وصف القرآن الكريم والسنة النبوية المسلم بالعطاء والإنفاق والسعي في أبواب البر. وشأن المعطي دائماً أن يكون عزيز النفس قوي الجانب نشيط الحركة والسعي. قال تعالي "يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث" سورة البقرة الآية "267". وفي السنة قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" لحكيم بن حزام عندما سأله مالا فأعطاه ثم سأله فأعطاه إلي أن قال له "صلي الله عليه وسلم" "هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه. ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه. وكان كالذي يأكل ولا يشبع. واليد العليا خير من اليد السفلي". ولأجل أن يكون المسلم دائما كما يريده الإسلام معطاء. فلابد من أن يستفيد من نعم الله في الكون فيعمل ولا يركن إلي الكسل ما دام صحيحاً قادراً علي البذل والعطاء. وإلي هذا يشير قول الله تعالي "انفقوا من طيبات ما كسبتم" والكسب الطيب هو ثمرة العمل الطيب. وثمرة السعي والحركة ولذلك وجه الإسلام اتباعه إلي العمل والاستفادة من نعم الله. فعن أنس "رضي الله عنه" أن رجلاً من الأنصار أتي النبي- "صلي الله عليه وسلم" فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلي جلس نلبس بعضه ونبسط بعضه. وقعب نشرب فيه الماء. قال ائتني بهما. فأخذهما رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وقال من يشتري هذين؟ قال رجل أنا آخذهما بدرهم. قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" من يزيد؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما أياه. وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلي أهلك. واشتر بالآخر قدوما فائتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله "صلي الله عليه وسلم" عودا بيده ثم قال: اذهب فاحتطب وبع. ولا أرينك خمسة عشر يوماً. ففعل فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة". "رواه الترمذي وغيره وقال حديث حسن" وهذا الحديث يكشف عن عدة أمور. 1- دور الدولة في توجيه الطاقات البشرية إلي العمل والإنتاج. 02 بيان أن المسلم لا يقعد عن العمل بأية حال إلا لضرورة مرضية حيث إن العمل سيؤدي إلي استثمار النعم الكونية ومن ثم يدر عليه ربحا ودخلا وفيرا يجعل الانسان قادرا علي الإنفاق والعطاء. 3- توجيه النظر إلي الاستفادة من نعم الله تكشف الدراسة في آيات القرآن عن مفردات توجب الاستفادة من النعم الكونية. وتفرض علي المسلم تنمية هذه النعم لتصبح مورداً ثرياً يحقق رغبات العيش والرفاهية قال تعالي "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" سورة البقرة "172". جاء الأكل في الآية في صيغة الأمر "كلوا" والأمر المطلق من الله تعالي يحمل علي الوجوب ولا توجد قرينة تصرفه إلي غير ذلك بل إن هناك ما يؤكد حقيقته وهو تقييد الأكل بالطيب والطيب هو الحلال أو المستلذ ومن ثم فيجب شرعا الاستفادة من هذه الطيبات. ومعني الرزق في الآية كما عرفه القرطبي هو كل ما له خاصية النفع مادياً كان أو معنوياً وعلي هذا التعريف فإن الرزق يتناول ضمن ما يتناول مختلف أنواع السلع والنعم الكونية من زرع ونبات وحيوان وطاقة ومعادن وغيرها إذ أنها تحقق للإنسان النفع والفائدة ومن هنا كان الواجب علي المسلم أن يضرب في الأرض بحثا عن الرزق الحلال وذلك حتي يتحقق النفع فاستثمار النعم الكونية إذن واجب شرعا فإذا ما كشف الإنسان عن نعمة جديدة ونفع جديد توجه بالشكر لله عز وجل الذي وهبه النعمة والذي جاءت الاشارة إليه في الآية السابقة "واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" والشكرك علي النعمة كما قال العلماء هو "صرف هذه النعمة فيما خلقت له". وما خلقت النعم الكونية إلا لحفظ حياتنا أفراداً وجماعات خاصة وعامة والاستعانة بها علي حفظ حياتنا الروحية التي تكمل بها الأنفس وتأهيلها لحياة الآخرة الأبدية. وحيث إن كل شيء خلق لهدف معين فإن توجيه الشيء للهدف الذي خلق من أجله يعتبر شكراً لله علي هذا الشيء ومعني هذا ان الشكر ليس كلمة تقال وإنما هو سلوك فعلي يتبع ويظهر أثره الاقتصادي في حياة الناس وإذن فإن الاستفادة من نعم الكون الظاهرة والباطنة أمر حتمي وواجب ديني. ولعل مما يؤكد هذا الواجب كذلك قول الرسول "صلي الله عليه وسلم" "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة "أي نبته زرع" فإن استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليغرسها" وقوله "صلي الله عليه وسلم" حين مر علي شاة ميتة ملقاة فسألهم عن سبب إلقائها وعدم الاستفادة منها فقالوا إنها ميتة فقال "إنما حرم أكلها هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" "رواه البخاري" وفي ذلك توجيه وحث علي الانتفاع بالنعم الكونية ولو كانت شيئا قليلا تافها ودفع إلي العمل والاجتهاد في استثمار النعم الكونية والتي بإهمالها وتلاشيها يأثم الإنسان ويقع في الكفران. هذه حقيقة كشف عنها القرآن الكريم وهي أن كفران النعم بعدم الكشف عنها وعدم استخدامها واستثمارها هو سبب الجوع والخوف والفقر العام وأن شكر النعم يؤدي إلي الرفاهية والتقدم والخير العام قال تعالي "ألم تر إلي الذين بدلوا نعمة الله كفرا. وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار""سورة إبراهيم 28 . 29" وقال تعالي "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" "سورة النحل 112".