لأن الإسلام دين ودنيا، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وناقشها ووضع لها ضوابط سواء بشكل مباشر أو من خلال نهج الصحابة رضوان الله عليهم، ومن أهمها الحاكم فى الإسلام. العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين يقول إن الحاكم فى الإسلام مجرد فرد عادى من الناس، ليس له عصمة ولا قداسة، فقال الخليفة أبوبكر الصديق «إنى وليت عليكم ولست بخيركم»، وقال عمر بن عبدالعزيز «إنما أنا واحد منكم، غير أن الله تعالى جعلنى أثقلكم حملا». وأضاف «الحاكم فى الإسلام مقيد غير مطلق، فهناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهى أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها له ولغيره من المكلَّفين: رب الناس، الله عز وجل، ولا يستطيع هو ولا غيره من الناس أن يلغوا هذه الأحكام، ولا أن يجمدوها، ولا أن يأخذوا منها ويدعوا بأهوائهم. ولم نر أحدا من الخلفاء فى تاريخ الإسلام، أضفى على نفسه، أو أضفى عليه المسلمون نوعا من القداسة، بحيث لا ينقد ولا يقوم، ولا يؤمر ولا ينهى، فكان الخليفة عمر يقول «من رأى منكم فىّ اعوجاجا فليقومنى». وفى كل المذاهب الإسلامية ومذهب أهل السنة خاصة يرشح الشخص للمنصب: صفتان أساسيتان: القوة والأمانة، كما أشار إلى ذلك القرآن: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الامِين»، والقوة تعنى: الكفاية والقدرة على أداء العمل بجدارة، بما لدى الشخص من مواهب وثقافة وخبرة وقدرة، فهذا يعنى: الجانب العلمى والفنى. والأمانة: تعنى الجانب الخُلُقى، بحيث يخشى الله فى عمله، لا يغش ولا يخون، ولا يهمل، ولا يتعدى حدا من حدود الله، ولا يجور على حق من حقوق الناس. ويرى القرضاوى أن العلماء تعددوا فى التاريخ الإسلامى ولم يكن منهم الحاكم، لأن الحكم له مواصفات مختلفة كما قلنا، فكان أبو هريرة وابن عمر وابن مسعود من أعرف الصحابة بالكتاب والسنة، ومن أكثرهم تحديثا عن النبى (صلى الله عليه وسلم) ولم تكن منزلتهم فى بناء الدولة الإسلامية كمنزلة الخلفاء الأربعة أو منزلة سعد بن أبى وقاص أو خالد بن الوليد أو أبى عبيدة بن الجراح. والصورة الصادقة للحكومة كما يقيمها الإسلام صورة رجال أحرار الضمائر والعقول، يفنون أشخاصهم ومآربهم فى سبيل دينهم وأمتهم، صورة كفايات خارقة، وثروات عريضة، من بعد النظر، ودقة الفَهم، وعظم الأمانة. تسعد بها المبادئ والشعوب، صورة أفراد لهم مهارة عبدالرحمن بن عوف فى التجارة، وابن الوليد فى القيادة، وابن الخطاب فى الحكم؛ قد يولدون فى أوساط مجهولة فلا تبرزهم إلا مواهبهم ومَلَكاتهم فى مناحى الدنيا وميادين العمل.