التغير في اللغة هو التحول. يقال. تغير الشيء عن حاله أي تحول. وغيره أي حوله وبدله. كأنه جعله غير ما كان. وقد ورد هذا المعني في القرآن الكريم في قوله تعالي: "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم". ويمكن تعريف تغير الفتوي اصطلاحا بأنها: تغير وجه النظر في المسألة الاجتهادية لوجود ما يوجبه مع بقاء أصل الحكم. ويعد تغير الفتوي من الأمور المسلم بها في الشريعة الإسلامية. وهذا التغير هو أحد أهم السمات التي تبرز مرونة الشريعة الإسلامية. فليست الشريعة صلبة تعرقل سير الحياة. بل فيها من المرونة ما يجعلها تصلح قانونا يحكم تصرفات الأفراد إلي قيام الساعة. وينبغي في هذا المضمار التحديد الدقيق للمصطلحات. فينبغي التفريق بين مصطلح تغير الفتوي ومصطلح تغير الحكم. ونطاق التغيير في كل منهما: فتغير الفتوي هو الافتاء بحكم غير الحكم المعهود. أو برأي من الآراء في المسألة الاجتهادية. أو استحداث رأي جديد في مسألة معينة لوجود ما يوجبه. أما تغير الحكم: فهو أمر ضيق فيه الشارع. إذ لا يجوز تغيير الحكم إلا من قبل الشارع نفسه. ولا يكون ذلك إلا بالنسخ. أما وإن النسخ قد انقضي بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم. فإن الأحكام الشرعية التي توفي النبي وهي موجودة تظل سارية المفعول ولا يجوز تغييرها. والأحكام في الشريعة تنقسم إلي قسمين: 1- أحكام مصدرها النص. يستوي في ذلك أن يكون النص قرآنا أو سنة. 2- أحكام مصدرها الاجتهاد والرأي والنظر. فالنوع الأول له من المكانة التي تجعله بعيدا عن التغيير والتحريف. لأن الحكم الثابت بالنص من غير نسخ ثابت ببقاء النص وثباته. ولا علاقة له باختلاف الأزمنة والأمكنة. إلا أن هذا النوع لا يمنع من أن يختلف فيه العلماء إذا كان النص الذي ثبت به الحكم من النصوص التي تحتمل التأويل. كاختلافهم في تحديد معني القرء الوارد في قوله تعالي "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" فالبعض فسر القرء بأنه الحيض والبعض الآخر فسره بأنه الطهر. أما النوع الثاني من الأحكام فهي الأحكام التي لم ترد بشأنها نصوص. وهذا النوع من الأحكام ينظر فيه العلماء المجتهدون للوصول إلي حكمه مع مراعاة المقاصد العامة للشريعة. وباستعمال الادلة الشرعية المعتبرة. وهو الذي تختلف فيه وجهات نظر الفقهاء. وبالتالي فهو مجال تغير الفتوي. وبناء علي ما سبق يمكن القول: إن تغير الفتوي لا يعني بأي حال من الاحوال تغير الحكم. فالتغير هو الأخذ برأي آخر. قد يكون جديدا. وقد يكون أحد الآراء الموجودة في المسألة. فكلا الرأيين أو الآراء في المسألة يعد حكما فيها بناء علي أن المسألة من مسائل الاجتهاد. والقاعدة أن المجتهد مأجور في اجتهاده أصاب أم أخطأ. وعند الاصابة له أجران. أجر الاجتهاد. وأجر الإصابة. وعند الخطأ يؤجر بأجر واحد إلا أنه يعذر عند الخطأ ما دام بذل جهده واستفرغ وسعه في طلب الصواب. يقول ابن القيم مؤكدا هذه الحقيقة: "الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها. لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة. ولا اجتهاد الأئمة. كوجوب الواجبات. وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها. فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة ولعل ابن القيم أورد في حديثه لفظ الاحكام. مما قد يوهم تعارضا بين ما قررناه من ثبات الحكم. وما قرره ابن القيم في كلامه. إلا أن النظر الثاقب ينفي هذا التعارض من الأساس. فابن القيم قد يكون مراده بالحكم الفتوي. بدليل تقريره من أن المصلحة تكون سببا في التغيير.. وللحديث بقية.