القانون لا يجرِّم دعوة السيدة إيناس الدغيدي العلنية وتحريضها الشبان والشابات من خلال القنوات الفضائية علي ممارسة الجنس خارج إطار الزواج واعتبارها ذلك الأمر مجرد حرية شخصية.. وبالتالي فإن القانون لا يدين السيدة إيناس رغم أن دعوتها تتصادم مع الشريعة الإسلامية التي هي المصدر الرئيسي للتشريع وفق المادة الثانية من الدستور.. وتتصادم مع كل الشرائع السماوية والتقاليد والأعراف وقيم الشرف وصيانة الأعراض. بمقتضي القانون المصري لا تمثل دعوة السيدة إيناس الدغيدي أية جريمة.. وليست هناك أية مادة تجرِّم تحريضها العلني علي ارتكاب الفاحشة.. ولا يستطيع أحد أن يرفع ضدها دعوي قضائية.. ولا تستطيع النيابة العامة أن تحرِّك أية دعوي ضدها تحت أي مسمي.. لأن القانون أساساً لا يجرِّم العلاقة الآثمة مادامت تتم بالتراضي بين الشبان والشابات غير المتزوجين.. والتي تسميها الشريعة "زنا".. ومن ثم فالقانون لا يجرِّم التحريض عليها والترويج العلني لها. هذه الحقيقة المؤلمة التي تشكِّل فجوة أو سقطة تشريعية كشفها الزميل الجاد فتحي الصراوي في تحقيق صحفي موسع نشره في ملحق "دموع الندم" بجريدة الجمهورية يوم السبت 9 مايو الجاري تحت عنوان "مفاجأة.. القانون لا يدين دعوة الدغيدي للإباحية الجنسية". هي مفاجأة فعلاً.. وقد سأل زميلنا مجموعة من كبار القضاة عن العقوبة القانونية لمن يروِّج للجنس خارج إطار الزواج.. وكيف عالج القانون الجرائم الجنسية بصفة عامة.. فجاءت إجاباتهم الكاشفة المؤلمة علي النحو التالي: * إذا كانت العلاقة بين اثنين متزوجين و أحدهما متزوج فهي زنا.. لكن الدعوي القضائية لا تكتمل إلا إذا أقام الزوج المتضرر من هذه العلاقة الدعوي الجنائية ضد الزوج الزاني.. ولا تملك النيابة تحريك هذه الدعوي إلا بناء علي شكوي الزوج.. فإذا تنازل الزوج فلا يجوز لأحد تحريك دعوي الزنا. * أما إذا كانت العلاقة بين بالغين ولكنها تتم بأجر مادي أو عيني أو غيره فإن هذه العلاقة يعتبرها القانون دعارة مؤثمة.. غير أنه يعاقب المرأة ويعتبر شريكها مجرد شاهد علي الجريمة ولا يعاقبه. * وإذا كانت العلاقة بين بالغين غير متزوجين بالتراضي وبدون مقابل.. فإن القانون يعتبرها علاقة شخصية ولا توجد جريمة ولا عقاب. * وما دامت لا توجد جريمة أصلاً في العلاقة بالتراضي بين غير المتزوجين ولا يتوافر لها ما يجعلها تخرج عن مجرد علاقة جنسية إلي تجارة أو دعارة فلا توجد جريمة أو عقوبة علي من يدعو علناً ويحرِّض لإقامة هذه العلاقة.. ولا يعتبر القانون أن دعوته تحريض علي الفسق والفجور. * القانون يفرِّق بين الرجل والمرأة في شروط ارتكاب جريمة الزنا.. فبالنسبة للمكان مثلاً اعتبر القانون أن قيام الزوجة بهذه الجريمة في أي مكان ولو كان بعيداً عن شقة الزوجية زناً مجرَّماً لكن لا تتم أركان الدعوي إلا إذا أقامها الزوج.. أما بالنسبة للزوج فإن الفعل لا يعتبر زناً إلا إذا مارسه في شقة الزوجية فقط ولا تكتمل أركان الجريمة إلا بتحويل الزوجة للدعوي ولا يجوز للنيابة تحريكها. إذن.. فالقانون لا يدين السيدة إيناس الدغيدي وغيرها ممن يدعون إلي إباحة الزنا بين الشباب.. لأن حديثهم هذا بمقتضي القانون ليس فيه أي جريمة.. ولا شك أن هذا يخالف الشريعة الإسلامية التي تؤثم العلاقة بين الرجل والمرأة بغير زواج صحيح.. القانون المصري مأخوذ عن قانون نابليون في فرنسا الذي يعتبر المرأة ملكاً للزوج.. وأية علاقة لها مع غير الزوج خيانة.. أما الشريعة الإسلامية فتعتبر أن العلاقة الآثمة اعتداء علي حدود الله.. وخيانة لله.. ووقوعاً في حرمات الله.. الله وليس الزوج أو الزوجة.. يستوي في ذلك الرجل والمرأة.. المتزوج وغير المتزوج.. الزنا جريمة ليس فيها تمييز.. التمييز في العقوبة بين المحصنين المتزوجين وغير المحصنين.. تقديراً وإعذاراً وليس تهويناً من الجُرم. ومن العار علينا أن تبقي هذه الفجوة أو السقطة التشريعية موجودة في قانوننا بعد عشرات السنين من النص الدستوري علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. ومن ثم وجب علي المشرعين أن يتداركوا هذا الخلل ويسدوا هذه الفجوة في أسرع وقت حتي يستقيم القانون مع الشريعة مع هوية هذا الشعب. وإذ احتج البعض بأن تجريم العلاقة الآثمة التي تتم بالتراضي يتعارض مع الحرية الشخصية ويتصادم مع المواثيق الدولية فعلينا أن نبيِّن للجميع أنه عندما تتصادم الحرية والمواثيق الدولية مع الخصوصية الدينية والثقافية والأعراف والقواعد التي جاءت بها الشرائع السماوية فإن علي المجتمعات أن تحافظ بكل السبل علي خصوصيتها التي تضمن لها البقاء وتبتعد بها عن أسباب الانهيار.. ثم إن العقوبة لن توقع علي من ابتلي بالجُرم وسقط في الخطيئة وستره الله وتاب وعمل صالحاً.. وإنما علي من يجاهر بالإثم ويدعو غيره إلي الفحشاء والمنكر. إن كل دعاوي إنكار النسب في المحاكم سببها الرئيسي هذه العلاقات غير الشرعية.. لو أن أي شخص عرف أنه سيتعرض لعقوبة الحبس مثلاً نتيجة هذه العلاقة ما جرؤ أحد علي الاعتراف الفاجر بأن ما جري لم يكن علاقة شرعية.. لأن مَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب. نحن نناشد أصحاب العقول ومن بيدهم سلطة التشريع أن يتجهوا إلي سد هذه الفجوة التشريعية حفاظاً علي مصر والمصريين.. وحباً في أن تظل مصر مجتمعاً متماسكاً يقوم علي العفة في القول والفعل.