جاء الإسلام بمبادئه وتعاليمه ليحقق للإنسان حياة حرة وللمجتمع ما ينشده من كرامة ورفعة.. وقد خلق الله الانسان ليحيا عزيزا لا ذليلا ويعيش سعيدا لا شقيا.. ويسعي لمصلحة دنياه والعمل لأخراه تحقيقا لقوله تعالي( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا) كما خلق الله الكون لينتفع به بنو البشر واستخلفهم فيه ليعمروه ويحصلوا علي خيراته بالعدل والقسطاس المستقيم فيما بينهم. وتوضيحا لذلك يقول الدكتور رمضان يوسف الاستاذ بكلية الدراسات الاسلامية بجامعة الازهر إن الاسلام عقيدة وشريعة وعبادة وعمل وسلوك وتطبيق للعدالة الاجتماعية في مواقع الحياة بين كل البشر ويؤكد ذلك المنهج الذي سلكه المسلمون الأوائل وما تكشفه مواقف الخليفة عمر بن عبدالعزيز في رفضه استغلال الإنسان لأخيه مهتديا بتعاليم الاسلام التي تمنع استئثار قلة من الناس بخير بلادهم بينما غيرهم لايجدون شيئا.. واستطاع هذا الخليفة خلال فترة ولايته التي لم تدم أكثر من عامين وخمسة أشهر فقط أن يملأ الأرض علما ويثبت دعائم العدالة ويحفظ للطبقة الضعيفة حقوقها ويمكنها من الحصول عليها.. وفي أول خطبة بعد توليه الخلافة حدد منهجه العملي في معاملة الرعية فقال أيها الناس انه لا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد صلي الله عليه وسلم وإني لست بقاض ولكني منفذ ولست بمبتدع وإنما متبع ولست بخير من احدكم ولكني أثقلكم حملا وان الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي خطبة ثانية قال: أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا وهي ان يرفع الينا حاجة من لايستطيع رفعها.. يعيننا بجهده علي الخير.. ويدلنا علي ما لا نهتدي اليه.. ولا يغتابن عندنا أحدا من الناس.. ولايتدخل فيما لايعنيه تطبيقا لقول الله سبحانه( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولاتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) وأخذ خليفة المسلمين يطبق مبادئ العدالة الاجتماعية,وبدأ بنفسه فتنازل عن أملاكه التي انتقلت إليه عن أبيه ورد علي رجل قدم إليه من( حلوان) وادعي ان والد الخليفة عندما كان واليا علي مصر عام61 ه أقطعه الخليفة عبدالملك بن مروان أرض حلوان فورثها عمر وإخوته فقال عمر بن عبدالعزيز إن لي فيها شركاء لايرضون أن أتخذ فيها أمرا بغير قضاء واصطحب الخليفة الرجل إلي القاضي وجلس بين يديه فتكلم عمر بحجته وتكلم المدعي فقرر القاضي أحقية الرجل فقال عمر إن والدي عبدالعزيز قد أنفق علي هذه الأرض ألف ألف درهم, فقال القاضي قد أكلتم من غلتها بغير ذلك فانشرح صدر الخليفة بحكم هذا القاضي وخاطبه قائلا تالله لو قضيت لي ما وليت عملا.. لأن الاسلام يرفض الاستغلال والتمايز بين الناس بسبب الانتماء إلي طبقة.. كما يرفض مظاهر الظلم الاجتماعي.. طبقا لقوله سبحانه( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي) وقد روي أن رسول الله استعمل رجلا علي جمع الصدقة فلما قدم قال( هذا لكم وهذا أهدي لي) فقام النبي صلي الله عليه وسلم ثم قال أفلا جلس في بيته حتي تأتيه هديته إن كان صادقا والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالي يحمله يوم القيامة..