الإسلام دين يحث الجميع علي إعمال الفكر والتدقيق في كل شئ وعدم الاعتماد علي الثقافة الجاهزة التي تعطي من الغير دون مراجعتها من الناحية العقلية والبحث عن مدي توافقها مع الواقع والتدقيق فيها فالتفكير ميزة عبادية تميّز بها بعض المسلمين وحازوا بسببها شرف السبق والمكانة. فقد قال تعالي "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَي قُلُوبي أَقْفَالُهَا" سورة محمد الآية: 24. فالمشكلة الأساسية التي يعاني منها المجتمع الإسلامي الآن هي الأمية الفكرية والتعويل علي الثقافة "المعلّبة" دون التدقيق وإعمال الفكر وهذا بدوره يترك اثراً سلبياً علي الفرد ومن ثم علي المجتمع. فكثيراً ما نطلق الأحكام علي عواهنها متسلحين بمقدمات فاسدة لا تمت إلي المعرفة بصلة وتاليها يبطل مقدمها. وانتشار هذا النوع من الثقافة والأفكار يؤدي إلي اغفال دور العقل وتعطيل قدرته مما يؤدي إلي ظهور جيل لا يعتمد الدليل العلمي في حكمه علي القضايا ومناقشة الرأي الآخر ومقارنة الحجة بالحجة والدليل بالدليل. وبالطبع أعمال العقل والفكر سيؤدي إلي وجود اختلافات بين البشر في نظرهم للقضايا المختلفة فقد قال الله تعالي "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" سورة هود الآية: 118. وقوله سبحانه وتعالي "لِكُلّي جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ" سورة المائدة الأية: 48. فهاتان الآيتان وغيرهما من الآيات تبين أن مشيئة الله تعالي اقتضت أن يخلق الناس جميعاً مختلفين. وتؤكد أن الله وحده الذي صيّر هذا الاختلاف وجعله من ثوابت النظام الكوني. ومن هنا فليس غريباً اختلاف البشر في الأفكار والتصورات والمعتقدات والعادات والتقاليد ولكن الغريب حقاً محاولة البعض جعل الناس كلهم يؤمنون بفكر واحد وثقافة واحدة ومعتقدات واحدة وقيادة واحدة ونيّة واحدة. فالاختلاف أمر ضروري لأنه يساعد علي معرفة نقاط الضعف والقوة التي لا يمكن أن تعرف إلا في ظل الاختلاف كما يدل علي صحة المجتمع ويعود عليه بالنفع. فبالاختلاف تتقدم العلوم وتنشأ الحضارات. وتنمو المدارس الفكرية والمذاهب الفلسفية وغيرها. وفي ظله يصبح من المألوف أن توجد المذاهب المختلفة التي تتبني الآراء الاجتهادية المختلفة وكل رأي منها يستند إلي أدلة واعتبارات شرعية أفرزتها عقول كبيرة تجتهد وتستنبط وتوزن وترجح وتؤصل الأصول. وتعقد القواعد وتفرع عليها الفروع والمسائل. وبهذا التعدد المختلف المشارب المتنوع المسالك تتسع الثروة الفكرية التي تعد كنوز لا يقدر قدرها وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث. وبالطبع المجتمع الذي لا تنمو فيه هذه الاختلافات هو مجتمع سقيم. فالاختلاف الذي اساسه العقل مقرر شرعاً لصالح المجتمع» أما الاختلاف من أجل المصلحة الشخصية فهو منبوذ لأنه يؤدي للعداوات والتفرقة وتمزق الأمة وهو ما قرره القرآن في قول الله تعالي "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَي- أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضي - انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" سورة الأنعام الأية: 65. أي يجعل كل فرقة منكم متابعة لإمام وينشب القتال بينكم وتختلطوا وتشتبكوا في ملاحم القتال يضرب بعضكم رقاب بعض ويذيق بعضكم بأس بعض. المعني يخلطكم فرقا مختلفين علي أهواء شتي انتهي. وقد ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم قال عندما نزلت تلك الأية أنه سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة سأله أن لا يهلك أمته بسنة فأعطاه إياها. وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه إياها. وسأله أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك. فالله لم يسلط علي الأمة عدوا من غيرها يقوض بنيانها. ويأتي عليه من القواعد. وإنما تركها لأنفسها. وهو ما حدث في مواضع عديدة في التاريخ الإسلامي كما وقع في عهد الصحابة أنفسهم من الفتن. وما وقع في عهود من بعدهم. في العصر الأموي ثم في العصر العباسي. مما مهد لدخول الصليبيين من الغرب. والتتار من الشرق. ثم المحتلين من إنجليز وفرنسيس وايطاليين إلي دار الإسلام. والسيطرة علي أجزاء منها مدة من الزمان.