بعد إعلان لجنة الصلح برئاسة الدكتور منصور كباش- رئيس جامعة أسوان- لهدنة مفتوحة لحين التصالح بين طرفي النزاع في فتنة أسوان التي وقعت مؤخرا بين الدابودية والهلايل. ودبت الحياة مرة أخري بشوارع المحافظة بعد أن أغلقت المحال التجارية أبوابها خوفا من تجدد الاشتباكات مرة أخري. عادت بنا هذه المصالحة لتأكيد أهمية الجلسات والأحكام العرفية في معظم مجتمعاتنا خاصة التي لاتزال محتفظة بعاداتها وتقاليدها وما تحفل به من احترام للكبير وإعلاء لهيبته وتوقير لكلمته. فالكلمة العليا في هذه المجتمعات لهؤلاء الكبار في قبائلهم وعواقلهم. وقد حافظوا علي استقرار مجتمعاتهم من الذوبان أو الانكسار أمام طوفان الحداثة والسلوكيات الشاذة والغريبة الوافدة. فماذا نعرف عن هذه القيادات ورجال المصالحات؟ في البداية يقول رئيس الرابطة العالمية للأدارسة الأشراف السيد الشريف أحمد إدريس: عندما اشتعلت الأزمة كنت متواجدًا مع روابط الأشراف بدولة الكويت لعقد عدة لقاءات. فقطعت رحلتي وعدت لحقن دماء القبيلتين. فهذا هو دور رجال المصالحات وكبار العواقل. مؤكدا أن لقاءه مع طرفي النزاع- النوبيين والهلايل- أسفرت عن ظهور مؤشرات إيجابية لقبول الصلح. موضحًا أن النوبيين فوضوه تفويضًا كاملًا في القرار ولم يعترضوا علي مساع الصلح. المحبة والعدل يضيف السيد الإدريسي: هؤلاء القيادات يقومون بالتهدئة والسعي بين الأطراف المتناحرة أولا للوقوف علي معرفة سبب الخلاف أو النزاع. ثم الحكم بينهما بناء علي ما يتراءي للمحكمين العدول الذين يحظون بالمحبة والقبول من جميع الناس واحترام رأيهم وبالتالي الاستجابة لأحكامهم. ويضرب الإدريسي مثلا بالفتنة الأخيرة قائلا: أن ضحايا قبيلة بني هلال من عائلتين وتم قبول مساع الصلح من كفيل العائلتين. ويتبع هذا البدء في ترتيب مراسم الصلح بالمتفق عليه. وهنا يأتي دور القيادات الطبيعية والشعبية والتي يكون حكمها هو النافذ علي الجميع. حركة مكوكية يتدخل كمال تقادم- رئيس مجلس رابطة الجعافرة- بقوله: الأحكام والمصالحات العرفية شيء معترف به قانونا بل إنه يسهم بشكل كبير جدا في إنهاء المشكلات قبل وصولها للمحاكم بما يخفف الضغط عليها. بل أكثر من هذا فإن أطراف النزاع أو المشكلة يرتضونها ويقبلونها أكثر من أحكام القضاء ويتعايشون مع بعضهم دون الشعور بالانتصار أو الهزيمة. لأن تلك القيادات لا تسعي لتخطئ أحدا علي حساب الآخر وإنما إعادة الحق لصاحبه وإقرار الأمن والسلام الاجتماعي في المجتمع. يضيف كمال تقادم : وفي هذا الإطار يقوم رجال المصالحة بجولات مكوكية ومكثفة بين أطراف المشكلة. يستمعون جيدا ثم يتشاورون في الحل ثم يُصدرون حكمهم. وهذا يقتضي أن يكون الحكم أو القاضي العرفي ¢مُلما¢ بكل جوانب وحياة صاحب المشكلة. لذلك يأتي الحكم موافقا للواقع ومُرضيا للجميع. استشعار المشكلة يلتقط خيط الحديث عبد الحافظ طه الضبعة- أحد القيادات الطبيعية- قائلا : دورنا لا يبدأ عند وقوع المشكلة بل يسبقه بما نقوم به من لقاءات تجمع كبار العائلات وشبابها والتواجد الدائم بين الناس للتعرف واستشعار بوادر أي مشكلة ربما تنشأ مستقبلا لأي سبب. وهنا نقوم بالتنبيه والتحذير منها وإيجاد حلول لها قبل أن تظهر. يستطرد ¢الضبعة¢ قائلا : فإن وقعت المشكلة نسارع. بما لنا من رصيد عند الناس جميعا. لاحتوائها وحلها قبل استفحالها. ولا نقف عند هذا الحد بل نظل نتابعها ونتأكد من التزام الجميع بما اتفقنا عليه.