ما أسهل أن ترمي بريئاً بهتاناً وزوراً بما ليس فيه.. وما أصعب وقع هذا البهتان علي نفس البرئ المفتري عليه. لذا فإن الله سبحانه وتعالي غلظ عقوبة البهتان والافتراء ونهي عنهما في صريح محكم آيات القرآن الكريم في سورة الممتحنة قال تعالي: ¢يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَي أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَولادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَاني يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفي فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورى رَحِيمى¢. وكأن الله يريد أن يلفتنا إلي أن غالب الافتراء والبهتان من فعل النساء ولذا أنزل قرآنا في بيعة النساء للدخول في الإسلام وضمّن هذه البيعة ألا يأتين ببهتان يفترينه . وصارت بيعة النساء التي وردت في القرآن الكريم نموذجا احتذاه الرسول في بيعة الرجال أيضاً. فعن عبادة بن الصّامت -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه: ¢بايعوني علي أن لا تشركوا باللّه شيئا. ولا تسرقوا. ولا تزنوا. ولا تقتلوا أولادكم. ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم. ولا تعصوا في معروف. فمن وفي منكم فأجره علي اللّه. ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له. ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره اللّه فهو إلي اللّه. إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه¢. فبايعناه علي ذلك."رواه البخاري". وقال تعالي في سورة الأحزاب: ¢والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا¢. والبهتان أعظم عند الله من الغيبة.. فعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه وسلّم - قال: ¢أتدرون ما الغيبة؟¢ قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: ¢ذكرك أخاك بما يكره¢ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: ¢إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه. فقد بهتّه¢."رواه مسلم". وبين النبي صلي الله عليه وسلم شدة حال هؤلاء الذين يرمون الناس بالباطل يوم القيامة فقال: ¢..ومن رمي مسلما بشيء يريد شينه "أي عيبه وذمّه" به حبسه اللّه علي جسر جهنّم حتّي يخرج ممّا قال¢ "رواه أبو داود". وحتي تكتمل الفائدة فسوف أذكر معني البهتان كما أورده أهل العلم: تدور معاني البهتان في اللغة حول الكذب والافتراء والباطل. أما البهتان في الاصطلاح فهو: الكذب والافتراء الباطل الّذي يتحيّر منه. وقال المناويّ: البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته. وسمّي بذلك لأنّه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته. ثمّ ينكشف عند التّأمّل. وقال الكفويّ: البهتان: هو الكذب الّذي يبهت سامعه أي يدهش له ويتحيّر. وهو أفحش من الكذب. وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء. وهناك فرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك وإن كانت تتقارب معاني هذه الألفاظ. غير أنّها عند التّدقيق نجد أنها ممّا تختلف دلالته وتتفاوت. فالاغتياب هو أن يتكلّم شخص خلف إنسان مستور. بكلام هو فيه. وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بهتان. والكذب الفاحش الّذي يدهش له سامعه هو بهتان إن لم يكن بحضرة المقول فيه. فإن كان بحضرته كان افتراء. سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكا. بعد هذا البيان الوافي.. من منا يجرؤ علي اقتراف هذا الإثم المبين؟.. ومن منا يتصور أن يصدر شئ من هذا ممن يرتدون عباءات الإسلام ويتمسحون في مظاهر التدين ويدّعون أنهم من أهل القرآن؟ لسنا في حاجة إلي التصور.. لأن الواقع يشهد بأن البهتان حاصل علي أعلي مستوي. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعصمنا وإياكم - حكاماً ومحكومين - من هذه الرذيلة الفاحشة. فلا نفتري ولا نبهت أحداً.. ولا يبهتنا أو يفتري علينا أحد.