كثيراً ما نسمع في كل فترة زمنية لها خصائصها عن مسألة تجديد الخطاب الديني ليتواكب مع مفردات العصر الحديث بكل مفرداته. وهو أمر يتحاشي من مجرد ذكره البعض من المسلمين. تخوفاً أن تتدخل فيه الأهواء الشخصية والتعصبات المذهبية والساسة ورجالها. وهو تخوف ليس في محله إذا فرضنا حسن الظن وصدق النوايا. والبواطن علمها عند ربي يحاسب عليها وحده. وبداية نقول إن المقصود بالخطاب الديني هو الخطاب الذي يعتمد علي مرجعية دينية في توجهاته وأحكامه وتشريعاته واحترامه لعقلية المخاطب وتقديره له. يدخل في هذا الخطاب جميع صور الإعلام المقروء منها والمرئي والمسموع حتي المناهج الدراسية. إضافة إلي ركنه الأصيل للنشاط الدعوي علي مستوي الأفراد والمؤسسات العلمية الشرعية المعتمدة. وفكرة تجديد الخطاب الديني ليست وليدة اليوم ولا الأمس بل هي فكرة أصيلة في الإسلام منذ نشأته. فقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" أخرجه أبوداود والحاكم وصححه. فذكر النبي صلي الله عليه وسلم تجديد الدين نفسه. والخطاب الديني ما هو إلا جزء من أجزاء هذا الدين ولكنه أهم أجزائه علي الإطلاق. ومن هنا فطن العلماء الأجلاء لهذا الأمر وظل باب الاجتهاد مفتوحاً إلي يومنا هذا بل إلي قيام الساعة لإيجاد الحلول الشرعية لما يستجد من قضايا فكرية تحتاج إلي بيان حكم الشرع فيها. ولأن الخطاب الديني هو في الأصل إبلاغ من الله عز وجل لإيصال دعوته إلي الخلق. فهو مهمة النبيين والمرسلين. ودأب الصالحين ونهج الخيرين. قال تعالي: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" "آل عمران: 110". وقد أصيب الخطاب الديني في الفترة الأخيرة بعدة أمراض وعلل أثرت علي عطائه سلباً. وتركت الأثر السيء - للأسف - في نفوس المخاطبين تجاه أغلب من يتصدر للدعوة. ومن أهم هذه الأمراض والعلل: 1- المذهبية الضيقة والحزبية البغيضة التي أصبحت ثمة عند الكثير ممن تصدروا للدعوة دون تخصص. فلضيق أفقهم حصروا الإسلام في مذهب واحد بعينه فقهياً وعقدياً. وانطلقوا بعد ذلك إلي حصر الإسلام في حزب سياسي واحد ايضا. ومن خالفهم القول فهو في نظرهم ضال مضل ومبتدع. فكل واحد منهم يدعي أنه علي الحق وما سواه هو الباطل ويتعامل مع الناس علي هذا الأساس ويبرز هذا الأمر في خطابه الدعوي للآخرين. 2- الجمود والركود وعدم التجديد والإبداع في الأسلوب والطريقة مما يدفع المخاطب إلي الملل والسئامة. وهذا هو الأهم الأغلب في الخطاب الديني الرسمي. اقتصر علي خطب المناسبات. دون تغيير في عرض أفكارها وإعادة صياغة أسلوبها. 3- قلة الهمة وضعف الدافع عند الدعاة. فتري الواحد منهم ينهزم عند أول المعوقات مادية كانت أو علمية أو اجتماعية. ونسي أن أكثر الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل. 4- الانتقاد والهجوم اللاذع علي الآخر والمخالف بعيداً عن النقد البناء والمقصد المنشود والمستوي المطلوب والغاية السامية والمكانة الرفيعة التي يسعي إليها من حمل رسالة الأنبياء والمرسلين. إننا نطمح إلي خطاب ديني يسمو بصاحبه يستمد كل مبادئه وقيمه من تعاليم الدين الحنيف التي أمر الله بها وأمر بنشرها بين الناس لانقاذ البشرية من الظلمات إلي النور مستنيراً بنور سيد الخلق أجمعين محمد صلي الله عليه وسلم.