نعيش هذه الأيام فرحة عيد الفطر المبارك الذي يحتفل به المسلمون بعد أن عاشوا في شهر رمضان صور كثير من الإنسانيات التي نحتاج إليها طوال الحياة وليس في رمضان أو الأعياد فقط . ولا شك أن التسامح من الإنسانيات التي يحتاجها البشر حاليا حتي يسود التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين البشر علي اختلاف ديانتهم وألوانهم وألسنتهم. في البداية يوضح الدكتور أحمد معبد . عضو هيئة كبار العلماء . أن عالمنا اليوم في أشد الحاجة إلي التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس أكثر من أي وقت مضي نظراً لأن التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب. حتي أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية كبيرة ولهذا فإن التسامح بالمعني الحديث يدل علي قبول اختلاف الآخرين - سواء في الدين أم العرق أم السياسة - أو عدم منع الآخرين من أن يكونوا آخرين أو إكراههم علي التخلي عن آخريتهم. وأشار الدكتور معبد .إلي أن التسامح في القرآن الكريم جاء به رسول الإنسانية محمد صلي الله عليه وسلم وقدمه ذلك التقدم الملحوظ حمل بين طياته قوانين عدة مهمة عملت علي نشره في شتي أرجاء العالم الأكبر فمن أشهر هذه القوانين المهمة التي كان لها الدور الأكبر والطائل في تقدم المسلمين في مختلف الميادين هو قانون¢ اللين واللاعنف والتسامح¢ وقد أكدته الآيات المباركة فيقول سبحانه وتعالي:¢ ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ¢ ويقول: ¢ وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا¢ كما يقول:¢وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ¢وقوله:¢خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ¢ ويقول: ¢وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمي¢ ويقول سبحانه ¢فَبِمَا رَحْمَةي مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ¢ . ويؤكد الله كل المعاني السابقة في قوله:¢وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ¢. التسامح والأديان عن التسامح في السنة النبوية والاديان السماوية يشير الدكتور محمد رأفت عثمان . عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر . إلي أن التسامح هو التساهل والمساهلة في كل جوانب الحياة لذلك جاء قول الرسول صلي الله عليه وسلم:¢ رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع وإذا اشتري وإذا اقتضي¢ . كما أن في سيرته تجعله قائدا للحركة السلمية اللاعنفية الأولي في تاريخ العالم فهو حامل راية السلم والسلام وصف نفسه :¢إنما أنا رحمة مهداة¢. وأوضح الدكتور رأفت عثمان . أن الإسلام يعترف بوجود الغير المخالف فرداً كان أو جماعة بل إن الإسلام لم يكن وحده في اشتماله علي مبادئ التسامح فمثلا المسيحية التي تقول أناجيلها:¢ لقد قيل لكم من قبل أن السنّ بالسنّ والأنف بالأنف. وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك وإن سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين¢ وكذلك ¢من استغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان¢ وكذلك اليهودية الصحيحة تدعو إلي التسامح من خلال الوصايا مثل ¢ كل ما تكرهُ أن يفعلهُ غيرك بك فإياك أن تفعلهُ أنت بغيرك واغتسلوا وتطهّروا وأزيلوا شرَّ أفكاركم وكفّوا عن الإساءة*تعلّموا الإحسان والتمسوا الإنصاف. وأشار الدكتور رأفت عثمان. إلي انه إذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلاً من اللجوء إلي الحوار. فإن علي المجتمع الدولي أن يصحّح الأوضاع ويعيد مثل هذه الدول الخارجة علي القيم الإنسانية والحضارية إلي صوابها حتي تنصاع إلي الأسلوب الحضاري في التعامل وهو الحوار. فليس هناك من سبيل إلي حل المشكلات وتجنب النزاعات إلا من خلال الحوار ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان برغم الاختلافات فيما بينها كانت دعوة الإسلام إلي الحوار والتسامح بين الأديان وذلك لما للأديان من تأثير عميق في النفوس ويعد الإسلام أول دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالي: ¢ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةي سَوَاءي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ¢ فضيلة اجتماعية عن التسامح من المنظور الاجتماعي أكد الدكتور نبيل السمالوطي . أستاذ الاجتماع - جامعة الأزهر .أن كثرة لفظ التسامح وتكرار السلام مع أحاطته بالجو الديني النفسي من شأنه أن يوقظ الحواس جميعها ويوجه الأفكار والأنظار إلي المبدأ السلمي العظيم. وأوضح الدكتور السمالوطي .أن المفهوم العام للتسامح لا يعني بالضرورة أن يرتبط بالجانب الاجتماعي علي حساب جوانب الحياة الأخري فكثيراً ما تستخدم هذه الكلمة في المسائل الاجتماعية حتي أنها توحي بأنها من مفرداتها أو من مصطلحاتها الا أنه من المصطلحات ذات المعني العام والشمولي إذ لا يقتصر علي الجانب الاجتماعي فحسب إنما يتعداه إلي كل جوانب الحياة ولهذا فإن الأديان بحكم انتمائها إلي السماء لا تأمر إلاّ بالخير والحق والصلاح ولا تدعو إلا بالبِرّ والحب والرحمة والإحسان و التعايش والتعارف والحوار وهذا يؤكد أن التسامح وفق المنظور الإسلامي فضيلة أخلاقية وضرورة مجتمعية وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها مما يؤكد أن الإسلام دين عالمي يتجه برسالته إلي البشرية كلها تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهي عن الظلم وتُرسي دعائم السلام في الأرض وتدعو إلي التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم لأن الجميع ينحدرون من نفس واحدة كما جاء في القرآن الكريم:¢ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسي وَاحِدَةي".