اللهم اجعل مكان اللوعة سلوة. وجزاء الحزن صبرًا. وعند الخوف أمنًا. اللهم أبرد لاعج القلب بثلج اليقين. وأطفئ جمر الأرواح بماء الإيمان. "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابي من قبلِ أن نَبرأَها" "سورة الحديد: 22" جفَّ القلم. رفعت الصحف. قضي الأمر. وليس أمامنا نحن المفجوعين في وفاة خادم الحرمين الشريفين إلا أن نحتسبهُ عند الله. ونظل نتلمس أعماله النبيلة في خدمة الإسلام والمسلمين تخليدًا لذكراه. رحم الله فقيد الأمة الإسلامية. وإذا تطرق الفكر إلي مسيرة العظماء. وقد كان الفقيد واحدًا منهم » فإنَّ القلم يعجز لما في تلك السيرة العطرة من مواقف ومنعطفات إنسانية ووطنية. فمن أين يمكن لراصد أن يبدأ ؟. ومن أين يمكنه أن ينتهي؟. تلك حياة زاخرة بالإعجاب. مليئة بالفضائل والحسنات. مرصعة بالأوسمة. مضمخة بحب الناس وفاءً وإخلاصًا وعملا . لقد ظل الراحل طول عمره متواضعًا حانيًا رحيمًا ودودًا. كما كان له الفضل بعد الله - عز وجل - في كثير من الأعمال التي تخدم المسلمين وعلي رأسها توسعة الحرمين الشريفين. وإنشاء مركز حوار الأديان. وأعمال أخري خيرية تشد من أزر المحتاجين من المسلمين. وكانت يده ممدودة للقاصي والداني دون تفريق بين جنس وآخر. فشملت أعماله الدول الإسلامية الفقيرة والنامية في مجالات عدة من إنشاء مساجد. وإتاحة فرصة التعليم للطلاب المسلمين. والمياه. وربما أحيانا الصحة . لقد ظلَّ رحمه الله منافحًا ومدافعًا عن الإسلام والمسلمين. ومحاولة رفع إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام. عن طريق إعلانه في مبادرة حميدة وتاريخية. إلي إنشاءِ مركزي دوليّي يتبع الأممالمتحدة لمحاربة الإرهاب سنة 2005م. خلال المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته الرياض. ونوّه بأن المملكة تتبرع للمركز بمبلغ 100مليون دولار. وناشد كل الأمم الأخري في المشاركة في دعمه إلا أنه شهد تراخيًا في تفعيله الجاد. وهذه المبادرة جاءت في الوقت المناسب » لأنه كان يريد أن يحمي بها الشعوب العربية والإسلامية بأسرهَا. بعد ما أصبح الإرهاب يمثّل خطرًا كبيرًا عليها وعلي الإسلام نفسه بتشويه صورته أمام الغرب والعالم. وتكمن أهمية هذه المبادرة في أنها تسعي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وتجنبها شر الفتن والاقتتال والحروب الطائفية والأهليّة. كان رحمه الله حكيم العرب حقًّا له بُعد نظر. وحكمة نادرة جدًّا» ولذلك فإن الأمور كانت واضحة أمامه. ويري بعين بصيرةي أنّ منطقة الشرق الأوسط قد وقعت في براثن الإرهاب الذي يعيثُ في الأرض فسادًا ويدمّر الدول ويهدد حياة الشُّعوب. كما أنّ الملك عبدالله رحمه الله بدعوته لمكافحة الإرهاب كان يحذر الدول الغربية وخاصة أوروبا وأمريكا من هذا الخطر المحدق بالعالم كله. وهو الإرهاب الذي لا يعرف دين ولا دولة ويتخطي الحدود لتنفيذ أغراضه وأهدافه المريضة. وكنّا نودّ أن تلقي دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وجهوده الكبيرة في مكافحة الإرهاب الصدي والاهتمام العالمي لمواجهة هذا الخطر المحدق بالعالم كله. وأنْ يتحمّل الجميع قادة ومسئولين وعلماء ومفكرين لهذهِ الأمّة العربية مسئولياتهم من أجل بناء أمّة جديدة قادرة علي العملِ والإبداعِ والتقدم والنّهوض والازدهار واللحاق بركب الدول المتقدمة. ولم تقتصر مبادرة الملك عبدالله رحمه الله علي وقف الإرهاب العالمي. وإنما ركّز علي ضرورة وقف إرهاب الدول الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الِشعب الفلسطيني. وخاصة عدوانها الآثم الذي أسفر عن قتل ما يقرب من ألفي فلسطيني وإصابة الآلاف وتدمير المنازل والمستشفيات والبني التحتية. وهي مبادرة كريمة من خادم الحرمين الذي كان يسعي دائمًا لخدمة قضايا وطنه والأمّة العربية والإسلامية وفي القلب منها القضية الفلسطينية. ويعرف الجميع أن الكيان الصهيوني نشأ من باطن الإرهاب ويقوم علي القتل والدمار والإرهاب ضد العرب والمسلمين لذلك وجب علي العالم أن يتبني موقفا صادقًا وجادًّا تجاه هذا الإرهاب الذي لا يقل خطورة عن إرهاب الجماعات المتشددة. وقال رحمه الله: "نري دماء أشقائنا في فلسطين تسفك في مجازر جماعية. لم تستثن أحدا. وجرائم حرب ضد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي. حتي أصبح للإرهاب أشكال مختلفة. سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول وهي الأخطر بإمكانياتها ونواياها ومكائدها" . لقد كان الملك عبدالله رحمه الله يقف دائمًا مواقف بطولية مشرّفة في مساندة جميع دول العالم. وخاصة العربية والإسلامية في الأخطار التي تحدق بها وخاصة خطر الإرهاب العابر للحدود والأوطان. ودعا الملك عبدالله رحمه الله إلي الوقوف في وجه ¢من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف والكراهية والإرهاب ¢محذرا من فتنة¢ وجدت لها أرضا خصبة في عالمينا العربي والإسلامي. وسهل لها المغرضون الحاقدون علي أمتنا كل أمر. حتي توهمت بأنه اشتد عودها. وقويت شوكتها. فأخذت تعيث في الأرض إرهابًا وفسادًا. وأوغلت في الباطل ¢ » ولأن الإرهابيين. ¢ شوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته. وألصقوا به كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم. وطغيانهم. وإجرامهم¢ . وأظنّ أن هذه الكلمات تؤكّد بعد نظر وحكمة خادم الحرمين الملك عبدالله رحمه الله الذي كان يسعي إلي مكافحة الإرهاب بكل السبل والجهود سواء الرسمية أو القوة الشعبية والوطنية إضافة إلي العمل علي استنهاض الفكر البشري المستنير ونشر الدين الإسلامي الوسطي السمح لمجابهة هذه الأفكار المتشددة والمتحجرة التي تدفع بنا إلي براثن الإرهاب الأسود. والإرهاب لا يتماشي مع الأخلاق أو القيم الإسلامية وقيم الديانات الأخري. مشيراً إلي أن الدين الإسلامي بريء مما يقوم به الإرهابيون» فقتل الأبرياء غير مقبول. ويرفضه العالم الإسلامي. وللأسف الشديد فنحن كعرب ومسلمين نعاني من أن صورة الدين الإسلامي في العالم كله أصبحت صورة سلبية مهزوزة للغاية لا تتطابق مع صحيح الدين الوسطي السمح. كما أن الممارسات التي تقوم بها بعض الجماعات المنتسبة زورًا للدين من التطرف والإرهاب كداعش وغيرها أعطي فرصة كبيرة لوسائل الإعلام المختلفة سواء أجنبية أو عربية لتسيء للإسلام وتصفه بالإرهاب وهذا علي غير الحقيقية. وقد قدّر الله عز وجلّ لكاتب المقال أن يشارك في14 نوفمبر 2014 م ببحث عن الإرهاب الإلكتروني في مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة وحوار الحضارات بجامعة الإمام بالرياض. وهو أحد المراكز والكراسي العلمية التي أنشأها الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في الجامعات السعودية لمكافحة الإرهاب وخطره. وطرق مكافحته . تغمد الله خادم الحرمين الشريفين برحمته وأسكنه فسيح جناته.