يجب علينا ابتداء أن نعرف أدب الخلاف. وفقه الخلاف وأنه فيه أدب الخلاف وفقه الخلاف. حتي ولو خالفتك في مسألة هي محل اجتهاد من مسائل الفقه. فلا ينبغي أبدا أن يكون هذا الاختلاف بيني وبينك في مسألة فقهية سببا من أسباب الشقاق والنزاع» وهذه مصيبة العمل الإسلامي الآن لا حرج إن أنا خالفتك في مسألة هي محل اجتهاد» قد أخذ برأي عالم من العلماء في مسألة هي محل بحث ونظر واجتهاد وأنت قد تأخذ برأي عالم آخر ولا حرج في ذلك علي الإطلاق. مادمت قد وضحت لك الأدلة وهي أدلة معتبرة عندك إذا كنت من أهل العلم. ومن أهل الوقوف مع الأدلة. وفهم الأدلة ومنطات الأدلة ومراتب الأدلة فلا حرج علي الإطلاق ولأن أدب الخلاف وفقه الخلاف لم يؤصل. زادت الهوة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية طيّب الله ثراه في مجموع الفتاوي المبارك يقول حرفيا: ¢فالاختلاف في الأحكام أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة¢. اطلع علي كتب الفقه ستري العجب العجاب ستري الإجماع مع ما علي هذه اللفظة من استشكالات أيضا في أمور قليلة جدا. وستري أبوابا طويلة ذكرت المسائل الخلافية التي اختلف فيها أهل العلم» فكلما كان الاختلاف مبنيا علي البحث والأحكام وفهم كل فريق من الفريقين فقه الاختلاف وأدب الاختلاف فلا حرج إطلاقا وهذا قد وقع بين أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وتدبر هذا. لأنه قد يحدث لبس عند بعض إخواننا حينما يفهم من هذه الكلمات وهذه المعاني الاختلاف شر وأن المختلفين أهل للعذاب. ويستدل علي ذلك مباشرة بقول الله عز وجل: "وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلفينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" "هود: 118 119". فيقول أنظر إلي هذه الآية. فأهل الخلاف أهل العذاب خرجوا من رحمة الله عز وجل بل راجع ما قاله الإمام ألشاطبي في معني هذه الآية بل والشافعي و الآمدي وغيرهم من أهل الأصول اتفقوا جميعا علي أن الخلاف أمر قَدَري ومن خالف معتقد التوحيد الصحيح. هذا هو المذموم الخارج عن رحمة الله عز وجل أما الاختلاف في أمور الأحكام الشرعية. فلا يخرج أهلها أبدا من رحمة رب البرية بدليل أن الصحابة قد اختلفوا وهم أهل لرحمة الله بلا منازع. الصحابة اختلفوا فالاختلاف أمر قدري هذا يخالف هذا في اللون والسمع والبصر والعقل والفكر والإدراك والفهم والاستيعاب بل والصمت والجنس واللغة بل إن الخلاف أمر قدري حتي في البصمة لا يمكن أبدا أن يوافق الإنسان إنسانا آخر حتي في بصمة يده أبدا وكذلك في بصمة الصوت كما أن للبنان بصمة. فإن للصوت بصمة لا يمكن أبدا أن توافق بصمة بنان بصمة إنسان آخر أو بصمة صوت إنسان آخر بحال من الأحوال. فمن خرج عن المعتقد الصحيح. فهذا هو الخارج عن رحمة الله عز وجل أما من اختلف في أمر فقهي أو في أمر من أحكام الشرع بالدليل. فهؤلاء لا يخرجون أبدا من رحمة الله عز وجل. بدليل أن الصحابة قد اختلفوا وهم أهل لرحمة الله عز وجل بلا منازع. زيد ابن ثابت خالف ابن عباس. وابن عباس خالف زيد رضوان الله عليهم. عمر ابن الخطاب خالف ابن مسعود وابن مسعود خالف عمر. عبد الله ابن مسعود خالف عثمان رضوان الله عليهم. مسائل كثيرة جدا معلومة لمن فتح كتابا من كتب الفقه عرف ذلك وهذا الخلاف بين أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لم يخرجهم من رحمة الله سبحانه وتعالي أبدا. ¢فالاختلاف في الأحكام أكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة¢. لو قلت أنا بقول إمام من الأئمة في مسألة من مسائل مبحث الزكاة التي ذكرت وخالفني في هذه المسألة شيخ من الشيوخ الذين يجلسون مكاني هاهنا ما الحرج في هذا؟ لو أننا فهمنا فقه الخلاف وأدب الخلاف ما الحرج؟ در مع الدليل حيث دار وقف علي أدب الخلاف وفقهه ولا داعي إطلاقا لإثارة المشاكل ولا الفتن. فالاختلاف في الأحكام الشرعية أمر قديم» أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- كانوا يتلقون من معلم واحد تدبر هذا المبحث جيدا من معلم واحد ألا وهو المصطفي -صلي الله عليه وسلم- وهو المشرع في الوقت ذاته يعني ما يقوله النبي لا خلاف لقوله بل ولا راد "فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُوْنَ حَتَّيَّ يُحَكِّمُوْكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ" "النساء: 65" صادق مصدوق لا ينطق عن الهوي مشرع كل قولة له تشريع إذا كانت تخص أمر الدين. ومع هذا وقع الخلاف بين الصحابة فما ظنك بأناس يتلقون العلم عن أكثر من معلم؟ ¢لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة¢ أمر نبوي صريح. صادر من الحبيب -صلي الله عليه وسلم- والقصة مشهورة ومعروفة. لما نقض يهود بني قريظة العهد مع النبي -صلي الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب سنة 5 هجرية» الأحزاب حاصروا المدينةالمنورة واليهود في المدينة بينهم وبين النبي عهد وفي أحلك الأوقات وأحرج الأزمات كما ذكرت في خطبة الجمعة. نقض يهود بني قريظة العهد مع النبي عليه الصلاة والسلام فاليهود كما قلت متخصصون في نقض العهود. فلما هزم الله الأحزاب وحده ونصر عبده وأعز جنده. نزل جبريل إلي النبي -صلي الله عليه وسلم- وعليه لباس الحرب وقال: يا رسول الله. أو قد وضعت سلاحك؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد. فانهض بمن معك من المؤمنين إلي يهود بني قريظة وإني أمامك أزلزل حصونهم وأقذف الرعب في قلوبهم. الحديث في الصحيحين فأرسل النبي مناديا يقول: ¢من كان طائعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة¢ ولازالت الجراح. وحصار الأحزاب كان طويلا جدا ولك أن تتصور أن المسلمين. بل ورسول الله. قد زلزلوا زلزالا شديدا حتي لجأ النبي إلي الله بهذا الدعاء ¢اللهم منزل الكتاب سريع الحساب. اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم¢ والحديث في الصحيحين من حديث عبد الله ابن أبي أوفي المهم أرسل النبي مناديا يقول: ¢من كان طائعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة¢. وانطلق الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام وكان كلام النبي واضحا ومع ذلك اختلف أصحاب النبي في فهم الدليل فانقسم الصحابة إلي فريقين: فريق فهم أمر النبي -صلي الله عليه وسلم- علي أن النبي يأخذهم بالعجل. وما طلب منهم ذلك إلا ليحثهم علي الخروج فلما حان عليه وقت العصر في الطريق صلي العصر. الفريق الآخر قال لا قال النبي صلي الله عليه وسلم لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة. إذا لن نصلي حتي نبلغ بني قريظة ولو فات وقت العصر. اختلفوا أم لا؟ اختلفوا مصدر الأمر واحد وهو النبي عليه الصلاة والسلام. كلام عربي صريح واضح جدا ومع ذلك اختلفوا في فهم الدليل. فهل أنكر النبي علي فريق من الفريقين؟ هل أمر النبي فريقا بإعادة الصلاة هل أمر النبي فريقا أن يرجع لأنه خالف أمره أم أنه قاتل بني قريظة بالفريقين معا؟ هذا هو الفهم وهذا موضوع طويل جدا أسأل الله أن يعلمنا وإياكم. وأن يجعلنا وإياكم مع الصادقين.