يؤلمني. ويزيد من ألمي تفرق المسلمين إلي شيع. وأحزاب. وجماعات. وكلما ظهر اسم جماعة تنسب نفسها للإسلام أعتبره مسمارا في نعش الوحدة. وشرودا عن صف الجماعة الإسلامية. وخروجا عما نادي به سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لتكاتف المسلمين وتعاضدهم. وأنهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاي. ساءني دائما انتشار الأسماء المختلفة داخل الأسرة الإسلامية وهو ما لا يعود علي الإسلام بخير. نحن جميعا مسلمين نؤمن بالله الواحد وبمحمد رسولا. وبالقرآن كتابا مجيدا. يرسم خطي الأمة وينير طريق الحق والعدل والأمان. يقلقني دائما. ويزلزل مضجعي. تقسيم المسلمين إلي سنة وشيعة وهو التقسيم الأخطر لهذه الأمة. إذ أن المذاهب الفقهية ظاهرة صحية أفادت الفقه الإسلامي. وأثْرت القواعد التشريعية المستنبطة من روح الإسلام وقواعده العامة بإعمال العقل والتدبر والتفكير في فهم هذه القواعد لتنظيم حياة الناس في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. وتيسير طريق الالتزام بأداء العبادات بما لا يخرج علي روح الإسلام وقواعده. أما التقسيم العقائدي أو السياسي فهو مصيبة كبري أُصيب بها المسلمون والإسلام. كان بداية الخلاف منذ وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة. إلا أنه اختفي فور اختيار سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه. واتحدت الأمة. وبقيت قوية عفية طوال حكم أبي بكر وعمر وبعضا من فترة حكم ذي النورين رضي الله عنهم وذلك لإقرار العدل والقضاء علي الظلم واستتباب الأمن. ولما كان الخليفة الثالث رجلا لينا فهم أن إسناد أمور الولايات لبعض أقاربه فيه نفع للمسلمين. ولَّي عبد الله بن أبي السرح علي مصر فلم يُقم العدل بين الناس. وحرمهم من حقوقهم كمواطنين وكان ذلك سببا لثورة الناس علي سيدنا عثمان بن عفان وتأليبهم عليه إذ أن العدل يمنع الفوضي ويحفظ الأمن. أما الظلم وانتشاره وضياع حقوق الناس يؤدي دائما إلي رد فعل يدفع إلي الخراب وطريق الدمار. وظهور شخصية مثل عبد الله بن سبأ الحاقد علي الإسلام والمُتآمر عليه. ومناداته بأن عليا أحقَّ بالخلافة من عثمان الذي مكَّن أهله في الناس. فأذلّوهم. هو الجدير بالخلافة التي سرقها الخلفاء الثلاثة من علي وأهله. كان لا يبغي من ذلك سوي إشعال الفتنة. وحرق الأمة. وبمقتل عثمان اشتدت الخلافات المدمِّرة. ودون دخول في تفاصيل يعرفها القراء ويعونها جيدا. ظهرت الشيعة التي نسبت نفسها إلي سيدنا علي كرَّم الله وجهه. وناصبت العداء للخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم جميعا. واعتبرتهم مغتصبي الخلافة ممن هو أحقَّ منهم. يقصدون بذلك عليا كرَّم الله وجهه. وأخذوا يسبّونهم ويسبّون عائشة لموقفها في موقعة الجمل. وانقسمت الشيعة فيما بعد إلي أقسام عدة أشهرها الزيدية ويقيمون في اليمن وهم أقرب الفرق إلي أهل السنة والجماعة. لا يسبّون الصحابة واعترفوا بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لأن عليا كرَّم الله وجهه قد بايعهم. ومنها الإمامية وتوجد في إيران والعراق. ولهم معتقدات غريبة علي العقل الذي كرَّمه الإسلام مثل اعتقادهم بوجود اثني عشر إماما من النسل المباشر لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. وأن أوَّلهم علي كرَّم الله وجهه. وآخرهم محمد بن الحسن العسكري الذي اختفي في القرن التاسع الميلادي بدخوله سرداب وسنه أربع سنوات أو ثماني سنوات. وقال بعضهم أنه عالم بما يجب أن يعلمه الإمام. وأن طاعته واجبة. ويؤمنون بعودته مرة أخري في آخر الزمان وأن هذه العودة ستمثل بدء العدالة والرخاء. وأنه زعيم زمانهم. ويعتقدون أن الأئمة معصومون من الخطأ. وأن الاجتهاد يقتصر علي مجتهد الإمام الغائب. كما أن الأئمة عندهم تجري علي يدهم معجزات. ولا يفرق بينهم وبين النبي سوي الوحي. ولا يجوز لأحد أن يُخَطِّئهم لعصمتهم. ولا يحبّون الصحابة والسيدة عائشة رضي الله عنها. تفرَّق الشيعة إلي طوائف عدة تقترب بعضها من قواعد الإسلام. ويختلف الكثير منها عنه. ويقولون بما لم يقله علماء الإسلام. لا نريد الخوض في تفاصيل لا يتسع المقال لذكرها. إلا أن ما يهمنا هو ظهور مزاعم أن غزواي للشيعة يتعرَّض له الناس في مصر. ولما كانت طبيعة الشعب المصري جميعه. مسلمين ومسيحيين. تميل إلي التديّن. وتغلب عليه عاطفة الحب لما يعتقده. فإن المسلمين في مصرنا بعاطفتهم الجيّاشة وانفعالهم الروحي لآل البيت لا يوقفه حدّ ولا تمنعه قوة. وهذا الحب الجارف لا يقتصر علي أهل البيت وحدهم. وإنما يمتد إلي الصحابة أجمعين.. نُجلّهم ونحترمهم. ونتأسّي بحياتهم. ولا يُذكر أحد منهم علي لسان مصري مسلم إلا مسبوقا بكلمة سيدنا ومختومة بكلمة رضي الله عنه. فنجد الصبي والكبير والمرأة والرجل عند الحديث عن الصحابة يقول: سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر والسيدة عائشة رضي الله عنهم. وكذا في كل أحاديثنا. لا نفرّق بين أحد منهم. وسمعت فضيلة الإمام محمد خليل الخطيب -رحمه الله- يقول: سيدنا معاوية رضي الله عنه. فتنطّع أحد الحاضرين قائلا: أتقول عن معاوية سيدنا ورضي الله عنه؟ قال: نعم. هو صحابي. وقال الرسول: أصحابي كالنجوم. بأيِّهم اقتديتم اهتديتم. وأضاف: إنه كان من كُتّاب الوحي. وعمل للإسلام الكثير. وأقرّ الأمن في البلاد. واستقرّت علي يديه. وتصدّي للدولة الرومانية في الدفاع عن الإسلام. وأخذ الشيخ رحمه الله يعدّد مناقبه. ثم ختم كلامه بأن خلافه مع سيدنا علي نوكله وشأنه إلي الله. ومن ثم فالقول بالخوف من التشيّع وانتشاره في مصر قول غير سديد. رغم أننا نعشق آل البيت ونحتفل بمولد سيدنا الحسين والسيدة زينب وغيرهما من آل البيت. إلا أننا لا ننحاز إلي تصديق خرافات مثيرة للعداوة في نفوسنا نحو غيرهم من الصحابة والتابعين. وتعلّق زوّار ضريح السيدة نفيسة وحبهم لها لم يجعل أياي منّا يسبّ عمر أو عائشة. فصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم في قلوب المصريين سواء. لا نسبّ أحدا منهم ولا نؤلّهه. ويعلم المثقفون من هذه الأمة أن الخلافات التي نشبت في القرن الأول الهجري بين المسلمين كانت لأسباب سياسية أو لأسباب عرقية أو طائفية أو بغرض تخريب بلاد المسلمين وعقائدهم. لا شك أن الأزهر يؤدي دوره كمنارة للعلم الإسلامي المُصفّي لا ينحاز إلي فرقة أو طائفة وإنما ينحاز إلي جماعة المسلمين أهل السنة. مثلما تقلقني الفرقة ويؤلمني الشتات يراودني حلم تجمّع الأمة الإسلامية نحو العلم الصحيح والفهم الجيد للإسلام دون تفريق أو تصنيف لأحد. والقول بأن هذا سني وذاك شيعي وثالث صوفي ورابع سلفي جعل الأمة شيعا وأحزابا تتنافر وتتشاحن ضاربين بالتفكير السليم والعقل المستنير عُرض الحائط. إن هذا التفريق وهذا التشتيت أضاع الأمة وجعلها نهبا لمؤامرات عاصفة بها وبمقدّراتها من جانب القوي العالمية المتربصة بها حتي نُكبت الأمة العربية والإسلامية باشتعال الفتن داخل أقاليمها ليقضي بعضهم علي بعض. ويكفّر بعضها بعضاي دون النظر والاعتبار من حوادث التاريخ وما مرّ بهم. من هنا كانت كراهيتنا الشديدة للعناوين المتعددة داخل المسلمين وتعصب أهل كل عنوان لما قرروه لأنفسهم وما اعتقدوا به. فهل آن الوقت لأن ننبذ الفتنة. ونقضي علي الفُرقة. ونجتمع تحت راية لا إله إلا الله والعمل بكتابه واتباع سنة نبيه منتفعين بتوجيه هذا الدين العظيم لاستغلال العقل في حسن التفكير والتدبير. والفهم الصحيح الواعي بعيدا عن معتقدات تُفرق المسلمين ولا تجعلهم علي كلمة سواء؟ فالقرآن فهمه ميسور يهدي إلي طريق الحق والعدل بيسر وسلاسة دون تعقيدات وخرافات الطوائف والشيع التي ما عرفت من الإيسلام إلا اسمه. ولسوف نُسأل جميعا أمام الله: لماذا ذهبنا إلي مفاهيم مغلوطة تتنافي والعقل الذي كرمه الله تعالي بذكره ومشتقاته في القرآن ثمان وخمسين مرة؟ وبذكر مشتقات الفكر سبع عشرة مرة؟ وذكر الألباب أي العقول ست عشرة مرة؟ العقل وهبه الله للإنسان وميّزه به عن باقي مخلوقاته. إن كانت القواعد الثابتة التي لا خلاف عليها مثل وحدانية الله ونبوة رسوله والكتاب الذي أنزل عليه والإيمان بالقدر خيره وشرّه ويوم الحساب والملائكة فإن الله سبحانه وتعالي يحب أن يري أثر نعمته علي عبده. ولما كان العقل من نعم الله علي الإنسان فإنه يتعيّن عليه تبيان هذه النعمة بإعمال عقله في شئون حياته ومفاهيم سيره ليصل إلي الصورة المثلي التي أرادها الله للإنسان ولا يكون ذلك إلا بالابتعاد عن الخرافات والتزام منهج الطريق الصحيح وتوحيد الفهم الواعي للإسلام حتي تتمكّن الأمة من الخروج من نفق الفُرقة والشتات المؤدي إلي الضياع.