منذ إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" إقامة ما يسمي بدولة ¢الخلافة الإسلامية¢ في شمال سوريا وشرق العراق يوم 10 يونيو الماضي. كثر الحديث حول ¢ الخلافة الاسلامية المعاصرة ¢ ما بين ¢ الحلم والوهم والحقيقة ¢ وشتان بين الخلافة الراشدة التي بدأت مع خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم وبين خلافة ¢ ابو بكر البغدادي ¢ الخليفة المعاصر الذي يريد أن يبني خلافته علي الأشلاء بدلا من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. يخبرنا التاريخ أن الخلافة الإسلامية الراشدة كانت خير فترة في تاريخنا حيث الرحمة والفتوحات الإسلامية التي وصلت أقصي اتساعها في عهد الخلفاء وأكمل بنو أمية الفتوحات من المغرب إلي حدود الصين . أما الخلافة المعاصرة فقد جاءت في عصر الانكسار والانهزام والتقوقع مع تحقق نبوءة الرسول صلي الله عليه وسلم. فينا: ¢ يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَي عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقي كَمَا تَتَدَاعَي الأَكَلَةُ عَلَي قَصْعَتِهَا . قُلْنَا : مِنْ قِلَّةي بِنَا يَوْمَئِذي ؟ قَالَ : لا . أَنْتُم يَوْمَئِذي كَثِيرى . وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءى كَغُثَاءِ السَّيْلِ . يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ . قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ¢. خلافة داعش الغريب أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ¢داعش¢ أعلن علي لسان الناطق الرسمي باسمه أبو محمد العدناني الشامي قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب الخليفة ومبايعة عبدالله إبراهيم ¢أبوبكر البغدادي¢ الذي قبل البيعة وإنه تم إلغاء اسمي العراق والشام من مسمي الدولة ويقتصر علي الدولة الإسلامية وصار واجباً علي جميع المسلمين مبايعة الخليفة وتبطل جميع الإمارات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جنده وبطلت شرعية جميع الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخري. ولا يحلّ لأحد منها أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة الجديد وكل من أراد شق الصف ألقوا رأسه بالرصاص !!¢. الأغرب أن ¢البغدادي ¢ ينسب نفسه إلي الخليفة أبي بكر وإلي العاصمة العراقيةبغداد التي يرغب في إقامة مثلّث بين الأنبار وصلاح الدين وديالي علي أن تكون نينوي عمقَه الاستراتيجي لتطويقها وضمّها إلي دولته الإسلامية في العراق والشام وترجع أصول البغدادي إلي منطقة ديالي شرق العراق. هو أحد أفراد عائلة تنتمي إلي عشيرة السامرائي. تابع تحصيله العلميّ في ¢الجامعة الإسلامية¢ في بغداد . ولم يحملِ السلاح قبل الاجتياح الأمريكي للعراق العامَ 2003. وقد انضمّ إلي ¢القاعدة¢ تحت إمرة أسامة بن لادن. في الفترة التي ساد فيها التدخّل الأمريكي في الداخل العراقي بعد ازاحة الرئيس العراقي السابق صدّام حسين وقد عُرف عن البغدادي في سجله العسكريّ أنه مقاتل شرِس لا يرحم وكان تتلمذ علي يدَي الأردني ¢أبو مصعب الزرقاويّ¢.ويقال عنه انه في عام 2010. نظّم البغداديّ 60 انفجاراً في يوم واحد. ذهب ضحيّتَها 110 أشخاص بين التأييد والمعارضة. يستشهد المتحمسون للخلافة المعاصرة بقول الرسول صلي الله عليه وسلم : ¢ ليبلغن هذا الأمر - يعني الإسلام - ما بلغ الليل والنهار. ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين. بعز عزيز. أو بذل دليل. عزًا يعز الله به الإسلام. وذلاً يذل الله به الكفر¢ وقد أكد الدكتور منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين : ¢إن الخلافة الإسلامية قادمة وما يحدث الآن في العالم هو تمهيد للأرض لما هو آت وترتيب الكرة الأرضية لاستقبال حدث جديد وهو دولة الخلافة الإسلامية التي بشر بها رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم . وإن الصحفيين والإعلاميين الذين يهاجمون فكرة الخلافة الإسلامية جهلة بأمور دينهم ودنياهم. ولو قرأوا أو درسوا تاريخ أوروبا وكيف توحدت رغم اختلاف اللغة والدين والعقيدة لما أنكروا أمر الخلافة الإسلامية¢. وتنبأ الدكتور منير جمعة بتكوين اتحاد إسلامي بين الدول العربية الإسلامية قريبا لأن الخلافة الإسلامية قادمة شاء من شاء وأبي من أبي. مصداقا لنبوءة الرسول صلي الله عليه وسلم. والطريف أن الدكتور منير . ربط عودة الخلافة بالثورات العربية قائلا : "إن ثورة مصر بعث الله بها الشعب المصري بعد مماته في العصر البائد. كما أن ثورات الربيع العربي خلصت دولها مما كان يلاقيه المسلمون في بلادهم من هوان وذل. فمثلا تونس كانت أشد من بلاد الكفر في التطرف العلماني. فقد كانت دولة بوليسية تقبض علي المحجبة من الشوارع فأسقطها الله كما رأينا". وقد عارض فكرة قيام الخلافة الإسلامية الآن الداعية الإسلامي. محمد مسعد ياقوت حيث أكد أن قيمة التعلم ونشر العلم. هما أساس الحضارة. لأنها لا تقوم علي جهل لأن العلم سبيلنا إلي النهضة الشاملة لتحقيق العبودية لله وحتي تتحقق الخلافة لابد من الوحدة والترابط بين المصريين والعرب والمسلمين لأن هناك حزبين ¢حزب الله. وحزب الشيطان¢. ومن أشد المنادين بفكرة الخلافة ¢حزب التحرير¢ الذي لا يعترف بالتقسيم الحالي للو العربية والإسلامية انما يؤمن بانها ولايات ومنها ولاية ¢مصر¢ وقد أعلن محمد عبد القوي وكيل مؤسسي حزب التحرير بمصر أن ¢الخلافة الإسلامية قادمة لا محالة¢. الطريف أن القيادي بحزب التحرير يؤكد أن مفكري الغرب يعلمون بعودة الخلافة الإسلامية وقد نصح أحد مستشاري أوباما قائلا : ¢إن دولة الخلافة قادمة لا محالة ونصح أوباما بالتعامل معها وعدم استعدائها¢ وكذلك قال جورج بوش الابن ذات مرة : ¢إن المسلمين يريدون إقامة دولة الخلافة من إندونيسيا حتي إسبانيا¢. وقد دخل بعض الدعاة العرب أشهرهم الشيخ محمد العريفي فئة المبشرين بالخلافة قائلا في خطبته للجمعة بمسجد عمرو بن العاص بالقاهرة : ¢أقسم بالله الخلافة الإسلامية قادمة وكأني أنظر إليها بعيني الآن لأن الله يتخذ من المؤمنين شهداء ونحن علي يقين بنصرة الله لدينه وشريعته وعباده المؤمنين كما أن الله لينتصر الإسلام ويظهر العدل ونحن ننتظر الخلافة الإسلامية . وما يحدث اليوم في البلاد الإسلامية الآن من اتحاد لعلماء الأمة وأحداث يؤكد أن الخلافة الإسلامية قادمة¢. نصوص شرعية اجتهد العديد من مؤيدي الخلافة المعاصرة في بيان علاماتها مؤكدين أنه بعد الملك العاضِّ. والملك الجبري الذي مرت به الأمة. فإنها تنتظر عودة خلافة علي منهاج النبوة. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:¢ تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون. ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة. فتكون ما شاء الله أن تكون. ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها. ثم تكون ملكًا عاضًا. فيكون ما شاء الله أن يكون. ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكًا جبرية. فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة. ثم سكت¢. وقال الداعية الشهير الشيخ محمد إسماعيل المقدم رئيس الدعوة السلفية بالاسكندرية :¢ لا يمكن أن يحصل تمكين للمسلمين من جديد. ولن يعودوا إلي عزتهم إلا بمنهاج النبوة. وأي منهج يخالف منهاج النبوة فليس هو سبب التغيير. ولن يؤدي إلي هذا التمكين وهذا أوضح دليل علي أن التمكين لا يقع إلا بهذا المنهج¢ وللحديث شاهد عن سَفِينَةُ رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً. ثُمّ مُلْكى بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمّ قَالَ سَفِينَةُ: امْسِكْ عَلَيْكَ خِلاَفَةَ أَبي بَكْري. ثُمّ قَالَ: وَخِلاَفةَ عُمَرَ وَخِلاَفَةَ عُثْمانَ. ثُمّ قَالَ لي: امسِكْ خِلاَفَةَ عَلِيّ قال: فَوَجَدْنَاهَا ثَلاَثِينَ سَنَةً ¢ وأما الخلافة الإسلامية القادمة فيري البعض انها بظهور المهدي يكون ذلك قبل الدجال كما تدل عليه ظواهر النصوص. ولا يقتضي هذا ألا تكون خلافة قبل زمن المهدي. فإن المسلمين متي تمسكوا بدينهم واعتصموا بحبل الله تعالي مكن الله لهم في الأرض وأظهرهم علي عدوهم. كما قال تعالي: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا" "النور:55". . وكون ذلك قريبا ليس علي الله بعزيز ولم يجيء في القرآن ولا في السنة ما يبين ذلك. وعلي المسلمين السعي في ذلك والأخذ بالأسباب لإقامة هذه الخلافة. لا أن ينتظروا إقامتها بأسباب خارقة للعادة وقد ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم عدة أخبار فيما يكون بعد زمانه إلي قيام الساعة. وهذه الأخبار ينبغي فهمها مجتمعة. ولا يصح أن يعزل النص الشرعي عن بقية النصوص. فإن ذلك من أعظم ما يوقع في الغلط. وعلي هذا فإن قوله صلي الله عليه وسلم: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتي تلقوا ربكم. يجب فهمه في ضوء بقية النصوص الشرعية التي تتحدث عن شأن الأمة بعده صلي الله عليه وسلم. وقد جاءت نصوص كثيرة تدل علي بقاء الخير في هذه الأمة» كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:¢ مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره ¢ . كما في أحاديث الطائفة المنصورة وبقائها في الأمة إلي قيام الساعة ومن ذلك حديث معاوية رضي الله عنه سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول:¢ لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله. لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتي يأتيهم أمر الله وهم علي ذلك¢. وحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:¢ لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق لا يضرهم من خذلهم حتي يأتي أمر الله وهم كذلك¢. وكذلك أحاديث المهدي ونزول المسيح عيسي ابن مريم وهي أحاديث ثابتة في الصحيح. الطريف أنه رغم الخلافات الجوهرية بين ¢ السنة والشيعة ¢ الا أنهما يلتقيان علي فكرة عودة الخلافة حيث يتصوروا أن يتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بعودة ¢الخلافة الإسلامية¢ أو عصر ¢الأئمة المعصومين¢ لنشر العدل والأمان وإعطاء كل ذي حق حقه فلا يصلح الزمان ولا المكان إلا بالحكم الإسلامي. وفي النهاية نؤكد أننا ككل مسلمين متأكدين أن الخلافة ستعود ولكن وقتها لم يحن بعد في ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها هذه الأمة المتشرذمة وأخشي ما أخشاه أن يتآمر الغرب فيسمح بإقامة خلافة هزيلة مثل ما تدعو اليه داعش ونخل في بحو من الدماء وما يجري علي ارض الواقع خير دليل حيث ارخص دم هو الدم المسلم . الذي لم يعد قاصرا علي إراقته عن طريق أعداء المسلمين فحسب بل انه ? للأسف الشديد ? بيد المسلمين . فهل تقوم الخلافة علي أيدي مسلمين لا يراعي بعضهم حرمة دم بعض ونسوا قول الرسول الله عليه وسلم :¢ ¢إذا التقي المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. فقلت يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول. قال: إنه كان حريصًا علي قتل صاحبه¢.