ليس بجديد علىَّ أن يرمينى أحدهم بالكفر، فقد واجهت الاتهام بالكُفر فى العامين الأخيرين مراراً سواء بالتعريض أو بشكل مباشر، حتى أصبح "التكفير" هو السلاح الموجه إلى صدرى ليصيبنى فور إتيان أية حركة لا تنال رضا من نصبوا أنفسهم حاملين للوائه. وأذكر أن أحد أصحاب المهن اليدوية كان يقوم عندى ببعض الأعمال، وبعد أول مرة ذهب فيها للاعتصام فى إشاره رابعة فوجئت به يتصل هاتفياً ويبلغنى بأنه لن يسمح لنفسه بالحصول على أي مقابل منى، ودعانى صراحة للاستقالة من عملى لأن الأموال التى أتلقاها من الأهرام "أموال حرام" فهى من جريدة كافرة تتبع الحكومة الكافرة -هكذا قال- وهو لن يلوث نفسه بهذه الأموال، ثم تنازل –ولا أعلم من أقنعه بذلك- وقال إنه سيأخذ مقابل "تعبه" فقط. شخص آخر كان فى السابق قد اتهمنى ب"الإرجاء" لأنى رفضت تكفيره للرئيس الأسبق حسنى مبارك، ونالنى منه الكثير عندما رفضت تكفيره للمستشار عدلى منصور، مع العلم أنه لم يأت بدليل شرعى واحد على هذا التكفير، إنما هو كلام حفظه من اثنين من التكفيريين المعروفين وهما محمد (...) وفوزى (...)"حُرقوصَىْ العصر الحديث" ويردده كالببغاوات دون أن يفهمه. وأعترف أنى واجهت هذا الأسبوع أقسى اتهام بالتكفير، ففى كل مرة كنت ألحظ "جهل" من يرمينى به، أما هذه المرة فقد أتانى من شخص لا أحسبه من الجاهلين، بل هو يدرك تماماً معنى كل كلمة يقولها، فقد كنا نتناقش فى أمر أحداث 28 نوفمبر، وكان متحمساً جداً للنزول، بينما رفضته أنا جملة وتفصيلاً، وفجأة وجدته يصرخ فى وجهى: "يا أخى.. افعل شيئاً تثبت به أنك مسلم".. والحقيقة أنى لم أعرف أبداً أن التظاهر من أركان الإسلام، ولم أقرأ نصاً أو أثراً يفرض على المسلم ان يخرج للتظاهر ومواجهة أخيه المسلم سواء بالسلاح أو بدون سلاح لكى يثبت أنه مسلم، بل لقد فشلوا منذ البداية فى إثبات أن خروجهم على الحاكم "المسلم الظالم" من الشرع فلجأوا إلى رفع سلاح التكفير، فكفروا الحاكم ليوفروا لأفعالهم الغطاء الدينى للجهاد المزعوم الذى هو سنة اليهودى ابن سبأ لا رحمه الله. وأنا هنا لا أعمم كلامى على كل من يشارك فى الأحداث، فأنا أعلم أن معظمهم مدفوع بحمية خادعة نابعة من كلام شيوخ الضلالة، ولو تحلوا ببعض الموضوعية وراجعوا الآثار التى يستشهد بها هؤلاء الشيوخ لعلموا أن الشئ الوحيد الذى يجعلهم يتبعونهم هو الجهل.. ولكنى أتحدث عن أقوام منهم تربوا على هذا الفكر العفن، هؤلاء ستشعر وأنت تتعامل معهم بأن التكفير عندهم مجرد سلعة رائجة تُباع بالكيلو فى أى سوق، ويمكن لأى شخص أن يُلقيها على أى إنسان ليصبح فى نظرهم كافراً مرتداً.. إن التكفير حكم شرعى مرده لله ولرسوله، فلا عبرة لقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته فى العلم والدلالة إذا لم يكن لقوله دليل صحيح صريح من كتاب الله وسنة رسوله. وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل يكون كُفراً أكبر مُخرجأ عن الملة، ولا يجوز أن نُكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفى فى ذلك مجرد الشبهة والظن لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، فإذا كانت الحدود تُدرأ بالشبهات مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يُدرأ بالشبهات، ولذلك فقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من الحُكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال فى الحديث المتفق عليه: "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ, فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ, وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ".. وقد يرد فى الكتاب والسنة ما يُفهم منه أن هذا القول أو الفعل أو الاعتقاد كفر، ولكن لا يُكفَّر من اتصف به لوجود مانع يمنع من كفره، وهذا الحكم كغيره من الأحكام التى لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها. والتسرع فى التكفير يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال ومنع التوارث وفسخ النكاح، وغير ذلك مما يترتب على الردة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه بأدنى شبهة. نصيحة لكم.. تعلموا قبل أن تتكلموا، وأحيلكم إلى باب "شروط تكفير المعين" وإلى شئ تجهلونه اسمه إقامة الحجة وتوفر الشروط وانتفاء الموانع.. تعلموا.. واتقوا الله فى المسلمين. لمزيد من مقالات عماد عبد الراضى