً فى القضاء عليها. الأوضاع الاقتصادية وفى السياق ذاته قال الدكتور محمد حسن المستشار النفسى لحملة معًا لإنقاذ الأسرة المصرية، إن هناك عدة عوامل ساعدت على ارتفاع معدل الجريمة، منها الفقر، تدنى الأجور، تعاطى المخدرات، والوعى الثقافي، مؤكدا أن تدهور الحالة الاقتصادية التى وصلت إليه مصر فى الآونة الأخيرة ساعد بشكل كبير فى غياب الوعى كون أن المواطن يصبح لا يجد قوت يوميه الأمر الذى يجعله يفقد الضوابط، إلى جانب ارتفاع نسبة تعاطى المخدرات التى تتسبب فى كثير من الكوارث وينتج عنها مشكلات عدة منها الاغتصاب والسرقة وخلافه. وشدد محمد حسن على ضرورة أن يهتم المواطن والدولة بالصحة النفسية والاستشارات وإلقاء الضوء عليها خاصة أنها من العوامل الأساسية فى ارتكاب الجريمة، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالثقافة والوعى من خلال السينما الهادفة والبرامج التوعوية ومواجهة العنف المعروض على الشاشات للخروج من تلك الأزمة وإنقاذ المجتمعات. برامج توعية بينما أكدت الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، ارتباط العنف بعوامل متعددة منها، علاقة الدولة بأفرادها والظرف السياسى وعدم وضوح الرؤيا والأزمات الاقتصادية وغيرها من الأمور التى تؤثر فى المعيشة والظروف الحياتية المتبوعة بغلاء الأسعار وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، مشيرة إلى وجود عامل آخر متمثل فى انتشار المواد المخدرة التى يلجأ إليها مختلف الأعمار هرباً من الضغوط الحياتية. وتابعت الساعاتي، هناك أسباب أخرى منها البطالة والتى يعانى منها نسبة كبيرة من الشباب والتى تؤدى إلى الوقوع فى اضطرابات نفسية وعصبية وارتكاب جرائم العنف بمختلف أنواعها، سواء أكانت تحرش أو سرقة وخلافهما، مشددة على دور الإعلام فى تفادى حالة الاحتقان والغليان التى يعانى منها المجتمع من خلال الابتعاد عن الشحنات السلبية التى تتسبب فى مزيد من الاضطراب النفسي. وشددت أستاذ علم الاجتماع على ضرورة أن تتعاظم مشاركة المرأة فى الحياة العامة بقوة الدستور والقانون وأن يدخل فى ذلك التفكير الجاد فى تعديل الدستور بما يضمن تمثيلا عادلا للمرأة فى كل المجالس الشعبية والمنتخبة، وفك الحصار عن القوانين المقيدة لتكوين الجمعيات والتنظيمات النسائية الأهلية فهذه وحدها هى القادرة ليس فقط على حماية منجزات المرأة، وإنما أيضا تنمية هذه المنجزات، إلى جانب العمل على تنمية برامج التعليم والإعلام عن القيم المناهضة للمرأة، وتعظيم حرية الاختيار للمرأة، فلابد أن يكفل لها هامش واسع من حرية الاختيار سواء فى التعليم والعمل أو المشاركة الحكومية والأهلية أو فى الصحة الإيجابية أو تنظيم الأسرة فهذه الحرية إلى جانب حرية الحركة والتنظيم هى التى ستكفل تمكين المرأة وتقويتها على المدى الآنى والمستقبلي.