لابد أن نفرق منذ البداية بين الاختلاف المحمود وهو الذي ينشر الحق والوصول الي الحقيقة, والاختلاف المذموم أو الذي يصل الي حد التنازع, كما يقول الحق سبحانه وتعالي: ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. إن الاختلاف المحمود هو قضيتنا في هذا الطرح بمعني إعمال العقل, في أمور الدين والدنيا من أجل الوصول الي الرأي السديد, ولما كانت الإفهام تتعدد بتعدد الأفراد ومن ثم فإن الاختلاف في وجهات النظر في الأمور الحياتية ضرورة إنسانية, إذ إن الناس تحكمهم المواهب الطبيعية والفروق الفردية, ومن ثم فإننا نعتقد أن الحوار العلمي المتأدب بأدب الإسلام بمثابة إثراء للرأي والرأي الآخر, خاصة إن الخلاف في الرأي لايفسد للود قضية, وعلي هذا الضوء نعتقد أن الأمة الجديرة بالبقاء هي التي تعرف كيف تختلف في الرأي, والاختلاف في الرأي يكون مقبولا عندما يبني علي الأسس العقلية والمنطقية السديدة, ومن ثم فقد قيل إن المنطق أداة التفكير السليم أو المقدمات المنطقية العقلية تؤدي الي نتائج منطقية هذا فيما يخص فقه الاختلاف في أمور الدنيا, أما فيما يخص الاختلاف في أمور الدين فهناك عدة مبادئ لابد أن يتعرف عليها كل مسلم, لابد أن نفرق أولا بين الأصول والفروع, فمن المعلوم أنه لامجال للاختلاف أو الاجتهاد حول القضايا الأصولية الاعتقادية مثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر فهي من ثوابت العقيدة, كذلك فإن باب الاجتهاد أو الاختلاف كان في دائرة الفروع حول المذاهب المختلفة, ولابد ان نفرق بين القطعي أو المنطقة المحرمة التي لاينبغي الاختلاف أو الاجتهاد حولها, وبين الظن الذي يفسح المجال أمام العقل المسلم نحو مزيد من البحث والدرس والاجتهاد أو الاختلاف بلغة الواقع المعاصر. هذا هو المنهج القويم في فقه الاختلاف فهو دليل سعة ومرونة في النظر الي المنهج الإسلامي, وللأسف هناك بعض الشباب يدلو بدلوه في هذا الأمر الخطير دون علم مسبق أو الفرق بين المندوب والواجب, فهل من المعقول ان نقيم خصومة حادة حول الدعاء علي الميت بعد تشييع الجنازة سرا أم جهرا وهذه من الأمور المندوب اليها في الشرع, أو كما يقول الرسول صلي الله عليه وسلم( إستغفروا لأخيكم فإنه الآن يسأل) أو نختلف وتقيم خصومة واختلافا حول الدعاء اثناء الوضوء أم بعده!! فلابد ان نفرق بين الفرض أو الواجب وبين السنن والمندوب, ان العقل المسلم مدعو أن يعرف القضايا الكبري مثل مفهوم الخليفة ودور المسلم في إقامة العمران في الأرض.واشاعة خلق الرحمة في المجتمع الإسلامي واشاعة روح التكافل من الأعمال العظيمة, فلماذا يختلف البعض حول قضايا يمكن ألانختلف حولها. من جانب آخر ان النبي صلي الله عليه وسلم, كما جاء في البخاري.. قال يوم الأحزاب, لايصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة, فأدرك بعضهم العصر في الطريق, فقال بعضهم: لا نصلي حتي نأتيها, أي في بني قريظة وقال بعضهم بل نصلي, فذكر ذلك للنبي صلي الله عليه وسلم, فلم يعنف واحدا منهم فالناس انقسموا هنا الي فرقتين, فريق صلي في الطريق وأخذ الأمر علي المسارعة وفريق التزم بالنص وصلي في بني قريظة, ولم يعنف النبي صلي الله عليه وسلم أحد الفريقين ودليل علي صحة ومشروعية الفعلين, ولهذا ان الاختلاف دليل علي السعة والمرونة مادام منضبطا بالضوابط الشرعية, وبعيدا كل البعد عن الهوي والتعصب المذموم, وكان الاختلاف بين صحابة النبي صلي الله عليه وسلم, مقترنا بآدب الحوار. هذا فضلا عن انهم كانوا يتجنبون الاختلاف في الرأي ولكن ان حدث مما لابد منه بد, فلا مانع من الاجتهاد أو البحث في الفرعيات بما يحقق المآل. ان السلف العظام أمثال الأمام مالك عرفوا آداب الطريق وآداب الاختلاف وعمن يؤخذ الرأي؟ من أهل الورع والتقوي وليس من أهل الشهرة والظهور والذين يتحدثون في كل أمر دون رادع من ضمير!! لقد كانت المسألة تعرض علي صحابي من أصحاب رسول الله فيردها الي الآخر ويردها الآخر الي الآخر حتي ترجع الي الذي سأل عنها أول مرة.. ويقول الامام مالك رحمه الله: إن هذا العلم دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم.