لابدَ في أول الامر من أن نضع هذه المحددات ونرمي بها في حقول العلم والمعرفة والثقافة لعلها تنتجُ ثماراً نافعة ومفيدة تعيد بناء العقل المسلم بعد أن عَصفت به رياح العتو والاستكبار والاختلاف الذي يؤدي إلي الشقاق ويحدث الواناً سيئة من النفاق وهذه المحددات نجملها فيما يلي: 1- يطلق الإسلام علي كل وحي نُزل من السماء علي جميع الأنبياء والرُسل الذين ارسلهم الله ليعموا كافة الأزمشنة والامكنة والألسنة "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولي إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" وقوله "وَإِنْ مِنْ أُمَّةي إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرى" فالإسلام الذي جاء به سفراء الخالق إلي المخلوق هو بمعني الانقياد لله تعالي وإسلام الوجه والعمل والقلب له عز وجل. 2- الإسلام الذي يرُاد به هذا الدين الحنيف الذي بُعث من أجل تبليغُه للناس جميعاً محمد صلي الله عليه وسلم فكان خاتم الأنبياء والمرسلين. من اجل ذلك حفظ الله كتابه القرآن الكريم وتعهد سبحانه وتعالي بصيانته. ومن تمام نعمة الله تعالي أن سخر للسنة المطهرة رجالاً يُميزون بين صحيحها وموضوعها. وحسنها وضعيفها. 3- أنطق الله نبيه بقوله "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وكَتبَ كثير من العلماء الكبار حول هذا الحديث الشريف كُتُب وكان من هؤلاء العَلامة المعروف في الأوساط العلمية الشيخ عبد المتعال الصعيدي الذي يعدُ من رواد التجديد في الأزهر الشريف إلا أنه ظُلم كغيره وكان من آرائه أن المراد بالأمة امة الدعوة التي يقصد بها كل الناس. 4- التأويل ونعني به وضوح وتبسُط التفسير وإن كان أهل العلم يفرقون بينهما إلا أن هذه التفرقة تعدُ بلغتنا المعاصرةما نسميه بالعمل الأكاديمي. ونحنُ هنا نريد أن نعيش جميعاً في رَحابة الإسلام الذي يحتوي جميع البشر إذا ما صُور علي الوجه الصحيح. وبعد هذه المحددات إن الله قد تكلم عن التأويل في قوله تعالي: "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتى مُّحْكَمَاتى هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغى فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلّى مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "7" رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ". وفي عرض الآيات امام بصر القارئ العزيز لننتقل من حال الابصار الي حال البصائر. والتأويل والتفسير عمل عقلي مبني علي التدبر واستخدام الوسائل التعليمية التي نعني بها هنا أدوات المعرفة وتعلمُ العلوم الشرعية واللغوية وهي العلوم التي اهتمت بها الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر وفي غيرها من جامعات مصر حيث أنُشئت كليات تهتم بهذه العلوم وهي علوم ضرورية ونافعة لمن أراد أن يتولي التعليم والافتاء وإصدار الاحكام الشرعية وهي ليست حِكراً علي مؤسسة بعينها ولكنها ضرورة وواجب يقتضيه البناء التنظيمي في مفهوم الدولة القديمة والحديثة والمعاصرة ولكن الاشكال والاطُر تغيرت واختلفت باختلاف الأزمنة والامكنة. والتأويل بابى مهم لمعرفة الخطابات الدينية من اجل أن نعمل علي تبليغ الرسالة علي وجهها الصحيح. وتحقيقاً للسُنن الكونية والربانية اختلفت النظم والمؤسسات المعاصرة فمصر التي تتميز باحتواء كافة المدارس الفكرية اتخذت من المدرسة الأشعرية منهجا رسميا لتعليم علوم العقيدة والشريعة فأعاش الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة في حضن الأزهر الشريف يضمُهم مذهب أهل السنة والجماعة بجناحِيه الأشعري والماتور يدي من أجل ذلك ظهر التعاون المصري والخليجي بمفهومه الواسع من غير تنافر مع اختلاف المذهب الرسمي في العقيدة والشريعة لكل بلد من هذه البلاد وكان هذا الاحتواء بسبب استيعاب التأويل الذي يفتح الباب لقبول الآخر والتعامل معه دون حساسية او كراهية. والتأويل مستمر لاستخراج المعاني الجميلة والراقية لدلالات الفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة. واذا كان مفهوم الصحيح في السنة أيضا يختلف من مدرسة حديثة إلي أخري إلا أن هذا الاختلاف لا يؤثر سلباً علي الأحاديث الموضوعة والمكذوبة علي خاتم الأنبياء محمد صلي الله عليه وسلم حيث عملت جميع المدارس علي رفض الموضوع ورده وتوضيحه للناس. والتأويل له فوائد كبري لو علِمنَها لخفّت حدة التصعب للراي او تلاشت لأننا لو وجدنا عالما او مفكرا او باحثاَ يطرح فكرة مستنبطة ومستنتجة من القرآن الكريم او السنة النبوية الصحيحة وقد اعتمدا هذا المُأوّل او المفسر علي التأويل وعلي العلوم المُعينة علي فهمُه ودراستها بجانب التعمق فيها والاطلاع علي تاريخ التأويل ومدارسه حتي يمكنُه أن يقدم جديدا معتبرا له قيمته العلمية والدينية وأضاف للناس في وقتنا الحاضر طرحاَ معقول ومتسقاَ مع نصوص الشريعة واصولها حتي نتجنب فوضي الأفكار ودعوي الحريات المطلقة دون قيدا او حد. ونحن هنا نريد أن نفرق بين المتدين الذي استقرت عقيدته واستقامت افعالهُ ورُشد سلوكه وجعله علي منهاج الشريعة السمحة التي وضحها رسول الله صلي الله عليه وسلم "تركتُكم علي المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها. لا يَزيغ عنها إلا هالك". وقد طرحنا هذه القضية المهمة من أجل أن يفرق الناس بين المتدين وعالم الدين او الفقيه بكل ما تُعنيه الكلمة من دلالات ومعان عظيمة "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا "82" وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرى مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ" من اجل ذلك وضع العلماء الأوائل القواعد لكل علم من العلوم الشرعية واللغوية بعد أن فسدت الأذواق وانحرف اللسان العربي وشذَ التفكير العقلي واحتاجت الامة لوضع ضوابط وقواعد يتعلمها الناس ويَحتكمون اليها وهي قواعد إنسانية متطورة خادمة لنصوص الشريعة واصولها لذا لابد من أن تنضبط بضوابط علمية صارمة ومتطورة لكن المشكلة الحقيقة والخطأ الكبير الذي يجب ان نعترف به هو تحويل العلماء والعلوم من كونها رغبة معرفية الي وظيفة من أجل جلب الرزق وأخذ الرواتب من أجل المعايش فضاع العَالِم الحر الباحث عن الحقيقة ابتغاء وجه الله تعالي او رغبة في اشباع الجانب المعرفي في الانسان.