الصراع السياسي والتكفير وجهان لعملة واحدة . كلما اشتد الصراع زاد التكفير كأحد أسباب الاستقواء للقائم بالتكفير وتثبيت عقيدة أتباعه حتي يضحوا بأرواحهم وأموالهم من اجل التخلص ممن تم تكفيرهم لأنه جهاد في سبيل الله لا. ويتم استخدام التكفير أيضا وسيلة لبث الشك في نفوس المعارضين مما يساعد علي هزيمتهم المعنوية. يشير المفكر الإسلامي الدكتور محمود مزروعة . العميد الأسبق لكلية أصول الدين . ورئيس جبهة علماء الأزهر . إلي أن ألاعيب الصراع السياسي عبر التاريخ ألقت بظلها حيث حاول كل فريق استخدام سلاح التكفير لهزيمة أعدائه وتثبيت عقيدة أتباعه سواء كان هذا التكفير بالحق او الباطل وأشار الدكتور مزروعة الي من اخطر الظواهر السلبية في تاريخ الأمة علي الحكم بكفر إنسان بعينه ظلما لأنه أمرى بالغ الخطورة إلي حدّي من الجدية جعلت النبي صلي الله عليه وسلم يضع المُكفِّر بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكون الحكم صحيحاً أو أنه يرتدُّ علي من أطلقه. وذلك لقوله "أيُّما امرئ قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما. إن كان كما قال وإلا رجعت عليه". بل إنَّ النبي صلي الله عليه وسلم عدَّ التكفيرَ جريمةً تعادل جريمة القتل. "لَعْنُ المؤمن كقتلِه. ومن رمي مؤمناً بكفري فهو كقتلِه". وأوضح الدكتور مزروعة إلي أن الحكمَ علي إنسان بالكفر لا يجوز إلا في ثلاث حالات فقط: الأولي: أن يعلن كفره بنفسه. الثانية: أن يرتكب فعلاً من صريح الكفر علي نحو لا يقبل التأويل كمن يتعمد إهانة المصحف علي نحو صريح بوضعه تحت القدم أو بوضع القاذورات عليه والعياذ بالله. الثالثة: استحلال محرم مقطوع بتحريمه كمن يقتل نفساً معصومة وهو مصرّى علي أن قتلها مباح. وأوضح الدكتور مزروعة . أن العلماء رفضوا الحكم علي من يسجد لغير الله بالكفر أو الشرك حتي يُسأل عن نيته من السجود. فإن قال إنه نوي عبادة المخلوق الذي سجد له فقد "أشرك" شركاً يُخرجه من الملّة. وإن قال إنما قصدت بذلك التحية والاحترام فقد ارتكب "إثماً" لا يُخرجه من الملة. لأن سجود التحية والاحترام حرام في شريعتنا. وقد كان في الشرائع السابقة جائزاً علي سبيل الاحترام كما فعل نبي الله يعقوب وزوجه وأولاده لابنه يوسف. قال تعالي:¢وَرَفَعَ أبَوَيْهِ علي العرشِ وخَرُّوا له سُجَّداً¢. وباء التكفير كشف الدكتور محمد عبد المنعم البري . الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية . جامعة الأزهر . أن الخوارج أول من ارتكب جريمة تكفير المسلم بسبب الخلافات السياسية حيث برروا نقضهم للعهد الذي بينهم وبين الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - بتكفيره. فكان هذا التكفير مرتبطاً بقصد سياسي وهو تبرير الانشقاق السياسي واستباحة الاغتيال وهو ما حصل بالفعل فقد كان قاتل أمير المؤمنين يعتبر نفسه مناصراً لدين الله ومدافعاً عن شرع الله بقتله لمن حكم هو وجماعته بتكفيره بينما رفض الإمام علي تكفيرهم بالرغم من خروجهم عليه وابتداء من ذلك العصر ظهرت حركات وجماعات استباحت قتل مخالفيهم السياسيين عبر مقدمة تكفيرهم كالفِرَقِ الباطنية. وأشار الدكتور البري . إلي انه علي الرغم من أن مطلق الكفر لا يبيح القتل إلا إذا اقترن بالعدوان إلا أن الجهل بالدين يجعل الشريحة الجاهلة قابلة للتعبئة المغلوطة التي تؤدي إلي القتل لا سيما إذا اقترنت بالمشاكل النفسية أو السخط علي المجتمع . وزادت ظاهرة التكفير في عصر وقلت عصر آخر حسب شدة الصراع وقد شاهدنا أمثلة حيّة لاقتران التكفير بالقتل او محاولات القتل لاختلاف الأفكار رغم أن كثيراً منها لا يُبيح ارتكاب جريمة القتل أو التكفير. وأشار الدكتور البري إلي ان ظاهرة ارتباط التكفير بالخلافات السياسية ليست قاصرة علي أهل السنة فقط بل أنها موجودة وبشكل اكبر لدي متطرفي الشيعة الذين يفتون بإهدار دم كثير من اتباع المذاهب السنية وكان رد بعض متطرفي المذاهب السنية باستباحة دم الشيعة الروافض وكل فريق يحاول أن يلبس فتواه بتكفير الآخر بأنه عين الشرعية والشريعة ونسوا جميعا أن النبي صلي الله عليه وسلم جعل التكفير بمرتبة القتل ولهذا سنِّ قوانين تُجرِّم التكفير وتُعاقب مرتكبه حقناً للدماء وصيانة للدين من جهل الجاهلين وتلاعب المُتلاعبين. التكفير والصراع أعد الداعية عماد المهدي . عضو مجلس الشوري السابق دراسة اسماها ¢التكفير والصراع السياسي¢ أكد فيها حدوث كثير من اللبس لدي البعض في خلطه بين الشرعية والمشروعية وكيفية اكتسابهما وفقدانهما إلا أن الحديث الأكثر أهمية في تلك اللحظة الراهنة هو إقحام الإيمان والكفر في هذا الصراع السياسي ورغم انه من طبيعة الدين الإسلامي أنه منظم لشئون الحياة كافة بما يعني الرفض المطلق لأي دعوات تتحدث عن فصل الدين عن الدولة بأي درجة من الدرجات إلا أنه من الصحيح أيضا أن استدعاء الدين ورفعه كشعار في خصومة سياسية أمر مرفوض كليةخاصة إذا كانت الخصومة تتعلق بتنظيم مسار الحياة السياسية دون التطرق إلي المبادئ والأحكام الكلية المنظمة لتلك الحياة. وأضاف : بمعني أكثر وضوحا إن استدعاء قضية الكفر والإيمان فيصراع سياسي لا يعني سوي أمرين: أولهما: أن أحد الطرفين ظن انه قدحاز العلم كله وان رأيه صواب لا يحتمل الخطأ وأن مخالفه رأيه خطا لايحتمل الصواب. ومن ثم فإن أقواله وتفسيراته لا مرد لها كونه يحتكرالحقيقة المطلقة في عالم اليوم وما عداه كفر وزندقة وهرطقة. وثانيهما يتمثل في أن محاربة هذا الطرف الذي يري في نفسه أنه يحتكر العلم كلهلا يعني سوي محاربة الدين في عمومه وأحكامه حيث يحدث الخلط بين الدين وبين هذه الجماعة أو الفرد ويتم ترجمة هذا الخطاب إلي واقع عملي يصبح فيه العنف والعنف المضاد سيدي الموقف وتصبح عمليات القتل ذات مشروعية حيث تستند فتوي هدر الدم إلي شرعية إلهية ومن يقومبتنفيذ هذه المهمة إنما يؤدي واجبا دينيا يحتسب له في الآخرة وهذا كله بسبب أحادية النظرة واحتكارية الفهم وإطلاقية الرؤية وهو ما نهي عنه الدين الإسلامي حينما جعل الاختلاف سنة إلهية وحكمة كونية وفطرةإنسانية مصداقا لقوله تعالي: ¢ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين¢. وأشار المهدي إلي انه حينما يعتقد البعض أنه يملك الحقيقة المطلقة وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إنما تجاوز- بهذا الاعتقاد- الفهم الصحيح للشريعة ومقاصدها الحقيقية وذلك من خلال ما يطرحه من فتاوي مضللة واجتهادات خاطئة وهو ما حذر منه النبي صلي الله عليه وسلم حين قال ¢ إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتي رأيت بهجته عليه وكان ردئا للإسلام. غيره إلي ما شاء الله. فانسلخ منه. ونبذه وراء ظهره. وسعي علي جاره بالسيف. ورماه بالشرك. قال صحابي : يا نبي الله.. أيهما أولي بالشرك؟ المرمي أم الرامي؟ قال : بل الرامي¢ فهذاالرجل الموصوف في الحديث قرأ القرآن حتي ظهرت بهجة القرآن عليه لكنه لم يكتف بالقراءة بل انتقل إلي الاستنباط والإفتاء دون معرفة بالقواعد الكلية والأحكام الفقهية فظن في نفسه العلم والمعرفة وصاريصدر الأحكام دون ضوابط أو قواعد منظمة كما درج عليها علماء الأمة وفقهاؤها. وأنهي المهدي كلامه: إن لجوء كل طرف في الصراع السياسي أوالاجتماعي لاستدعاء الخطاب باسم الدين لإضفاء مشروعية علي أفعاله. يمثل نذير خطر علي مستقبل العيش المشترك حيث يتجذر منطق العنفأكثر فأكثر وتغيب الحكمة والسماحة وقبول الآخر واحترام الرأيالمخالف دون تسفيه أو تحقير وهو ما يهدد الوطن في مجموعه والدولةفي كيانها والمجتمع في لحمته وتماسكه وهو ما يلقي بحمل المسئولية علي المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر ووزارة الأوقاف لتصحيحهذه المفاهيم والرد علي تلك الشبهات. التكفير والهجرة أوضح الباحث الإسلامي الدكتور كمال حبيب أن جماعة التكفير والهجرة تعد ابرز جماعات التكفير التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الماضي وأطلقت علي نفسها ¢جماعة المسلمين¢ وانتهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية وقد نشأت داخل السجون المصرية وبعد إطلاق سراح أفرادها تبلورت أفكارها وكثر أتباعها في صعيد مصر وبين طلبة الجامعات خاصة وأحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفر المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفر العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام. وأشار الدكتور كمال حبيب الي أنها وصفت نفسها ب ¢الهجرة¢ بعد ¢التكفير¢ ويقصد به اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية وتتمثل في اعتزال معابد او مساجد الجاهلية وهي تخالف كل أفكار ومنهج أهل السنة والجماعة في الكفر والإيمان حيث يعتبر التكفير عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة. وأشار إلي أن تنشيط ظاهرة التكفير بسبب الصراع السياسي ويزيدها انتشار الفساد والفسق والإلحاد في بعض المجتمعات الإسلامية دون أي محاسبة من الحكام الظالمين.