تحدث الكثيرون عن الخطاب الإسلامي المأمول ولكن قلة منهم دخلوا إلي الموضوع مباشرة وتحدثوا عن رؤيتهم للخطاب المنشود وإن كان لمثلي أن يقترح شيئا ً فهذه هي أهم المضامين التي ينبغي علي الخطاب أن يشملها: 1- خطاب الهداية لا التكفير: فالله تعبدنا بهداية الخلائق وليس بتكفيرهم ولا تفسيقهم.. وخطاب الدعاة والهداة يهتم بهداية الخلق إلي الحق سبحانه وهو يختلف عن خطاب القضاة الذي يهتم بالحكم علي الناس ولن يسألك الله يوم القيامة.. كم كفرت أو فسقت من الناس ؟ ولكنه سيحاسبك ويسألك كم هديت من الناس وكم رغبتهم في الحق؟ وعلي الدعاة أن تهتف قلوبهم ¢نحن دعاة لا قضاة¢.. فليست مهمة الدعاة ولن تكون الحكم علي الناس.. وليسوا مؤهلين لذلك ولا يملكون أدوات وسلطات القضاء والحكم علي الناس لن يفيد الإسلام ودعوته شيئا .. ولكن هدايتهم هي التي تصب في خير الإسلام والأوطان . 2- خطاب التبشير لا التنفير : الذي يبشر الناس ولا ينفرهم ويعينهم علي شياطينهم ولا يعين الشيطان عليهم .. فكل من ينفر ولا يبشر لا يعرف الإسلام حقاً فداعش والميلشيات الشيعية في العراق وغيرها تنفر الناس عن الإسلام .. بتفجير المساجد والأسواقوالقتل علي المذهب أو علي الاسم . والخطاب التنفيري هو أكبر جريمة في حق الإسلام وقد صدق الغزالي ¢ إن نصف الذين كفروا بالله علي وجه الأرض سيتحمل مسئوليتهم بعض الدعاة الجهلة الذين نفروهم عن الإسلام وأبعدوهم عنه أو قدموه لهم بطريقة سيئة وسلبية¢ 3- خطاب الإخوة : والذي يعتبر فيه الداعية أن أهل الأرض جميعا مسلمين أو غير مسلمين هم إخوة له .. ويستدعي في ذاكرته خطاب القرآن ¢ وَإِلَي عَادي أَخَاهُمْ هُودًا ¢ ¢ وَإِلَي ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ¢ ¢ وَإِلَي مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ¢ فقد وصف الرسل بأنهم إخوة لقومهم حتي قبل أن يؤمنوا بهم ويتبعوهم . وقد وصف الصحابة الرسول بأنه ¢ فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواءً¢.. وقال صلي الله عليه وسلم ¢ إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت علي الناس جميعاً ما كذبتكم¢. فالدعاة يحبون الناس جميعاً المسلم وغير المسلم.. البوذي والسيخي والهندوسي وكلهم عباد الله.. وكلهم داخلون في دائرة دعوته يحب لهم الخير والرشد ولا يمنع محبته عنهم عدم إيمانهم برسالته. والداعية الذي لا يحمل الحب للناس جميعاً عليه أنه يودع ميدان الدعوة .. أما الذي يكره الناس فعليه أن يصحح إيمانه .. إن هناك رحماً بين الناس اشتقاقا لأبيهم آدم وأمهم حواء عليهما السلام .. والحب يحول الشر إلي خير .. والكراهية تفعل العكس .. وكلما ازداد رصيد الداعية من الحب كلما زاد إقبال الناس عليه وحدبهم إليه. 4- خطاب المقاصد: وهو الذي يقرأ النص قراءة جيدة وفي الوقت نفسه يدرك مقاصده .. ويجمع بين النص وروحه.. فلا يخرج النص عن روحه .. ولا يلغي النص في مقابل الاهتمام بالمقاصد.. إنه خطاب المقاصد .. ومقاصد الشريعة التي ذكرها الشاطبي خمسة ومنها مثلا ¢حفظ النفس¢ مطلقا مسلمة وغير مسلمة.. ولو طبق المسلمون هذا المقصد وحده لعصمت كل الدماء التي تراق في المشرق العربي كله.. فالشاطبي منذ أكثر من ألف عام نص علي أن ¢حفظ كل الأنفس مسلمة أو غير مسلمة¢ هي من مقاصد الشريعة .. ويحضرني في هذا أن كثيرا من العلماء المحدثين قالوا أن مقاصد الشريعة أكثر وأعظم من هذه الخمسة.. وبعضهم أضاف إليها العدل والحرية والمساواة ومن مشاكل الخطاب الحالي إنه يهتم بالنص أكثر من مقاصده العليا والكلية .. وبالشكل أكثر من المضمون.. والظاهر أكثر من الباطن.. وخطاب العقل أكثر من خطاب العاطفة . 5- خطاب يجمع بين النص الشرعي والواقع العملي .. فلا يهمل النص الشرعي تحت ضغط الواقع الأليم البائس .. ولا يهمل الواقع الذي نحياه بحجة أن أعمال النصوص هي الأهم .. فالنص جاء لإصلاح الواقع .. وكل الأنبياء تفاعلوا إيجابيا مع مشاكل أقوامهم وعصرهم وتصدوا لها .. فلوط هتف زاجرا قومه ¢ أَتَأْتُونَ اَلذُّكْرانَ مِنَ اَلْعالَمِينَ وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمى عادُون¢ وشعيب غضب لفساد قومه الاقتصادي ¢ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ¢.. وهود رأي قومه طواغيت وجبابرة فوبخهم ¢ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ¢.