يعد الخطر علي عقيدة المصريين وتدينهم الوسطي المستنير الهم الكبير للمؤسسة الدينية الإسلامية وعلي رأسها الأزهر بعد ان اختلت العقيدة في نفوس بعض المصريين الذين وقعوا فريسة للإلحاد أو اللادين وهما وجهان لعملة واحدة يعلن أصحابها التمرد علي الأديان السماوية. أجمع علماء الدين علي أن الإلحاد ليس بالظاهرة الجديدة . بل هو قديم قدم التاريخ. ولا شك أن له أسبابا عديدة متشابكة . لكن هذا لايعني أن تكون هذه الأسباب ذريعة لتبرير انحراف الفكر واعوجاج السلوك فالمفترض أن تكون الضغوط والمشكلات التي يمر بها الفرد السوي دافعا له لتثبيت نفسه وتقوية إيمانه . أما أن تخلق لديه تمردا علي خالقه فهذه خطيئة كبري تستلزم الإصلاح والتقويم. قال الدكتور محمد أبوليلة رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية : إن الملحد لا يعتقد في المبررات. إنما هو يدعي أنه يستند إلي أسباب. والتبرير غير السبب. وهناك نوعان من الإلحاد في عالم اليوم : إلحاد يائسين بمعني أنه يخص شخصا يئس من الحياة أو تعرض لمسائل نفسية في الأسرة أو المجتمع أو مع أصدقائه فتكونت لديه هذه الأفكار السلبية وأولها وأهمها إنكار وجود الله تعالي .وهذه مغالطة من أصحابها من البداية . لأن إنكار وجود الله لن يحل مشكلتهم بل سيعقدها ويغلق عليهم باب الأمل في الحياة. النوع الثاني من الإلحاد هو الإلحاد العلمي أو المنسوب للعلم . فبعض الشباب والعلماء الذين ألحدوا يقولون إن العلم لم يثبت وجود الله . وبالتالي فإن الإيمان بالله خرافة ووجود الله صناعة إنسانية البشرهم من صنعوها . كما قالوا إن اختراع فكرة وجود الله كان لتبرير خوف الإنسان من الطبيعة التي يشعر بأنه كائن ضعيف أمامها لا حول له ولا قوة حيث يخاف من الرعد والبرق والفيضانات والبراكين فكان لابد أن يبحث عن قوة معينة يستند إليها فاخترع فكرة الإله بطريقته.. هذا ما يروج له الملاحدة. أضاف أبو ليلة أن الإلحاد ليس جديدا . بل له تاريخ لكنه ضئيل وسرعان ما يزول . وكثير من الملحدين ألحدوا ثم خرجوا من الإلحاد وأصبحوا مؤمنين. أي أن الإلحاد ليس ظاهرة جديدة . لكنه موجود منذ قدم التاريخ . وفي التاريخ الإسلامي كانوا يسمون الملاحدة . أو الزنادقة أو الطبيعيين أي الذين يقولون إن الطبيعة هي التي خلقت نفسها والبشر يولدون ويموتون وتنتهي قصتهم فلا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار. وبالتالي فما نسمعه اليوم من الملحدين ليس جديدا وهم يعيشون علي اسطوانة واحدة تتضمن نفس التبريرات لأن الله غير موجود وهناك سؤال يطرحونه دائما وهو سؤال يتردد علي ألسنة الأطفال: من خلق الله؟ ورغم أن هذا السؤال يزعجنا نحن المسلمين . إلا أن النبي صلي الله عليه وسلم تنبأ به منذ أكثر من أربعمائة عام فقال "يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتي يقول : من خلق الله؟..." أي أن هذا السؤال هو من إلقاء الشيطان . أو النفس الضعيفة. وقد يطرح هذا السؤال أيضا في حالة البراءة عند الطفل وهو في هذه الحالة لا يرتب سؤاله ولا يقصد به أن يلحد . أما الكبار فإنهم يفلسفون الموضوع للخروج منه بإنكار وجود الله. أضاف أن هذا السؤال لابد أن يعدل إلي : من خلق ؟ الله.. أي أن الله هو الذي خلق لأن العقل يستبعد أن غير المخلوق يخلق فالله تعالي ليس مخلوقا إنما هوخالق الكون. استكمل قائلا : قال الفيلسوف الإنجليزي المعاصر"بيرتراند راسل" في كتابه : "لماذا لا أؤمن بالمسيحية؟" : إن المسلمين والمسيحيين وأهل الملل يقولون إن الله موجود . وأنا أسأل ببساطة : ومن خلق الله؟ وبالتالي سأترك الدين جانبا وسألحد. ضد العقل قال أبو ليلة : لو طرحنا هذا السؤال وقلنا من خلق الله . ولو افترضنا أن الإجابة عليه أن إلها آخر خلق الله والعياذ بالله- فهذا يعني أننا سنظل نوجه هذا السؤال إلي مالا نهاية : "ومن خلق هذا الإله؟" وهذا يعرف عند الفلاسفة بالدور والتسلسل علي غرار"البيضة وجدت أولا أم الفرخة؟" وهذا يضاد العقل البشري الذي يريد أحيانا إجابات حاسمة . والإجابة التي قدمها الملاحدة هي أن الكون خلق صدفة مستندين إلي أن أن الكون عبارة عن مادة قديمة لا تفني ولا تنشأ من عدم . أي أنهم يتخذون من مادة الكون دليلا علي عدم وجود الله. تفسير غبي المفارقة التي ذكرها الدكتور محمد أبوليلة أن المسلم المؤمن عندما يقدم دليلا علي وجود الله فإنه يقدمه من الكون نفسه . والملحد أيضا عندما تسأله عن دليله علي عدم وجود اله فإنه يقدم دليله من الكون . لكن المسلم يستنتج استنتاجا إيجابيا أما الملحد فإنه يسوق استنتاجا سلبيا. شدد أبو ليلة علي أن من خلق هذا الكون البديع الذي يحتاج إلي من يرعاه ويدبر شئونه لابد أن يكون أعظم من هذا الكون وسابقاً عليه لأن الصانع لابد أن يكون أسبق من الصنعة . وعنده من القدرة والحكمة مايتناسب مع بديع صنعه في الكون فأين الصدفة إذا ؟! إنه تفسير غبي لم يقتنع به كثير من الملاحدة أنفسهم بدليل أن كبير الملاحدة أعلن إيمانه منذ عامين وأحدث صدمة للملحدين بجميع أنحاء العالم بنشر كتابه "أنا مؤمن". دعا الدكتور محمد أبو ليلة أبناءنا الذين أنعم الله عليهم بالإسلام لأن ينقذوا أنفسهم من الوكسة والركسة التي ستلحق بهم جراء الالتفات لهذه الخرافات و أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلي الله لأن العقل لا يستطيع أن يصل إلي ذات الله لأن الله تعالي هو الذي خلق العقل والإنسان . وهو أوضح وأجلي من أن يطلب دليلا علي وجوده. وحتي القرآن الكريم ليس به آية واحدة تتكلم عن إثبات وجود الله لأنه أمر فطري . إنما كل الآيات تتكلم عن نفي الشرك والكفر . ولا يستطيع ملحد أن يبرهن علي عدم وجود الله . لأن البراهين كلها تتجه لأنه تبارك وتعالي موجود وبيده مقاليد الأمور. أمراض نفسية أكد الدكتور عبد الصبور فاضل عميد كلية الإعلام جامعة الأزهر أن قضية الإلحاد لا تخص مجتمعا دون آخر . ولا شك أن لظهور الإلحاد في المجتمعات أسبابا من بينها التوترات والمذابح التي يشهدها البشر ليل نهار في العالم. والإلحاد يسبقه حالة نفسية تعتري الإنسان وتغير توجهاته الفكرية بفعل ما يحدث حوله من انتهاكات إنسانية في الحروب في الشرق والغرب والشمال والجنوب . وما تموج به الكرة الأرضية من نزاعات وصراعات نشاهدها جميعا. هناك سبب آخر قد يؤدي للإلحاد وهو شبكة المعلومات الدولية التي غذت هذه الأفكار في أذهان الشباب من خلال جماعات تريد نشرهذا الفكر ووجدت ضالتها ومتنفسها الوحيد في شبكة الانترنت لأنها تعمل دون رقيب. لذلك فقد وصل عدد المواقع التكفيرية لما يزيد عن عشرة آلاف موقع بلغات متعددة ومن بينها العربية يحاولون استقطاب الشباب والأطفال بطرق شتي سواء عن طريق غسيل المخ وتغيير الأفكار أو من خلال إغرائهم بالجانب المادي. أضاف عبد الصبور أن البعد عن التمسك بالدين الصحيح وهجرة رب الأسرة . والبطالة المنتشرة كلها أسباب أدت لاستقطاب الشباب وبعض الكبار ممن لديهم توجهات معينة مشيرا إلي تراجع الجانب الديني في المدارس علي مستوي الوطن العربي والعالم كله وبما في ذلك المناهج المسيحية أيضا مما يستلزم تحصين الفرد بالقواعد الدينية السليمة منذ نعومة أظافره لمنعه من الانخراط في أي توجهات إلحادية. أشار الدكتور عبد الصبور فاضل إلي أن بعض وسائل الإعلام ساهمت سواء بقصد أو بدون قصد في تغذية عقول الشباب بالأفكار الإلحادية عن طريق إتاحة استديوهاتها وشاشاتها لعمل لقاءات مع الملحدين ليصبح اللحد وكأنه علم من الأعلام تفرد له اللقاءات فيشعر الشباب وكأن الإلحاد أصبح أمرا واقعا معاشا. حذر الدكتور عبد الصبور فاضل من ارتفاع نسبة الأمراض النفسية في الفترة الأخيرة حيث زادت بما يقرب من 30% وهذه الأمراض تعد عاملا رئيسيا لانتشار الإلحاد. الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أوضح أن الله تعالي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق وجعل هذا الدين مشعل الهداية والنور في كل زمان ومكان . وفي كثير من آيات القرآن الكريم نجد الله عز وجل يأمرنا بالنظر والتفكر والتأمل وهذا معناه أن الله عز وجل لم يأمرنا بإيمان أعمي بل إيمان يأتي عن طريق التفكر والنظر مثل قوله تعالي : "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله علي كل شيء قدير" "العنكبوت 20" وقال تعالي : "أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت" "الغاشية 17". والقرآن الكريم حينما يهتم بهذه الأمور إنما يريد للإنسان أن يكون مؤمنا . أما الملحدون فهم ينكرون وجود الله عزوجل . وهذا يدل علي أنهم علي يقين أن للكون خالقا ومدبرا . وإلا فما الذي ينكرونه وما الذي يجادلون فيه ؟ وهؤلاء أكثرهم من الشباب الذين ضل سعيهم وانخدعوا بشعارات كاذبة واستمعوا إلي المغرضين ولم يستمعوا إلي كلام رب العالمين. وأمثال هؤلاء لا يصلح معهم إلا الحوار العاقل لأن تغيير الفكر لا يكون إلا بالفكر ومن تأمل منهج الدعوة الإسلامية يتبين له أن الله سبحانه وتعالي أمرنا جميعا أن ندعو الغير بالأسلوب اللائق بعيدا عن السباب والشتائم والسفسطة لأن الإيمان عقيدة وعمل . فإذا رأينا إنسانا اختل في عقله أو في فكره فعلينا أن نناقشه بالحسني وأن نحاول أن نقنعه لا بالتعنيف ولكن بالأسلوب الحسن مع استعمال العقل الذي يؤكد وحدانية الله عز وجل . ولنتأمل قوله تعالي لسيدنا موسي وأخيه هارون : "اذهبا إلي فرعون إنه طغي فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي" "طه 43 . 44". فالقول اللين يجعل الإنسان ينصت لما يقال له. شدد عبد الرؤوف علي أنه لن يستطيع أي إنسان أن يناقش هؤلاء إلا من استعملهم الله عز وجل لخدمة الدعوة الإسلامية التي قال عنها: "قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين" " يوسف 108" ونسأل الله الهداية للجميع. خطيئة الخطايا الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة والقانون وأمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الأسبق أكد أنه مهما بلغت الضغوط والظروف التي يتعرض لها الفرد فلا يجوز أن تنقله هذه الظروف من حالة الإيمان والمعتقد إلي حالة مناقضة الفطرة والإلحاد والكفر بالله. والإلحاد يمثل خطيئة الخطايا . والخطايا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبعث في الإنسان الرضا أو الارتياح أو الاطمئنان النفسي . والمفترض أن العكس هو الصحيح فالإلحاد هو الذي يمثل الاضطراب والانفعال والخروج عن الشعور واليأس . أما أن يدعي أحد أن الضغوط كانت سببا في خروجه من الاعتقاد إلي الكفر فهذا عكس طبييعة الأمور لأن الإيمان يقين وراحة للنفس ونقلها من حالة اللاوعي إلي الوعي ومن حالة السخط إلي الرضا. والأمان والسكون النفسي موطنه الإيمان وأن يؤمن الإنسان أن الله تعالي موجود وهو الخالق والرازق وصاحب الملك والملكوت . أما تعرض الإنسان لموقف سلبي أو إثارة شبهات أمام عقله وفشله في الصمود أمامها كل هذه أمور عارضة لا ينبغي إطلاقا أن تجعل الإنسان يخرج عن فطرته ثم يبرر ذلك بأنه نقم علي المجتمع أو كان في حالة عصبية شديدة فهذا يقتضي منه الصبر وتثبيت النفس والرجوع إلي الله ومحاولة تذكر نعمه وقدرته. فالإنسان صنعة الرب ولا يمكن له أن يتمرد علي خالقه. وإن حدث وانجرف لهذا الأمر فعليه أن يعترف بخطئه وأن يعود للإيمان الذي هو عبارة عن إيمان نفسي وعقلي وعاطفي واجتماعي. ناشد الجندي الجميع بألا يلعنوا من جرفتهم الظروف لهذا المعترك الصعب. داعيا إلي مخاطبة ضمائرهم بالهدوء والاتزان - في الحالات التي تسمح بذلك - فربما يؤدي ذلك إلي عودة نداء الفطرة بداخلهم ليدركوا أنهم علي الباطل وليسوا علي الحق.