تعرض فنانون ورياضيون وسياسيون لاتهامات ظالمة ب"التطبيع" مع العدو الإسرائيلى، ووجه لهم هذا الاتهام خلال الأسابيع الماضية، إعلاميون وكتاب وساسة لا يعرف بعضهم مفهوم هذا الاصطلاح، وآخرون لم يسمع أحد صوتهم عندما كانت معارضة "التطبيع" والحملة ضد التطبيع تؤدى بصاحبها للخضوع لتحقيقات أمام النيابة والحبس الاحتياطى والاعتقال الإداري. لقد ارتبط رفض "التطبيع" مع العدو الإسرائيلى مع إقدام الرئيس الراحل "أنور السادات" على خرق قرارات قمة الخرطوم التى صاغت موقف الإجماع العربى الرسمى بعد هزيمة يونيو 1967 فى شعار " لا اعتراف – لا صلح – لا مفاوضات مباشرة". وبدأ هذا الخرق بإعلان الرئيس السادات السفر إلى "القدسالمحتلة" فى 19 نوفمبر 1977، وبدأ رحلة الاستسلام لإسرائيل بعد أربع سنوات من نصر أكتوبر (1973)، ثم توقيع السادات اتفاقيتى "كامب ديفيد" فى 17 سبتمبر 1978 و الصلح المصرية – الإسرائيلية مع بيجن رئيس وزراء إسرائيل فى 26 مارس 1979. وقد حظيت هذه الخطوات والمواقف التى أقدم عليها السادات بقبول شعبى فى مصر، بعد أن نجح جهازه الإعلامى القوى فى إقناع الرأى العام خلال هذه السنوات الأربع (من حرب 1973 إلى زيارة القدسالمحتلة عام 1977) بتخلى العرب عن مصر "التى ضحت من أجلهم" وتهجمهم على شهدائها وتضحياتها، وبأن طريق تحقيق الرخاء فى مصر والخروج من الأزمة الاقتصادية هو الوصول إلى سلام منفرد مع إسرائيل. فى ظل هذا المناخ المؤيد للسادات وللسلام مع العدو الإسرائيلى الذى كان يجعل كل فلسطين وسيناء المصرية والجولان السورية، ملك حزب "التجمع الوطنى التقدمى الوحدوي" شجاعة معارضة هذه السياسة ورفضه للتطبيع الذى نصت عليه اتفاقية الصلح بين السادات وبيجن فى المادة الثالثة فقرة 3 من الملحق الأول والتى تقول ".. يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التى ستقام بينهما ستتضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع التمييزى المفروضة ضد حرية تنقل الأفراد والسلع..". واتخذ حزب التجمع هذا الموقف بمجرد إعلان السادات عزمه زيارة إسرائيل فأصدر بيانا فى 16 نوفمبر 1977 اعترض فيه على الزيارة، وجاء فى هذا البيان.. "إن هذه الزيارة التى تعزز ما تحاول إسرائيل فرضه من قيام ما تسميه ب "علاقات طبيعية" مع الدول العربية قبل إقرار السلام، تعتبر تنازلا بلا مقابل أو وعدًا بمقابل". وطرح البيان بهذه العبارة لأول مرة فى مصر تحذيرا مبكرا مما عرف بعد ذلك باسم "التطبيع"، وتوالت مواقف الحزب الرافضة للتطبيع، سواء بعد توقيع اتفاقيتى كامب ديفيد (17 سبتمبر 1978)، أو معاهدة الصلح (26 مارس 1979)، ودعا الحزب المواطنين فى اليوم التالى مباشرة (27 مارس 1979).. "على اختلاف مواقعهم السياسية لمقاطعة إسرائيل والوجود الإسرائيلى داخل مصر، ولمقاطعة السفير الإسرائيلى والبضائع الإسرائيلية والسياحة الإسرائيلية، والثقافة العنصرية الصهيونية لمقاطعة كافة صور الغزاة الجدد بصلفهم وغرورهم واستعلائهم العنصري..". ونجح "خالد محيى الدين"، رئيس حزب التجمع فى ذلك الحين، فى إقناع زملائه أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو الأحياء "زكريا محيى الدين – عبداللطيف بغدادى – حسين الشافعى – كمال الدين حسين"، بإصدار بيان ضد اتفاقيتى كامب ديفيد، على شكل رسالة موجهة إلى رئيس الجمهورية، واتخذ الحزب الشيوعى المصرى موقفا مماثلا ضد الزيارة والاتفاقات. وعارض معاهدة الصلح فى البرلمان 14 نائبا هم "ممتاز نصار – د. محمود القاضى – محمود زينهم – خالد محيى الدين – قبارى عبدالله – صلاح أبوإسماعيل – عادل عيد – كمال أحمد – أحمد طه – أحمد ناصر – ممدوح فودة – جمال ربيع – د. سيد أمين عزالدين". وأصدرت نقابات الصحفيين والمحامين والأطباء، والجمعية العمومية لشعبة الهندسة الكيماوية والنووية بنقابة المهندسين، ومجلس إدارة النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية بيانًا ضد التطبيع. ودعت فريدة النقاش، أمينة مكتب الكتاب والأدباء والفنانين بحزب التجمع، لعقد مؤتمر للمثقفين الوطنيين والتقدميين فى مصر، حضره مئات من أبرز مثقفى مصر فى قاعة جمال عبدالناصر بحزب التجمع يوم 2 أبريل 1979، وتحدث فيه القائد الشيوعى زكى مراد ومحمد عودة ولطيفة الزيات وفريدة النقاش، وتشكلت خلال المؤتمر "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية" برئاسة "لطيفة الزيات" وأمانة "حلمى شعراوي"، ونشطت كلجنة جبهوية فى إطار حزب التجمع. وتوالى انضمام أحزاب وقوى سياسية للحملة ضد "التطبيع" وبعد توقيع اتفاقية وادى عربة بين الأردن وإسرائيل، واتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، برز عدد من المشاكل فى حركة مقاومة التطبيع، من أهمها قضية المؤتمرات الدولية التى يشارك فيها إسرائيليون. كانت المشاركة فى المؤتمرات الدولية التى يشارك فيها إسرائيليون وتعقد خارج مصر وخارج إسرائيل تتم بصورة عادية قبل كامب ديفيد واتفاقية الصلح، مثل مؤتمرات حركة السلام العالمي، ومؤتمرات المنظمات التابعة للأمم المتحدة، والمنظمات الأهلية على المستوى الدولى، مثل مؤتمر العدل والسلام فى الشرق الأوسط الذى عقد فى بولونيا عام 1972، واستمر هذا الموقف بعد كامب ديفيد والمعاهدة، مثل ندوة براغ 1988 "لمحاكاة المؤتمر الدولي"، وندوة لوزان 1989، وندوة غرناطة 1990. وأكدت حركة مقاومة التطبيع – وفى القلب منها حزب التجمع، التمسك بالموقف الأساسى للحركة، وهو عدم اللقاء مع الإسرائيليين على طريق كامب ديفيد، أى عدم الذهاب إلى إسرائيل مهما كانت الأسباب، ومقاطعة الإسرائيليين داخل الأراضى المصرية والعربية مقاطعة شاملة، بما فى ذلك المؤتمرات التى تعقد فى مصر أو أى بلد عربى يشارك فيه الإسرائيليون، وما عدا ذلك لا يمكن أن يدخل فى إطار "التطبيع".