* يسأل سامي حامد سعيد من المنصورة: ما حكم الشرع في مسألة تحديد النسل؟ ** يجيب الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق: إن مصدر الأحكام في الإسلام أصلان أساسيان. هما: القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. يدل علي هذا قول الرسول صلي الله عليه وسلم "تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتي يردا علي الحوض" أخرجه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه وباستقراء آيات القرآن الكريم نري أنه لم يرد فيها نص صريح يحرم الإقلال من النسل أو منعه وإنما جاء فيه ما جعل المحافظة علي النسل من المقاصد الضرورية للأحكام الشرعية لكن ورد في كتاب السنة الشريفة أحاديث في الصحيح وغيره تجيز العزل عن النساء بمنعني أن يقذف ماءه خارج مكان التناسل من زوجته بعد كمال اتصالهما جنسياً وقبل تمامه. من هذه الأحادي ما رواه جابر قال "كنا نعزل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم والقرآن ينزل" متفق عليه وروي مسلم "كنا نعزل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا". وقد اختلف الفقهاء في إباحة العزل بذلك المعني كوسيلة لمنع الحمل والإقلال من النسل أو كراهيته وفي هذا يقول الإمام الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين في آداب النكح في حكم العزل ما موجزه: إن العلماء اختلفوا في إباح العزل وكراهيته علي أربعة أقوال: فمنهم من أباح العزل بكل حال. ومنهم من حرمة بكل حال. وقائل منهم أحل ذلك برضاء الزوجة ولا يحل بدون رضائها وآخر يقول: إن العزل مباح في الإماء "المملوكات" دون الحرائر "الزوجات" ثم قال الغزالي: إن الصحيح عندنا يعني مذهب الشافعي أن ذلك مباح. ويكاد فقهاء المذاهب يتفقون علي أن العزل أي محاولة منع التقاء مني الزوج بويضة الزوجة مباح في حالة اتفاق الزوجين علي ذلك ولا يجوز لأحدهما دون موافقة والدليل علي هذه الإباحة ما جاء في كتب السنة من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعزلون عن نسائهم وجواريهم في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وإن ذلك بلغه ولم ينه عنه كما جاءوا رواية مسلم عن جابر. إذا كان ذلك: كانت إباحة تنظيم النسل أمراً لا تأباه نصوص السنة الشريفة قياساً علي العزل الذي كان معمولاً به وجائزاً في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كما جاء في رواية الإمام مسلم في صحيحه عن جابر قال "كنا نعزل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم والقرآن ينزل" كما جاء في صحيحه الإمام البخاري في صحيحه والمقصود بتنظيم النسل بهذا المفهول هو المباعدة بين فترات الحمل محافظة علي صحة الأم وحفظاً لها من أضرار كثرة الحمل والولادة المتتالية أو لتفرغها لتربية من لديه من أولاد بل وكما جاء في إحياء علوم الدين للغزالي ونيل الاوطار للشوكاني: إن من الأمور التي تحمل علي العزل الإشفاق علي الولد الرضيع خشية الحمل مدة الرضاع أو الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الاصل أما إذا قصد من منع الحمل وقف الصلاحية للإنجاب نهائياً فإن ذلك أمر يتنافي مع دعوة الإسلام ومقاصده في المحافظة علي إنسان الإنسان إلي ما شاء الله وقول الله سبحانه وتعالي ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم" "الإسراء الآية: 31" لا يتنافي مع ما قال به جمهور فقهاء المسلمين من إباح العزل عن الزوجة قصداً لتأخير الحمل. أو وقفه مؤقتاً لعذر من الأعذار المقبولة شرعاً ذلك أن هذه الآية جاءت في النهي عن قتل الأولاد ومنع حدوث الحمل بمنع التلقيح الذي هو النواة الأولي في تكوين الجنين لا يعد قتلاً لأن الجنين لم يتكون بعد إذا ما تم العزل ولم يلتق مني الزوج ببويضة الزوجة إذا لم يتخلفا ولم يمرا بمراحل التخلق التي جاءت والله أعلم في قوله تعالي "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفه في قرار مكين" "المؤمنون الآيتان: 12. 13"وينهانا حديث الرسول صلي الله عليه وسلم عن عبدالله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة أو أربعين ليلة ثم يكون علقة مثله. ثم يكون مضغة مثله. ثم يبعث الله إليه الملك. فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله. وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتي لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبه عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها أخرجه البخاري في مواضع من صحيحة. ومن ثم فلا يعد العزل أو استعمال أي مانع حديث قتلاً للولد وإلا لنهي عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم.