ومن أسس الإدارة الناجحة: وجوب المحافظة علي المال العام فليس هذا المال ملكاً للحكومة كما يزعم البعض. فإن الحكومة شخصيات مؤقتة لهم آجال معينة وهم أمناء علي المصالح العامة والأموال العامة ولا يملكون هذا المال. بل هم أمناء عليه. أما ملكية المال العام فهي للدولة كلها ولكل فرد حق فيه فمن اعتدي عليه كان معتدياً علي حق الدولة كلها أفراد أو جماعات. وكان المفرط في إهداره أو ضياعه مرتكباً لأكبر الذنوب وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يضرب أروع الأمثلة علي ذلك فيأخذ الثمرة التي يجدها علي الأرض في بيته ساقطة ليأكلها. ثم يعود فيلفظها ويقول: أخشي أن تكون من مال الصدقة. وناهض عليه الصلاة والسلام بعض المحاولات لإهدار المال العام في مهدها. عندما جمع ابن اللتبية مال الصدقة. وخص نفسه بما أهدي له وجاء يقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "هلا جلس في بيت أبيه وأمه فيري إن كان يهدي إليه أم لا؟". وها هو سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. عندما أرادت زوجته أن تشتري الحلوي فأبي حتي يسد حاجة الجائعين المحتاجين إلي القوت الضروري فلما ادخرت زوجته من مصروف بيتها ما تشتري به الحلوي وهو حلال أبي أن يتمتع أهل بيته بالشيء الكمالي وفي المسلمين بطون جائعة وأمر برد ثمن الحلوي إلي بيت مال المسلمين ليسد جوعة جائع منهم يقول حافظ إبراهيم رحمه الله: يوم اشتهت زوجه الحلوي فقال لها من أين لي ثمن الحلوي فأشريها فأقبلت بعد خمس وهي حاملة دريهمات لتقضي من تشتهيها فقال نبهت مني غافلا فدعي مالك الدراهم إذ لا حق لي فيها ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولي فقومي لبيت المال ردّيها وهكذا كان ورع الخليفة في أن يستمتع أهل بيته بشيء حلال وليس في المال حينئذ شبهة» لأنه من مصروف البيت الخاص ولكنها النفوس الكبار التي ترفض التمتع بالطيبات في وقت تحتاج فيه البطون الجائعة إلي العيش الضروري. ومن أسس العمل الإداري الناجح: النقاء الإداري. أعني به أن يكون الرئيس والمرءوس في العمل يعيشان في جو نقي. صاف من الأكدار ومن القيل والقال. فلا يحاول المرءوس أن يتسلق عن طريق نقل الكلام وهدم الآخرين والتسلق علي أنقاضهم ورميهم بالنقائض وكتابة التقارير المظلمة والشكاوي المتعسفة والظالمة. ولا يحاول المسئول أن يفتح بابه لبطانة السوء التي لا يهمها إلا المصلحة الخاصة. ولا يكون رجلاً أذنّا يسمع كل ما يقال. ويصدق كل ما يسمع وأن يعلم أن من نم له نم عليه. وقد وجه الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلي سد منافذ القيل والقال وحذر أن يبلغه أحد عن أحد شيئاً. فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". فإذا كان هذا مع سول الله صلي الله عليه وسلم وهو النبي المعصوم الموحي إليه وخير خلق الله. لا يريد أن يسمع من أحد شيئاً علي أحد حتي لا يتأثر بكلام الغير علي الناس. فما بالنا بنا نحن البشر انه لأولي بنا أن.. نحافظ علي أنفسنا وعلي إخواننا من فتح منافذ القيل والقال. وألا نستمع إلي الذين يهدمون إخوانهم ليرتفعوا علي أنقاضهم وعلي المسئولين الكبار أن يقدروا هذا الخطر الذي يزلزل أركان العدالة. ويقوض حضارة الأمم ويجهض الحماس لدي المخلصين الذين لا ينالون حقوقهم بسبب عدوان القوالين والوسطاء وما يبثونه من أقاويل الشر والسوء لإخوانهم فإن الله عليم بما في الصدور.