كثر الجدل هو علاقة الدين بالسياسة وتأثير الخلط بينهما علي استقامة الحياة الدينية والسياسية علي حد سواء . بل إن البعض أرجع مانحن فيه الآن من انتشار الغلو والتطرف إلي إقحام الجانبين المتنافرين - من وجهة نظرهم - معا. بينما رأي فريق آخر أن السياسة لا تنفصل أبدا عن الدين بل إن السياسة الشرعية تتخذ من أحكام الدين مرجعا وهاديا. وأن المشكلة تكمن في استغلال السياسة الوضعية التي تتغير بتغير الزمان والمكان ومحاولة إقحامها في الدين ..وهنا مكمن الخطر لأنها سياسة تفرق بين الإنسان وعقيدته التي تحميه... في السطور التالية يناقش علماء مصر والعالم الإسلامي علاقة الدين بالسياسة بشكل أكثر تفصيلا . أكد الدكتور نصر فريد واصل. مفتي الجمهورية الأسبق. أن هناك فرقا بين السياسة الوضعية والسياسة الشرعية فالأولي أباحت لدي البعض أشياء محرمة مثل زواج المثلين كالرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة. أما السياسة الشرعية فهي مرتبطة بعقيدة الإسلام. والإسلام والسلام وجهان لعملة واحدة فكلمة الإسلام هي انعكاس لكلمة السلام مع تخفيض وتبديل الحروف. أضاف: إن رسالة الإسلام هي السلام العام. والإسلام يحتاج إلي دولة والدولة تحتاج إلي سياسة سواء في الحكم أو في المال أو في الاقتصاد أو في العلاقات العامة وهذه سياسة شرعية والإسلام وضع لكل هذه الأمور المصطلحات التي تحقق لها الأمن والأمان.لذلك فالإسلام لا يعرف مصطلح الآخر. بل يعرف الإخوة. شدد الدكتور نصر فريد . علي أن مقولة ¢ لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ¢ تعد مغالطة كبري لأنها تختص بالسياسة الوضعية. أما السياسة الشرعية فعندما ابتعدنا عنها انتشر الضلال والقتل والتدمير في ظل سياسة وضعية فرقت بين الدين والدولة. وبين الإنسان وعقيدته وشريعته التي تحميه وتحقق له الأمن والسلام. خطأ فادح اتفق معه الدكتور جودة عبد الغني بسيوني . أستاذ السياسة الشرعية ورئيس الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية بكازاخستان قائلا : إن الإسلام دين ودولة. والسياسة المعتبرة هي السياسة الشرعية التي تتخذ من أحكام الشرع مرجعا ونبراسا يرسم لها الطريق وليس السياسة المتخلية عن الدين وأحكامه. أضاف أن الخطأ الفادح الذي يقوم به بعض المنتسبين للإسلام. وبعض السياسيين كذلك أنهم يحركون الثابت في الشريعة الإسلامية ويثبتون المتحرك فيها . شدد الدكتور بسيوني : علي أن المشكلة الكبري في رأيه تكمن في فهم الأحكام الشرعية من جهة. وفي تطبيق هذه الأحكام علي الواقع من جهة أخري. فمثلا بعض المنتسبين للإسلام لا يفرقون في أحكام السنة النبوية بين ما صدر عن النبي صلي الله عليه وسلم بوصف التبليغ والإفتاء وبين ما صدر عنه بوصف الإمامة والسياسة مما يؤدي إلي التناقض في تطبيق أحكام الشريعة علي الواقع. استغلال الدين يشير الدكتور توفيق السديري . وكيل وزارة الشئون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. إلي أن التوغل في خدمة السياسة عن طريق الدين واستغلال الدين لأغراض سياسية أمر خطير وقذر يبتعد كل البعد عن صحيح الدين. حذر السديري من أي أشخاص أو جماعات أو منظمات تقحم السياسة في الدين لتحقيق أغراض شخصية ومصلحية مؤكدا أنه يحث الأئمة في خطبه دائما بالمملكة العربية السعودية علي تنحية السياسة جانبا والتركيز في خطبهم علي الأمور الدينية والوعظ ويعاقب من يخالف هذا الأمر. مرصد دائم أكد الدكتور إبراهيم الهدهد عضو مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية أن التوظيف السياسي للدين له عدة أسباب قد تكون مذهبية. أو نابعة من أحقاد من دخلوا الإسلام بلسانهم فقط وقلوبهم تضمر له الشر والعداوة. كما يعد الصراع علي السلطة من أسباب التوظيف السياسي للدين. ذلك الصراع الذي امتد ما يقرب من ألف وأربعمائة عام وسعي خلاله كل فريق لتوظيف النصوص الدينية لصالحه. أضاف : إن للتوظيف الديني عدة مظاهر منها وضع الأحاديث لنصرة السياسة مثل ما وضعه الرافضة في ذم معاوية "إذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه" وكذلك تأويل القرآن لخدمة السياسة فقد ورد أن سيدنا عمر بن الخطاب خلا بنفسه يوما يسأل : كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : يا أمير المؤمنين إنا أنزل علينا القرآن فقرأناه ونحن نعلم فيما أنزل. وإنه سيكون بعدنا أقواما يقرأون القرآن ولا يدرون فيما أنزل فيكون لهم فيه رأي. فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا.قيل فزجره عمر وانتهره فانصرف ابن عباس ونظر عمر فيما قال فعرفه فأرسل إليه فقال : أعد علي ما قلت فأعاده عليه فعرف عمر قوله وأعجبه . أشار الهدهد. إلي أن من مظاهر التوظيف السياسي للدين أيضا أن يقهر المعارضون إما بالنفي أو بالسجن أو بالقتال .كما تعد استمالة السلطة لدعم رأي ديني ضد آخر من مظاهر التوظيف السياسي للدين . استكمل قائلا : إن التوظيف السياسي للدين أدي إلي كثرة الحروب بين المسلمين وضعفهم مما يستوجب وجود مرصد دائم تتعاون فيه جميع المؤسسات الإسلامية في مصر : الأزهر بكل هيئاته. ودار الإفتاء والأوقاف لجمع الأفكار الفاسدة عن الدين وعرضها وتفنيدها بالحجة والبرهان والعقل والإقناع بلغات عالمية لتوضيح صورة الإسلام لدي العالم. الإسلام برئ رفض الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر . إلصاق أفعال الإرهابيين بمسألة التوظيف السياسي للدين قائلا إن الدين والسياسات المعتدلة مما يفعله هؤلاء المجرمون براء. مؤكدا أنه هذه الجماعات لا تنطلق من خلفيات دينية أصلا. بل إن لها أسبابا أخري معروفة أدَّت لظهورها وتلاقت مع مطامعَ استعمارية وعدو تاريخي يدعم هذه الجماعات وينصرها. ونحن نساعدها حين نعطيها غطاء دينيًّا. ونقول إنها تنطلق من منطلق ديني. لا للمزايدة أوضح الشيخ صبري إبراهيم. إمام وخطيب بأوقاف الجيزة. أن الدين الإسلامي يلفظ الجماعات التي تريد أن تحكم باسم الدين . لأن الدين يحكمنا جميعا ويهذب أخلاقنا ولاداعي للمزايدة باسم تطبيق الشريعة لأن رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم أسس مبادئ التعايش السلمي في المدينةالمنورة عندما هاجر إليها وبين أن كل فرد له حقوق وعليه واجبات وأن الكل يتعايش في إطار واحد هو مصلحة الدولة التي يعتبر الكل فيها سواء. وهذه هي المبادئ التي أسسها رسولنا الكريم وعاش عليها في حياته وتعيش عليها الأمة الإسلامية بعد مماته.