من القضايا التي تثير جدلا كبيرا هذه الأيام مسألة الدولة الإسلامية, ويثار التساؤل الشعبي حول كنه هذه الدولة: هل هي دولة مدنية تقوم علي حرية اختيار حكامها, وعلي مبدأ تداول السلطة كما هو معروف في الدول الديمقراطية.. أم أنها دولة دينية كهنوتية, تتحكم في أهل الأرض باسم السماء كدولة الكنيسة الأوروبية فيما سمي بالعصور الوسطي والتي عرفت بعصور الظلام في أوروبا.. عندما كانت الكنيسة مسيطرة علي مقاليد الأمور. طرحت التساؤلات أمام د. أيمن مصطفي أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر, الذي أكد أن الدولة الإسلامية دولة مدنية مثل كل الدول المدنية لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية.. ولا تقوم الدولة الإسلامية علي حكم رجال الدين كما كان الأمر في سلطان الكنيسة الأوروبية.. ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يعرف باسم الثيوقراطية أو الحكم الإلهي المقدس.. فقد كان في أوروبا طبقة من السدنة يشرعون للناس قانونا من عند أنفسهم متسترين وراء القانون الإلهي. أما الدولة الإسلامية التي جاء بها الإسلام وهي الدولة المدنية التي لا يستبد بأمرها كما يشرح أستاذ الشريعة طبقة من علماء الدين ولكنها تكون في أيدي المسلمين عامة.. وهم الذين يتولون أمرها, والقيام بشئونها وفق ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله. ولكن ما معني مدنية الدولة؟ يجيب أستاذ الشريعة انها تقوم علي أساس اختيار حكامها بنفسها.. أي برأيها وإرادتها.. فتختار لقيادتها المؤهل للقيادة.. كما تقوم علي البيعة العامة من الأمة.. وأيضا علي وجوب الشوري بعد ذلك, ونزول الحاكم علي رأي الأمة أو من يمثلهما مثل مجلس الشعب ومجلس الشوري.. كما تقوم علي مسئولية الحاكم أمام شعبه, وحق كل فرد في الرعية أن ينصح له ويشير عليه. وما مدي مسئولية الحاكم في الدولة المدنية؟ يجيب د. أيمن مصطفي الحاكم في الإسلام سلطته مقيدة وغير مطلقة.. هناك شريعة تحكمه, وقيم توجهه, وأحكام تقيده.. وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته.. بل وضعها له ولغيره رب العباد سبحانه وتعالي.. فليس للحاكم في الإسلام سلطة معصومة.. بل هو بشر يخطئ ويصيب, ويعدل ويجور. وإلي أي مدي يحق للشعب مراجعته؟ من حق عامة المسلمين أن يسددوه اذا أخطأ.. ويقوموه اذا اعوج.. فهو مجرد فرد عادي من الناس ليس له عصمة ولا قداسة.. وهذا ما أعلنه الخليفة الأول أبوبكر الصديق في أول خطبة له أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم, فإن رأيتموني علي حق فأعينوني, وإن رأيتموني علي باطل فسددوني.. كما قال عمر بن عبدالعزيز إنما أنا واحد منكم, غير أن الله تعالي جعلني أثقلكم حملا. ولم نر أحدا من الخلفاء أضفي علي نفسه قداسة.. وكان الفاروق عمر بن الخطاب يقول مرحبا بالناصح أبد الدهر.. مرحبا بالناصح غدوا وعشيا. وبذلك فإن الدولة الإسلامية دولة مدنية يحكمها بشر غير معصومين ومرجعيتها الإسلام.. تراجعهم الأمة وتحاسبهم.إن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية كما يضيف أستاذ الشريعة أو السلطة الدينية التي عرفتها أوروبا في العصور الوسطي. فليس في الإسلام سلطة دينية سوي الدعوة الي الخير والتنفير من الشر, والموعظة الحسنة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهي سلطة خولها الله تعالي لجميع المسلمين.