من المبادئ الإنسانية الّتي قام عليها الإسلام من خلال رسالته وتعاليمه، تحقيق العدل والمساواة بين الناس، والقضاء على الظلم والجور، وأرسى النبي صلى الله عليه وسلم قواعد تلك العدالة، وشيد أركان المساواة بين جميع الخلق. وجعل المبدأ أنّه لا ميزة ولا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلّا بالتقوى، وقدم للبشرية أرفع التعاليم والآداب على مستوى العدالة الإنسانية والاجتماعية لتوفير البيئة المناسبة للحياة الكريمة الآمنة. ولقد مرت علي مصر أزمنة عديدة لم يكن فيها جائع من أهلها أو المقيمين بها أو الوافدين عليها، حيث كان التكافل الاجتماعي والتعاون علي البر والخير سمة من سمات المصريين. علماء الأزهر يؤكدون أن تطبيق العدالة الاجتماعية واجب باعتبارها المدخل الوحيد لأمن واستقرار الوطن، وطالبوا بتطبيق المبادئ الراقية التى جاء بها الإسلام فى هذا المجال، لأن العدالة الاجتماعية فى الإسلام شاملة لكل نواحى الحياة، ولا تنحاز لطرف على حساب آخر، حتى يتحقق العدل ويسود الأمن والاستقرار بين جميع أفراد المجتمع. كما طالبوا رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدنى بمد يد العون للفقراء والمحتاجين وسكان العشوائيات. ويقول الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن العدالة الاجتماعية هى أهم أسس بناء المجتمع المستقر، وإنها المدخل الوحيد لتجاوز الصعاب والأزمات وتحقيق الأمن والأمان، والعدالة الاجتماعية لها مجموعة كبيرة من المفاهيم والتصورات، وكل المذاهب الاقتصادية والسياسية تدعى أنها تحقق العدالة الاجتماعية، فالنظم الليبرالية تدعى أنها هى التى تحقق العدالة الاجتماعية، والنظم الاشتراكية تتحدث باسم العدالة الاجتماعية، وتدعى أنها هى الوحيدة التى تحققها، من خلال تملك الشعب لأدوات الإنتاج، كذلك فالنظم المختلطة تدعى أيضا أنها هى التى تحقق العدالة الاجتماعية، وكل هذه أقوال زائفة، لأن الذى ينظر لهذه الأقوال بشر، والبشر تواجههم عوامل كثيرة تحدد فكرهم وفلسفتهم، والمفهوم الحقيقى للعدالة لا يمكن أن يصدر عن بشر، وإنما هو الذى يصدر عن الله عز وجل، وقد حدد القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أهم أركان العدالة الاجتماعية، فهى لا تنحاز لطبقة أو طائفة أو غنى أو فقير أو مذهب أو لأى جهة على حساب أخرى. عدالة شاملة وأضاف: إن العدالة الاجتماعية فى الإسلام مطلقة وتحقق التكافل بين الغنى والفقير، وذلك بأن جعل الله عز وجل الزكاة احدى العبادات، وجعل التكافل الاجتماعى مفروضا على الأقارب، وجعل الصدقات الطوعية مدخلا إلى الجنة، كما جعلها شفاء للمرضى ومكفرات للذنوب، وجعل الصدقات التى تقع فى أيدى الفقراء والمحتاجين واليتامى والأرامل وغيرهم تقع فى يد الله أولا، ولذلك كانت السيدة عائشة رضى الله عنها تعطر الصدقة قبل أن تعطيها للفقير، ويكفى لبيان ذلك قول الله عز وجل «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، إنها عدالة شاملة مع الأصدقاء والأعداء، فالعدالة الاجتماعية فى الإسلام تساوى بين الأقارب والأهل وغيرهم، وتحقق حد الكفاية وليس حد الكفاف. وفى سياق متصل تقول الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه بجامعة الأزهر، إن الإسلام دين العدل المطلق، والذى يشمل جميع جوانب الحياة، لقول الله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ “، والإنسان عليه أن يشهد على نفسه وأقاربه بالحق، ولا يزكى نفسه ويترك التزكية حسب عمله، ولا يتعصب لأحد من أقاربه أو يختصه بوظيفة بالرغم من عدم كفاءته أو وجود من هو أفضل منه، لأن تفضيل الأقارب والمعارف على من هم أفضل منهم، ومنحهم وظائف لا يستحقونها، يعد من صور غياب العدالة الاجتماعية، وقد حذر الله عز وجل من ذلك فى قوله «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»، وتشير إلى أن هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق الأغنياء، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال مساعدة محدودى الدخل والطبقات الفقيرة، فالله عز وجل هو صاحب المال وهو السبب فى وجوده، وجعل الصدقات واجبة لبركة هذا المال وتطهيره، كما جاء فى قوله تعالي: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»، وهناك الكثير من النصوص فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحمل لنا هذا المعني، ولابد أن تسود هذه المبادئ والقيم لدى أفراد المجتمع. بالمساواة تنهض الأمم ومن جانبه أوضح الدكتور محمد أبو هاشم ، نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الإسلام دين عالمى ورسالته خالدة، وجاء بقواعد ترسخ العدالة بين الناس جميعا، فلقد كان الناس قبل الإسلام يعيشون ما بين سادة وعبيد، وكانت الأجناس تفضل بعضها على بعض، وكانت هناك موازين للتفضيل، حسب المال والحسب والجاه، فجاء الإسلام بمبادئ وقيم تجعل التفاضل بين الناس بالتقوى والعمل الصالح، وهذا قول الله تعالى « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، ثم أكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فى أحاديث كثيرة، وخير شاهد على هذا، عندما سرقت المرأة المخزومية، فأرسلوا إليه صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، فغضب الرسول غضبا شديدا، وقال «إنما أهلك الذين من كانوا قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، فهذا الحديث يؤكد ترسيخ العدالة والعدل بين الناس، وقد طبق الرسول ذلك عمليا على نفسه وأهل بيته، وكان يشارك المسلمين فى العمل أثناء الغزوات، وفى السفر كان يقتسم معهم الركوب، وهذا يؤكد ضرورة دراسة السيرة النبوية دراسة فاحصة، نستخرج منها الكنوز التى تبين عظمة الإسلام وعدالة الإسلام والمساواة التى جاء بها، لننهض بالوطن ونستعيد أمجاد أمتنا الإسلامية التى سادت الدنيا، عندما اعتصمت بكتاب الله وسنة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم.