في زمن الفرقة والبهتان الكل جبان. وقليل من يصدح بالحق وينأي عن الهذيان. فالأمة بسبب الفرقة والاختلاف والتنازع والشقاق. وقعت بين حجرين الراحة. أو بين فكين الأسد. ففريق وقع في التكفير والآخر قام بالتدمير. وقالوا هذا من باب التعبير. والأمر جد خطير. فمن قال إن حرية التعبير تكون بالاعتداء علي الناس. واستباحة الدماء. وانتهاك الأعراض. وسلب الأموال العامة والخاصة. وحرق المساكن والمركبات. وتخريب المنشآت. والتحريض علي الفوضي ونشر الفساد. وهذه الأعمال محرمة شرعاً بإجماع العلماء لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة - مسلمين وغير مسلمين - وهتك لحرمات الأموال والأمن والاستقرار. وهتك للمصالح العامة التي لا غني للناس في حياتهم عنها. ومن قال إن من لم يكن معنا يكن ضدنا؟ ومن يخالفنا في الفكر والتعبير حتي ولو كان مخطئاً يكون كافراً؟ فلابد للعلماء المخلصين أزهريين وغير أزهريين من وقفة حاسمة ضد الفريقين. وبيان الفكر الصحيح للناس. وتحرير المصطلحات التي حدث فيها التباس. وشرح وسطية الإسلام. وترسيخ مبدأ أن الاختلاف لا يفسد للود قضية. ولا يكفر العباد ولا يحرق البلاد. وللخروج من فتنة التكفير والتدمير التي تعم البلاد. لابد من المصارحة والمكاشفة. ووضع الأمور في نصابها. وإخلاص النية. وتقديم مصلحة الأمة. علي المصالح الشخصية. واعتبار المناصب القيادية أمر تكليف لا أمر تشريف. فكل قيادي في الأمة قد استرعاه الله في رعيته. سيسأل يوم القيامة عم استرعاه أحفظه أم ضيعه. فمتي نتوقف عن الجدال والكلام ونولي وجهنا وسواعدنا شطر البناء والتشييد؟ وإن اختلفت الأهواء والآمال والأحلام. فمصلحة الوطن فوق كل الآلام. فمتي نخرج من جب التخوين والتكفير والتدمير. ونصبح يد واحدة في وجه تحديات العصر التي لا تعد ولا تحصي. ويكون نُصب أعيننا مستقبل البلاد والعباد. والبحث عن علاج لكل الأزمات التي أثقلت كهل الناس من أزمة الخبز والغاز والجاز والبنزين وتوفير سلع التموين. غير أزمة الطرق والمواصلات. والعلاج علي نفقة الدولة والتأمين الصحي. وأزمة التعليم. وأزمة الأمن. وأزمة الأخلاق؟ فمتي نتعلم فقه الأولويات؟ ولمعرفة حجم المأساة التي نعيشها الآن ونصحاً لله ولعباده وإبراء للذمة وإزالة البس في المفاهيم لدي من اشتبه عليهم الأمر فوقعوا في التكفير أو التدمير أقول وأفوض أمري إلي الله: أولاً: التكفير حكم شرعي. مرده إلي الله ورسوله. فكما أن التحليل والتحريم مرده إلي الله ورسوله فهما سواء. وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل يكون كفراً مخرجاً من الملة. فلم يجز الإسلام تكفير أحد إلا من دل الكتاب والسنة علي كفره دلالة واضحة تنافي الجهالة. فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة أو الظن. لما يترتب علي ذلك من الأمور الخطيرة علي من حكم عليه بالكفر. كاستحلال دمه وماله. ومنعه من التوارث. وفسخ عقد النكاح. وغير ذلك الأمور المترتبة علي الردة. فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم علي تكفير غيره للشبهة أو الظن؟ وإذا كان الإسلام قنن لنا قانون: "الحدود تدرأ بالشبهات" مع أن ما يترتب علي الحدود أقل مما يترتب علي التكفير. من هنا فالتكفير أولي أن يُدرأ بالشبهات. ولقد حذر النبي "صلي الله عليه وسلم" من الحكم بالكفر علي شخص ليس بكافر فقال: "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. إلا أن يكون كما قال. وإلا رجعت عليه" "مسلم". وقال تعالي: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَي اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" "الأعراف : 33". ثانياً: التدمير والتخريب فعل الغوغاء: وهو العدوان والاعتداء علي المجتمع أفراد ومؤسسات. وهي الأفعال التي يجب التحرز منه شرعاً وطبعاً. ويستحق العقوبة مرتكبيها - أي تنفذ حد الحرابة في القائمين بالتدمير- لأنهم يسعون في الأرض الفساد والخراب ويهدمون دولة القانون ويقيمون دولة الغابة والبلطجة. ولقد حفظ الإسلام للناس جميعاً حياتهم وأموالهم وأعراضهم ومساكنهم وسُبل معايشهم وغدوهم ورواحهم. شدد علي حرمة انتهاكها. ومن المعلوم أن شريعة الإسلام جاءت بحفظ الضروريات الخمس حرمت الاعتداء عليها وهي: "الدين والنفس والمال والعرض والعقل". فقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": في خطبة الوداع: "إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". ومن الأنفس المعصومة في الإسلام: أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين. فعن رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة. وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" "البخاري". ثم ليعلم الجميع أننا اليوم نعاني من مشكلات وأزمات وصعوبات كبيرة للغاية. وأن أعدائنا يتربصون بنا من كل جانب فلا تشمتوا بنا الأعداء. ولا تفتحوا أمامهم الباب بالذرائع التي تبرر لهم التسلط علي الإسلام وأهله وإذلالهم أكثر مما هم فيه من ذل وهوان بسبب انقسامهم وتنازعهم فذهبت ريحهم - قال الطبري: ريحهم أي دولتهم - فمن أعانهم في تحقيق مقصدهم فهو معهم في خندق واحد. لأنه فتح علي المسلمين وبلادهم ثغراً لا يغلق شره ولا يوقف ضرره وهذا من أعظم الجرم. وقي الله مصر وأهلها وجميع البلاد الإسلامية فتنة التكفير والتخريب والتدمير ووقاها كيد الأعداء وفجر الفجار ما تعاقب الليل والنهار.