الاهرام 19/10/2007 أثار مسلسل( قضية رأي عام) الذي عرض علي شاشة القناة الثانية والفضائيات خلال شهر رمضان المعظم ردود افعال قوية بين مويد و معارض لمجرد تناول فكرة و قضية الاغتصاب في عمل درامي. و لكن بعيدا عن المسلسل لنا أنه نعلم ان وفقا للإحصائيات الأخيرة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فأن حالات الاغتصاب قد وصلت الي حوالي20 الف حالة سنويا في مصر وحدها و هو بالطبع الرقم المعلن بل ان هناك احصائية اخري توكد أن هناك حالتي اغتصاب وتحرش تتم كل ساعة تقريبا, و بذلك يتحول الامر من حالة فردية الي ظاهرة تستحق ان ندق لها ناقوس الخطر و تدعونا لتغليظ العقوبة لمرتكب هذا الفعل المشين. لذا كان هذا التحقيق. في البداية أوضحت الدكتورة أمنة نصير, أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر ان جريمة الاغتصاب تعتبر من أحط الجرائم لأن فيها اغتصاب لعرض و نفس و جسد المرأة, كما ان ارتفاع معدلات تلك الظاهرة يعتبر دليل شؤم علي غياب الوازع الديني و الحمية علي الأعراض, و لذا وجب تغليظ و تطبيق اقصي عقوبة و هي الإعدام حتي تكون رادعة. وطالبت د. امنة نصير الأجهزة الأمنية بزيادة الرقابة, كما طالبت المؤسسات الدينية بأن تنظرالي تلك الظاهرة بعمق حتي تحاول من خلال المساجد و الزوايا تثبيت الأخلاق و بناء الوازع الديني و حث الأسر علي زرع الحياء في ابنائهم و بناتهم خاصة الفتيان الذين نتركهم للجموح والجنوح نتيجة لموروثاتنا الثقافية المغلوطة التي تدين الأنثي حتي لو كان مجنيا عليها. التحايل علي القانون من الناحية القانونية نجد ان العقوبة التي حددها قانون العقوبات لمرتكبي هذه الجرائم تصل الي الإعدام و لكن المشكلة هي تلاعب المحامين بمدي دقة الاجراءات وتضارب الاقوال وعملية الإثبات ذاتها وكلها اسباب وراء الحكم بالبراءة أو الاحكام المخففة في جرائم أغتصاب, في حين ان المادة267 من قانون العقوبات تنص علي أنه من واقع انثي بغير رضاها يعاقب بالسجن المؤبد او المشدد فاذا كان الفاعل من اصول المجني عليها او المتولين تربيتها او من كان خادما بالاجر عندها يعاقب بالسجن المؤبد وقد تصل الي الإعدام اذا اقترن الاغتصاب بجناية اخري كالقتل, اما المادة290 فتنص علي ان كل من خطف بالتحايل او الاكراه انثي بنفسه او بواسطة غيره يعاقب بالسجن المؤبد. واشارت د. فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائي وعضو اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة من قبل الي ان ارتفاع معدل خطف الإناث واغتصابهن مشكلة خطيرة رغم ان القانون قرر عقوبة الإعدام للمغتصب اذا اقترن الاغتصاب بالخطف أو القتل, الا أن هيئة المحكمة أحيانا تهبط بالعقوبة استعمالا لسلطاتها التنفيذية التي تخولها لها المادة17 من قانون العقوبات والتي تجيز للمحكمة اذا وجدت من ظروف الدعوة ما يقتضي رأفة القضاة فإنها تستطيع ان تهبط بالعقوبة درجة أو درجتين لتصل الي الاشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة وحدها الاقصي خمس عشرة سنة وحدها الادني ثلاث سنوات. الأسباب الاجتماعية من جانبها أشارت د. عزة كريم, الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية واستاذ علم الاجتماع بالمركز إلي الأسباب الاجتماعية لهذه الظاهرة فيكاد يجمع عليها خبراء الاجتماع وعلماء النفس, فالفقر والبطالة هما اللذان أديا إلي عدم استطاعة الشباب الزواج, ومن ثم الانحراف, كذلك الخلاعة والزي المثير للفتيات والنساء, والإثارة الإعلامية. فمنظومة الأخلاق بصفة عامة اهتزت في المجتمع المسلم, وساهم المناخ العام والمعبأ بالسخط الاجتماعي والفقر والبطالة والإحباط علي الفساد الأخلاقي. ولأن البطالة كانت إحدي أقدام هذا الإخطبوط فقد حذرت أكثر من دراسة اجتماعية من تفشي البطالة بين الشباب العربي والتي بلغت بين الشباب المصري إلي حوالي9,9% من أصل اليد العاملة الفعلية بحسب تقديرات رسمية, وأن عدد العاطلين يقترب من مليوني شخص. الاغتصاب في الشريعة الاسلامية و أكدت د. ليلي قطب, استاذ العقيدة و الفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية ان الشريعة الاسلامية حافظت علي أعراض النساء من الانتهاك وأوجبت عقوبات علي كل من يقترف هذه الجريمة النكراء تصل الي حد القتل, لانها تعتبر إفسادا للمجتمع وتهديدا لأمنه. كما ان الشريعة الإسلامية وضعت تشريعات للحفاظ علي المرأة وصيانة عفتها, و منها عدم الاختلاط وتحريم الخلوة, وإلزام المرأة بالزي الإسلامي الذي لا يصف ولا يشف ولا يكشف. و أخيرا فإن من اختطف امرأة مكابرة فهو محارب لله, وممن يسعي في الأرض بالفساد وهو مشمول بقوله تعالي: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم( المائدة:33) وجهة النظر النفسية وعن وجهة النظر النفسية أوضح د. لطفي الشربيني, استشاري الطب النفسي ان القاء الضوء علي هذه القضية المهمة يمثل واحدة من المشكلات ذات الابعاد النفسية والاجتماعية حيث ان مسألة الاغتصاب ليست مجرد جريمة بالمفهوم الامني كالسرقة والمشاجرات أو حتي القتل, وتعود اهمية الاغتصاب الي اقتران العنف باهانة الضحية بما يتسبب في سلسلة من المضاعفات التي تؤثر سلبيا علي الضحية واسرتها والدائرة المحيطة بها تأثيرا ممتدا يفوق اي صدمة أو كارثة اخري, وقد لاحظ الاطباء النفسيون ان ضحايا الاغتصاب يعانين فيما بعد من حالة شديدة من الاضطراب يطلق عليها اضطراب الضغوط التالية للصدمة وتعرف اختصاراPTSD, واعراض هذه الحالة الشعور بالقلق والتوتر الدائم واستعادة مشاهد صدمة الاغتصاب والاكتئاب الحاد وكوابيس النوم واليقظة التي تجعل الضحية تعيش الصدمة وكأنها ماثلة امامها في كل حين, ويتبع ذلك شعور بالعزلة يؤدي الي احساس قاتل باليأس وعدم القدرة علي التكيف مع الحياة حتي يصل الامر الي حالة كاملة من الاعاقة تستمر فترة زمنية طويلة عقب التعرض لواقعة الاغتصاب. واضاف د. لطفي الشربيني, اننا نجد انه من المناسب مع اثارة قضية الاغتصاب وجوانبها النفسية والاجتماعية ان يكون ذلك مدعاة لمواجهة جادة لهذه الظاهرة التي لايمكننا تحديد حجمها في المجتمع المصري نظرا لغياب الاحصائيات الدقيقة وعدم الابلاغ عن الغالبية العظمي من هذه الحوادث, غير اننا نتوجه بدعوة الي كل الجهات الرسمية والمدنية ذات العلاقة بالموضوع بضرورة الاهتمام بالمواجهة ليس من الجانب الامني فقط بل من خلال التوعية بهذه القضية وبأساليب الوقاية واهمها الاهتمام بالتنشئة الاخلاقية والقيم الدينية, وعلاج وتأهيل الضحايا بأسلوب مدروس يمكن من خلاله تقليل الآثار السلبية المتوقعة, ويتطلب ذلك مواجهة جادة بهذه الظاهرة قبل ان تتحول الي كابوس مزعج يؤدي الي افتقاد شعور الامن لدي الافراد والاسرة في المجتمع المصري الذي ظل لعصور طويلة ينعم بقدر معقول من شعور الامن مقارنة بالمجتمعات الاخري. هذا و لقد طالبت أخيرا الدكتورة فرخندة حسن, الأمين العام للمجلس القومي للمرأة, اللجنة التشريعية بالمجلس, بمراجعة بعض النصوص التشريعية بهدف تشديد العقوبة في جرائم الاغتصاب والتحرش والاتجار بالنساء بجميع أشكاله, وبما يحافظ علي كرامة المرأة المصرية. كما من المقرر ان يتم إعداد مقترح بتعديل المواد التي تؤدي إلي التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات, مشيرة إلي أنه سيتم رفع هذه المقترحات, بعد الانتهاء منها إلي المؤسسات الدستورية المعنية لتفعيلها تحقيقا لتكليفات المجلس التي وردت في القرار الجمهوري المنشيء له.. فهل نري قريبا حلا لهذه الكارثة ؟!