بادر المستشرقون فى سلب خصوصية الإسلام وانفراده المتميز المتمثل فى القرآن الكريم، وادعوا أنه دين ملفق من كتب سماوية وعقائد دنيوية سابقة. ولنا أن نسأل هل كان معاصرو النبى محمد صلى الله عليه وسلم ومعارضوه فى غفلة عن هذا وقت بزوغ فجر الإسلام؟ . بالطبع كان هؤلاء موجودين، ولكن لم يستطع أحد منهم أن يذكر قرينة واحدة على قولهم هذا، بل لهم نقول إن الإسلام جاء بتعاليم ومبادئ وقوانين لم تشملها الكتب السماوية السابقة، بل الإضافة إلى ما تمتع به القرآن الكريم من مزية فريدة اختص بها وهى الإخبار عن الأمم السابقة، والحديث عن أمور غيبية حدثت بعد ذلك. ولم يجد مستشرقو العصر الحديث من شبهات يلصقونها بالإسلام فادعوا كذباً بأن الإسلام عقيدة تدعو إلى التواكل والسطحية واللامبالاة تجاه المتغيرات الحياتية والمجتمعية، ومن يقرأ القرآن الكريم ويتدبر معانيه وآياته الحكيمة يتأكد أن الإسلام دين يحث على العمل، ويدفع الإنسان نحوه، والمطالع لآيات القرآن يدرك ويفطن الربط المستدام بين الإيمان والعمل، يقول الله تعالى : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}. والقرآن يحث المؤمنين على العمل حتى فى أوقات الراحة، وأقصد يوم الجمعة، فيقول الله تعالى فى ذلك : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله}. فأين هذا التواكل الذى يلصقه الملاحدة بالإسلام والمسلمين؟. والسنة النبوية لصاحبها صلى الله عليه وسلم تحث على العمل والسعى الدءوب غير المنقطع من أجل عمارة الأرض، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإذا استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل" . بل ونجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يضرب مثلاً أعلى فى الدعوة إلى العمل حيث رفض انقطاع الناس للعبادة فى المسجد واعتمادهم على غيرهم فى المأكل والمطعم والمشرب والملبس، وامتدح من يعمل ويكد من كسب يده بشرف وأمانة وتقوى ومراقبة من الله تبارك وتعالى. ولقد خلط أولئك المستشرقون بين التوكل الذى يعنى تدبر الأمور والأخذ بالأسباب والتزود بالطاقة الروحية والعبادة، وبين التواكل الذى يعنى الكسل وعدم الأخذ بالأسباب والوسائل المعينة. وكلنا يعرف كيف طرد الفاروق عمر بن الخطاب أولئك المتواكلين المنقطعين للعبادة فى المسجد معتمدين على غيرهم فى رعايتهم وقضاء شئونهم، وقال عبارته المشهورة : " إن السماء لا تمطر ذهباً"، واستشهد فى ذلك بحديث النبى صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه : " لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطانا ً". وليس هذا فحسب بل جعل الإسلام العمل المفيد من أسباب الثواب وزيادة الحسنات، وقد ورد فى القرآن الكريم العديد من الآيات التى تتعلق بهذه المعانى ومن ذلك قوله تبارك وتعالى : {هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} وقوله تعالى :{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِى الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} ، كما أن السنّة الشريفة تضمنت العديد من النصوص التى تحث على العمل والكسب الحلال مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفوراً له" . وتشير أصابع المستشرقين بالاتهام خفية وعلانية بأن الإسلام معاد حقيقى للمرأة، وأنه هضم حقها، وأغفل حقيقتها ودورها التاريخى قبل الإنسانى. والمجال غير متسع لعرض وضع المرأة قبل الإسلام، وما كان عليه النكاح من صور أكثر وحشية وهمجية واحتقاراً لها من نكاح استبضاع، إلى نكاح الرهط، مروراً بنكاح صواحبات الرايات، انتهاءً بنكاح الشغار والبدل والضغينة. ولا شك أن موقف المرأة كان صعباً فى ظل التصور الإسلامى لبعض الصحابة، ورغم ذلك شاركت النساء فى النضال اليومى للعيش والحياة الاجتماعية والاكتشاف اليومى لطبيعة الإسلام، فكن يعملن بالإضافة إلى اكتشاف أحكام القرآن والإسلام دون تمييز أو تهميش أو إلغاء، وهذا يدل على أن المرأة ليست هى العورة، بل إن العورة هى العورة، وهو ما فصله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فكانت المرأة تغزل وتنسج وتبيع ما تصنعه وسط مرأى ومسمع الجميع، وهذا يؤكد طبيعة المجتمع المدنى الذى لا يميز أى فرد عن بقية أعضائه. ولو أن الإسلام قد قوض مكانة المرأة، وسعى إلى تغييبها حضارياً لما سمعنا أسماءً بعينها من نساء الإسلام الصالحات، كالسيدة خديجة، والسيدة صفية، والسيدة فاطمة، وزينب بنت جحش، وأم أيوب الأنصارى، وجهيزة، وأم حكيم، وغيرهن كثيرات. ولابد أن نقر حقيقة تاريخية وهى أن الإسلام أنصف المرأة الإنصاف كله، وأزال عنها ما لحقها من ظلم، وحررها من العبودية واستغلال جسدها، ورفع مكانتها وأعلى منزلتها، فى الوقت الذى لم يعترف الغرب بحقوق المرأة إلا فى القرن التاسع عشر بعد جهاد طويل. وعجيب جداً أمر هؤلاء الذين يقصرون حقوق المرأة فى حجاب رأسها، وارتدائها للبنطال، ومشاركتها العمل وسط الرجال، وذهابها إلى صلاة التراويح، وغيرها من القضايا الجدلية لصرف الأنظار عن سماحة الإسلام وإتاحة الحرية للمرأة فى معاملات البيع والشراء، والاحتفاظ بمالها، وقد أجاز لها حق التملك، وساوى بينها وبين الرجل. والله تعالى يقول فى ذلك: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فألئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}.