عبارة "اسع يا عبد وأنا أسعي معك" شائعة تجري علي الألسن في معرض الحث علي السعي لطلب الرزق. وقضاء المصالح. وإنجاز الأعمال. بهذه الكلمات بدأ القاريء كمال محمد جابر موظف محافظة القليوبية رسالته. ويسأل هل هذه العبارة حديث قدسي أو جزء من حديث قدسي؟ وهل لها ارتباط بالقرآن الكريم والسنة النبوية؟ وما مدي دلالتها؟ وماذا تعني؟ يقول الشيخ حمد جاد مدير أوقاف العبور إن الإنسان مأمور بالسعي في الأرض. وألا يقعد عن طلب الرزق. وقد وردت في هذا الشأن آيات قرآنية. وأحاديث نبوية. ومن ذلك قوله تعالي: "هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً. فامشوا في مناكبها. وكلوا من رزقه. وإليه النشور". قوله جل شأنه: "وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة. ولا تنس نصيبك من الدنيا" وقوله تعالي: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة". الأسباب والمسببات فالأمور لها أسباب ومسببات فالأخذ في الأسباب عمل الإنسان وكسبه ولذلك أمرت السنة بالسعي والكسب. ومنها.. قوله صلي الله عليه وسلم : "إن الله يحب العبد الصحيح الفارغ". وقوله صلي الله عليه وسلم : "من اكتسب قوته ولم يسأل الناس لم يعذبه الله تعالي يوم القيامة. ولو تعلمون ما أعلم من المسألة لما يسأل رجل شيئاً وهو يجد قوت يومه وليس عند الله أحب من عبد يأكل من كسب يده إن الله تعالي يبغض كل فارغ من أعمال الدنيا والآخرة. سعي الله مع العبد أما سعي الله مع العبد فتلك هي المسببات الناشئة عن الأخذ بالأسباب وذلك حقيقة التوكل علي الله بخلاف التواكل فذلك مرفوض من جانب الشرع. فالتوكل علي الله هو العمل المقارن للاعتقاد الصحيح أن الرزق كله بيد الله ومنه.. صدق الله العظيم إذ يقول: "ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون" وكان ذلك رداً علي المنافقين حين قالوا لبعضهم: "لا تنفقوا علي من عند رسول الله". فإذا أخذ العبد في الأسباب بالطرق المشروعة أوجد الله له المسببات فهو القاذل: "ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً" فإحسان الرزق تيسره وتسهيله وقوله صلي الله عليه وسلم : "والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس حتي تستكمل رزقها وأجلها". فاتقوا الله واجملوا في الطلب. كل هذه النصوص تؤكد أن الرزق مضمون وهو بيد الله وحده شريطة أن يباشر الإنسان العمل يباشر مهمة السعي حتي تلتقي الأسباب بالمسببات. فهو القائل في قصة ذي القرنين "إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً فاتبع سبباً" أي أن الله تعالي أراه الأشياء ومكن له فيها وأمره باتخاذ الأسباب فاتخذها حيث اتبعها وتفاعل معها وبالتالي تفاعلت معه الأشياء فأوجد الله له ما تشرئب نفسه إليه.. وهذا هو معني سعي الله مع العبد. ليس بحديث قدسي ويقول الشيخ محمد سلامة المدير العام بأوقاف القليوبية وكبير الأئمة: علي الرغم من أنها ليست بحديث قدسي فإنها تنبع من داخل فطرة الإنسان السوي المحب لعمل. وهي تدلنا أيضاً علي الحركة الدائبة في العملية النتاجية.. والسعي له عدة دلالات.. دلالة عبقرية. دلالة تشريعية. ودلالة اجتماعية وفكرية واقتصادية. وننظر إلي كلمة "السعي" في القرآن الكريم عند قوله تعالي: "إن سعيكم لشتي" أي أن عملكم مختلف باختلاف الأشخاص والنفوس والأعمال التي تقع من الإنسان سواء كانت هذه الأعمال صالحة مبنية علي الطاعة والتقوي والصدق. أو كانت هذه الأعمال فاسدة مبنية علي البخل والغفلة عن الله عز وجل والكذب والتدليس فكله سعي. لا أن ضمير الإنسان هو المسئول مسئولية تامة عن مفهوم السعي إذا كان مفهوماً مستقيماً أو مفهوماً منحرفاً ملتوياً. السعي الحسن ويستكمل حديثة: القرآن الكريم يظهر هذين الأمرين السعي الحسن والسعي السييء ما من ناحية السعي الحسن وهو الذي يتعلق بالعقيدة أيما تعلق ويعكس علي أفعال تؤدي إلي نماء المجتمع وجعله محققاً كل تقدم وذلك يتضح من خلال آيتين أولاهما في سورة الإسراء في قوله تعالي: "ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً" وآية أخري تبين لنا أن السعي ليس مقصوراً أو حكراً علي الأشخاص الأقوياء. بل إن ضعاف البنية يقومون به. لأنهم أقوياء القلوب انظر إلي قصة عبد الله بن أم مكتوم الذي أراد العلم والمعرفة "معرفة الآيات" فجاء رسول الله ساعياً. والقرآن الكريم يعبر عن هذا الموقف فيقول جل شأنه: "وأما من جاءك يسعي وهو يخشي".. من خلال هاتين الآيتين نري الدلالة واضحة وجزاءهما ماثل للناس في الأذهان. السعي وراء الإفساد وأما السعي الذي يدل علي الإفساد ويخفي وراءه جرائم الرشوة والسلبية والتواكل وعدم الاهتمام بالآخرين فيمثله قوله تعالي: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً" ومن خلال هاتين الآيتين يتبين لنا أن في السعي دماراً وتخريباً للمجتمعات.