توفي أول أمس الأحد الدكتور محمود عزب. مستشار شيخ الأزهر للحوار. إثر أزمة قلبية مفاجئة عن عمر يناهز ال 59 عاما حيث فوجئت زوجته أثناء ايقاظه الساعة السادسة صباح الأحد للتوجه للمشيخة بوفاته ليتم إبلاغ الإمام الاكبر الذي أمر بتوجه وفد كبير من الازهر لإتمام مراسم تشييع الراحل الكبير وبالفعل تم تشييعه لمثواه الأخير من مسجد الجامع الأزهر. ولد الدكتور محمود عزب بمدينة الباجور بمحافظة المنوفية وعرف بأنه موسوعي في علمه. متدفق في حديثه. حازم في رسم مواقفه ووضع حدود هذه المواقف. طيب المعشر وكان الراحل الكريم يقول عن نفسه أنه مسلم ريفي. بل وقروي. من إحدي قري المنوفية تسمي "المقاطع". تعلمت في الكُتاب. ثم في الأزهر الشريف حتي مرحلة الليسانس. حيث درست اللغات السامية: لغات الكتاب المقدس. العبري. والآرامي. والسرياني. والحبشي. وكنت في نشأتي في قريتي علي علاقة صداقة ومودة مع رفاق لي من الأقباط» فأصبحت أعيش المشاركة في الواقع من سن الطفولة. وأعيش الفهم من خلال دراستي للكتاب المقدس. لكن من سن سبعة وعشرين ذهبت إلي فرنسا لدراسة الدكتوراة في هذه اللغات. وهناك بدأت الحوار وعشته وخبرته.. وربما كان قدري أن أبدأ هذه الخبرة في أوروبا. وليس في العالم الإسلامي. وكان عنوان رسالته لنيل درجة الدكتوراة عن لغات القرآن الكريم والكتاب المقدس دراسة مقارنة ويقول عن ذلك : "هذا نوع يمهد لأرض الحوار بشكل خصب وعلمي وموضوعي» لأنك تدرس النص المؤسس للدين. النص الأول. وليس التفاصيل والتراث الذي كتبه أهل العقائد بحسب أفهامهم". وقد استغرق إكمال هذه الأطروحة قرابة أحد عشر عامًا وعقب عودته من فرنسا إثر انتهائه من نيل درجة الدكتوراة من جامعة السوربون عام 1987. كلفه فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بمراجعة ترجمات معاني القرآن الكريم الفرنسية والعبرية. وظل يعمل في مصر حتي انتقل للتدريس لمدة أربع عشرة سنة بكورس الحضارة الإسلامية في جامعة السوربون بفرنسا. وقد حرص علي أن يزكي ويوافق علي أنها عاصمة العالم الثقافية لما فيها من إمكانيات وخبرات وجامعات وحريات. ويتحدث د. عزب عن محصلة عمره هذا بقوله: "أصبحت في الحوار أكثر قدرة واهتماما". وكان رحمه الله يحلم بأن يقدم فقه الحوار كمادة تدرس ليس فقط في جامعات مصر» بل وفي مدارسها أيضا» لكي تكون جزءا من وجدانپ وذهن الطالب المصري. لكن طرحه العملي الذي تقدم باقتراحه بالفعل لفضيلة الإمام الأكبر لم يكن يبدأ بالطلبة. بل يبدأ بتلميذ المرحلة الابتدائية. علي الجانب الاخر أصدرت مشيخة الأزهر بيانا صباح الأحد قالت فيه: فجِعَ الأزهرُ الشريف وإمامه الأكبر وفريق العمل مع فضيلته بالرحيل المفاجئ لأحد الأزهريين الأوفياء الذي فضل الانضمام الي هذا الفريق علي المنصب الأكاديمي المرموق في باريس. وأضافت المشيخة: ظل الراحل الكريم يعمل - علي اقتناع وإخلاص وروية ووطنية عالية - في جانب من أهم جوانب العمل في مشيخة الأزهر الشريف حتي آخر لحظة من لحظات حياته. ولن ينسي له الوطن المصري - بمسلميه ومسيحييه - قيامه علي فكرة بيت العائلة الذي أقام بناءه في العديد من محافظات مصر» ليرتفع بالعمل من أجل العلاقات الوطنية والأخوية والروحية بين المسلمين والأقباط في مصر. عن المستوي المناسبتي والمراسمي إلي المستوي المؤسسي الذي يحفظ لحمة النسيج الوطني. وجوهر الوحدة الوطنية. بتعاون من الجميع واقتناعهم واطمئنانهم وحرصهم المتبادل. واستطاع - رحمه الله - أن يؤسس لعلاقات إسلامية مسيحية دولية تقوم علي رؤية جديدة ونطاق أرحب. واجتاز به في حكمة وكرامة الأزمة التي سببتها بعض مواقف السابقين. وقاد في علم وإخلاص حوار الأديان والحضارات عن الجانب المصري في روماوباريس وميونخ ومراكز دولية أخري. وكان - رحمه الله - أديباً شاعرا. وقد أبدع في المجال الوطني. وترك نصوصا ستبقي بعده طويلا كما ستبقي جهوده العملية التي نهض بها في خدمة مصر والأزهر والإسلام. والأزهر الشريف إذ ينعاه الي الأمة الإسلامية والعالم مفكرا مسلما عاملا من أجل سلام حقيقي كوني يقوم علي الحق والعدل. والتفاهم الفكري العميق ليدعو الله - عز وجل - أن يرحمه ويغفر لنا وله ويلحقنا به علي خير. ونعت كل المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية الفقير الراحل فيما جرت أمس مراسم عزائه في مسجد الرحمن الرحيم بصلاح سالم بحضور الإمام الأكبر شيخ الازهر والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر والدكتور مختار جمعة وزير الاوقاف والدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية.