أرسي الإسلام القواعد والأسس التي تنظم العلاقات بين الأفراد وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية بما تحمله من معان وقيم رفيعة تساعد علي قيام مجتمع يتمتع بالسلام والإخاء والمحبة والرخاء, وقد جعلت العدالة في الإسلام للجميع بغض النظر عن معتقداتهم.. وقدم الإسلام منهاجا واضح المعالم لتحقيق فكرة العدالة الاجتماعية بتطبيق مبدأ إشباع كل الاحتياجات الأساسية للأفراد بما فيها الكفاية, وقرر للفقراء حقا معلوما في أموال الأغنياء ومبدأ المساواة في العطاء لأنه لا يمكن تبرير الظلم الاجتماعي بأي منفعة أخري لقول الله سبحانه وتعالي: ولا يجرمنكم شنأن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي. وتتضح أهمية العدل في الإسلام كما يقول الدكتور منصور الحفناوي, أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة الزقازيق, في كونه من صفات الله تعالي ومن القيم التي حث عليها القرآن وتكررت في العديد من الآيات ولقد فرض الله العدل علي المسلمين ليشمل كل شيء في حياتهم ابتداء من العدل في الحكم الي الشهادة ومعاملة الأسرة والزوجة وجميع الناس حتي الأعداء والخصوم لقول الله عز وجل: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل وتعد العدالة الاجتماعية من أهم مكونات العدل في الإسلام الذي يضع من النظم ما تحققه كالزكاة التي جعلها الله قرينة للصلاة فقال سبحانه وتعالي: فأقيموا الصلاة واتوا الزكاة كما قرن الأعمال الطيبة بالإيمان بالله, وكانت سلوكيات رسول الله عليه السلام أروع النماذج للعدل في التعامل بين الناس كافة, وسار علي نهجه الصحابة رضوان الله عليهم, وعلي رأسهم عمر بن الخطاب الذي سماه النبي صلي الله عليه وسلم بالفاروق لأنه كان يفرق بين الحق والباطل وكان العدل أهم سماته بعد اعتناقه الإسلام, وبين رسول الله فضيلة تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس والإمام العادل في أحاديث كثيرة منها قوله عليه السلام:( سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة منها الإمام العادل). ويضيف الدكتور رمضان متولي الباحث في الدراسات الإسلامية أنه بجانب العدل والمساواة فقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في العطاء والتكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء, فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يملك أربعين ألف درهم من تجارته لم يتبق منها سوي خمسة آلاف درهم والباقي أنفقها علي المحتاجين, ويتضح العطاء من علي بن أبي طالب الذي تصدق بثلاثة أرغفة لم يكن يملك سواها. ولما تتضمنه العدالة الاجتماعية من مساواة وتكافل بين جميع أفراد المجتمع حتي بين الحاكم والمحكوم فقد مارسها النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم باعتبارها أهم القيم الإسلامية لبناء مجتمع قوي متماسك يتمتع بالأمان والطمأنينة التي يعاني من غيابها مجتمعنا في هذه الأيام, ولأن المسلمين الأوائل فهموا الإسلام باعتباره مبادئ وعبادة وعملا وسلوكا وطبقوا العدالة الاجتماعية في واقع حياتهم ولم يجعلوها دعوي تنطلق بها الألسنة دون أن يعيشها الناس ويتبين ذلك فيما انتهجه الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه في تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية ورفض استغلال الإنسان لأخيه مستهديا بتعاليم الدين في منع استئثار قلة من الأفراد بخير المجتمع كله, بينما لا يجد غيرهم الكفاف, وفي خطبة تدل علي مدي حرصه لمصالح رعيته قال: أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا: يرفع الينا حاجة من لا يستطع ويعيننا علي الخير بجهده ويدلنا علي مالا نهتدي اليه ولا يغتاب عندنا الرعية.. لقوله تعالي: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه.