في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك كتب الشاعر والصحفي الكبير فاروق جويدة مقالا لاذعا حول فشل شاب متفوق تخرج في كلية الحقوق بتقدير عام جيد جدا في الإنتساب للنيابة العامة رغم أن والده أستاذ في كلية الطب ووالدته أستاذة في كلية الصيدلة ويقطن الابن مع والديه في قصر منيف في القاهرة الجديدة ولأن الوالد استاذ الطب المعروف لديه علاقات واسعة فقد نجح في اكتشاف سر عدم تمكن نجله من تحقيق حلم حياته بأن يصبح واحداً من حراس العدالة وكانت دهشة الوالد كيرة عندما علم أن ولده تم رفضه لعدم ملائمته اجتماعيا للوظيفة والسبب أن جد الشاب لم يكن متعلما ولا يحوز أملاكا زراعية .... وبعد نشر الكاتب الكبير لتلك القصة جاءه اتصال هاتفي من رئاسة الجمهورية لاموه فيه علي طرح تلك القضية وتعرض الكاتب بعدها للحصار الشديد من جانب نظام مبارك. نقول هذا اليوم بمناسبة استقالة الوزير محفوظ صابر بعد تصريحاته المسيئة للنظام بأكمله ولثورتين كان هدفهما تحقيق العدالة الاجتماعية وليس شيئا آخر ونحن في السطور التالية نذكر المؤمنين والمسئولين عسي أن تنفع الذكري بأن الإسلام جاء للمطالبة بعدم تصنيف الناس بناءا علي فقرهم وغناهم ولكن بناءا علي تقواهم وعلمهم وأن الإسلام دعا إلي تكافؤ الفرص أمام الجميع بلا استثناء ... تفاصيل ما قاله العلماء في هذا الشأن في السطور التالية. بداية فإن الإمام الأكبر شيخ الأزهر سبق وقام بتخصيص حلقة كاملة من البرنامج الذي يحل ضيفا عليه كل يوم جميعة للحديث عن انتشار أفة عدم تكافؤ الفرص في أي مجتمع وكان مما قاله في هذا الشأن أنه لابد من النظر إلي الفقراء نظرة محترمة ولابد من النظر إلي كل المتقدمين للوظائف نظرة متساوية لا تفرق بين أحد وأخر فالفيصل هو الكفاءة لديهم ولنا أن نتذكر أن الغرب عندما فعل ذلك تقدم ووصلت بلاده إلي مركز مرموق في العلوم والحضارة . وأضاف شيخ الأزهر : للأسف فإن في بلادنا بعض الوظائف في بلادنا لا زالت تُحجَز لأصحاب مواصفات اجتماعية معينة. وليست مواصفات كفاءة. فلو تقدم من هو أكفأ ولكن يفقد البريق الاجتماعي مع مَن يلمع اجتماعيًا. وكفاءته تكاد تكون منعدمة. يُقدَّم هذا الذي يلمع اجتماعيًا. وهذا تأسيس للطبقية التي جاء الإسلام ليهدمها من الأصل. لأن تصنيف المجتمع لا يقوم علي أساس الكفاءة. ولا علي أساس العمل. ولا علي أساس القدرة. ولا علي أساس الذكاء. وإنما علي أساس طبقات اجتماعية. وهذه هي الكارثة. فنحن نري أن هناك وظائف مغلقة علي ناس معينة. وهذا ليس من الإسلام. ولا من العدل. ولا من الإنصاف. وإنما هو نوعى من الكبر. ومن العيب أن يسبقنا غير المسلمين في هذا المضمار. وأكد. أن معيار الكفاءة هو الذي يجب أن يسود ويتصدَّر في بلادنا» لأن هذا هو الذي يتماشي مع مبدأ المساواة. ومبدأ التواضع للناس. ولذا لا ينبغي أن يقيم الناس في مسألة الوظائف علي أساس من الفوارق الاجتماعية أو الفوارق الأُسرية. أو الإمكانات المادية. فما ذنب شاب والده يعمل في مهنة متواضعة جدًا ثم يُحال بينه وبين وظائف معينة؟ هذا نوع من الظلم الاجتماعي. وأرجو وأتمني وأحلُم وأتطلع إلي أن نصبح في يومي ما من الأيام. وقد وُضعت القوانين والأسس التي تسوي بين أولاد الناس جميعًا عند التقدم لوظيفة ما. المحسوبية دمار ويري الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء أن الواسطة اغتصاب فعلي لحقوق الآخرين الذين لا يتمتعون بصلات مع أحد من الكبار تمكنهم من الحصول علي حقوقهم المسلوبة ولو كانوا أحق من هؤلاء الذين سلبوها بسبب الوساطات في إنها طاعون اجتماعي يعمل علي تهميش أصحاب القدرات. كما أن هذه الظاهرة تجعل الإنسان المتفوق والمتميز مصاباً بالإحباط وخيبة الأمل . وأضاف : خطورة الواسطة والمحسوبية فقد حذر منها الرسول صلي الله عليه وسلم وهناك حديث نبوي يبين أن انتشار مثل هذه الظاهرة. من علامات الساعة. فقد قال صلي الله عليه وسلم:¢إذا وُسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة¢ وهذا ما نراه للأسف في أيامنا تلك من افتقاد للعدالة وانتشار للمحسوبية فنحن نجد الكثير من الخريجين الذين لم يحصلوا علي فرص عمل نظراً لغياب الواسطة لديهم رغم الدين الإسلامي جاء للتخلص من الفوارق الإجتماعية التي كانت قائمة وتقسيم الناس لسادة وعبيد فساوي بين الناس ولنا أن نتذكر ما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم حينما جاء إلأيه زيد ليتوسط له ليوقف حداً من حدود الله فقال رسول الله قولته الشهيرة:" والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" . وقال د.واصل : يحب ان نسعي جميعا لايجاد بيئة دينية وثقافية تحارب الواسطة والمحسوبية التي تعتدي علي حقوق الغير ولابد من نشر قيم الإسلام التي تحث علي أن الناس سواسية لا فارق بينهم إلا بالتقوي والعمل علي ايجاد بيئة تحرص علي النزاهة والشفافية والمساواة والعدالة واحترام حقوق المواطن المشروعة وإذا كان هناك من يتصور أن قضاء حوائجه سيكون أكثر سهولة بالواسطة والمحسوبية فليقل لنا ماذا سيفعل يةوم القيامة التي قال الله تعالي فيه : ¢ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذي وَلا يَتَسَاءلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدون ¢ المؤمنون الأية 101 . عدالة الإسلام يؤكد الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية أن العدل في الرؤية القرآنية محوراً لكل شيء. وعليه ترتكز فلسفة التشريع. وحكمة التكوين. وبناء المجتمع. وحفظ الحقوق. وتعميق المبادئ الأخلاقية والعدل لا يقتصر علي جانب دون آخر» بل هو مطلوب في كل المجالات والحقول. إذ يجب أن يعم العدل في كل شيء. في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية والحقوق. وبدونه لا يمكن أن ينعم المجتمع بالسعادة والأمن والاستقرار ومما يدل علي أهمية العدل في المنظور القرآني أنه "تكررت مادة العدل بمشتقاتها ما يقرب من ثلاثين مرة في القرآن الكريم. ويشير هذا التكرار إلي عناية التنزيل المجيد بالحديث عن العدل". وأضاف :وإذا دققنا النظر في القرآن وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل من كل الأفكار القرآنية. من التوحيد إلي المعاد. ومن النبوة إلي الإمامة والزعامة. ومن الآمال الفردية إلي الأهداف الاجتماعية. فالعدل في القرآن قرين التوحيد. وركن المعاد. وهدف تشريع النبوة. وفلسفة الزعامة والإمامة. ومعيار كمال الفرد. ومقياس سلامة المجتمع والعدل القرآني عندما يتعلق بالتوحيد أو المعاد فإنه يعطي معني خاصًّا لنظرة الإنسان إلي الوجود والعالم. وبعبارة أخري نقول: إنه نوع من النظرة الكونية. وأضاف : نظرا لأهمية العدل في حياة الناس» فإن أهم هدف لبعث الأنبياء والرسل بعد تعريف الناس بالخالق جلَّ وعلا هو بسط العدل بينهم. قال تعالي: ?لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ?ذلك لأن الاجتماع البشري لا يمكن أن يتأسس فيه روح النظام والقانون والمساواة إلا بتحقيق العدل والعدالة. ومن هنا جاء الأمر الإلهي بضرورة تطبيق العدل: ?قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ?وقوله تعالي: ?إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ?. فالعدل هو جوهر الإسلام وروحه. وهو المحور الأساس لتطبيق أصول الدين وفروعه. وبتطبيقه تنعم البشرية بالسلام والاطمئنان والأمن والرفاهية والرخاء. أما عندما ينتفي العدل والعدالة من حياتنا. فإن نقيضه سيحل محله. وهو الظلم والجور. وهو أساس كل شر. وسبب كل شقاء. ومنبع الرذائل والفواحش. وجذر التخلف والتقهقر الحضاري ?فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةي أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةى فَهِيَ خَاوِيَةى عَلَي عُرُوشِهَا وَبِئْري مُّعَطَّلَةي وَقَصْري مَّشِيدي?. ويضيف الشيخ الديب : لقد خلق الله سبحانه وتعالي الناس جميعاً من تراب. ?وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابي ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرى تَنتَشِرُونَ? ولذلك لا فضل لعربي علي أعجمي. ولا لأبيض علي أسود. إلا بالتقوي والعمل الصالح ويكرر القرآن الكريم في مواضع عدة أن الجنس البشري كله خُلِق من تراب. ومن نفس واحدة. قال تعالي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسي وَاحِدَةي وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء فالناس سواسية في أصل الخلقة والنشأة والمنبع. وقد أكد علي ذلك رسولنا الكريم "صلي الله عليه وآله وسلم" بقوله: "الناس سواسية كأسنان المشط". وأشار الشيخ الديب إلي أن الاسلام يرفض التمييز بين البشر علي أساس اللون أو العرق أو الجنس أو الانتماء المذهبي أو أي لون من ألوان التمييز بين الناس الذين خلقهم الله عز وجل جميعاً من نفس واحدة. ومن التراب والمساواة بين الناس -والتي تعدّ من أهم مكونات وأسس بناء العدالة الاجتماعية- تعني المساواة أمام الشرع والقانون. والمساواة في الفرص. والمساواة في تقلد المناصب العامة. والمساواة في الحصول علي المكاسب والامتيازات. والمساواة في الحقوق والواجبات بل إن والله تعالي جعل التفاضل الحقيقي الذي يتفاوت الناس به في مكانتهم عند الله تعالي جعله بالتقوي فجعل اتقاهم أكرمهم. كما قال تعالي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمى خَبِيرى {الحجرات:13}. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألون؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وأنهي الشيخ الديب كلامه مؤكدا أن حال الناس في الدنيا الفانية.. فإنه لا شك أن الله تعالي قد فاوت بينهم وفضل بعضهم علي بعض في الرزق. فجعل بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً وبعضهم طويلاً وبعضهم قصيراً وبعضهم ولودا وبعضهم عقيماً لحكمة يعلمها الله تعالي. كما قال الله تعالي: وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْضي فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَي مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {النحل:71}. وقال تعالي: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضي دَرَجَاتي لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرى مِّمَّا يَجْمَعُونَ {الزخرف:32}. وقال تعالي: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمى قَدِيرى "الشوري:49-50"