¢1-3¢ يتميز كتاب ¢الدين الخالص¢ لشيخنا ومؤسس جمعيتنا الشرعية الشيخ محمود خطاب السبكي بمحاربة التعصب المذهبي حيث يذكر آراء المذاهب الأربعة وأدلة كل رأي. وأحيانا يختار ما يرجحه الدليل وأحيانا تستوي عنده الأدلة فيترك الترجيح. فهو إلي الفقه المقارن أقرب» ولما كانت همم الشباب اليوم منصرفة عن إدراك مناقشات العلماء في استنباط الأحكام مما حفل به الكتاب آثرت أن أختصره بذكر الرأي ودليله وما ترجح لدي الشيخ مع الحرص علي تفصيل الأحكام التي يدور حولها نقاش لا يخلو من عصبية مذهبية بين شباب اليوم الذي اكتفي بما قرأه في مذهب واحد وما استند إليه هذا المذهب.. كما حرصت علي تنحية أي حديث حكم عليه بالضعف أو الإرسال.. وفي هذا العدد نستعرض بالتفصيل كل ما يتعلق بالزكاة. مصارف الزكاة : قال ابن قدامة: لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أنّه لا يجوز دفع الزكاة إلي غير هذه الأصناف المذكورة في قوله تعالي: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِن اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمى حَكِيمى" "التوبة:60". وذلك لأن الله تعالي عبّر ب "إِنَّمَا" وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه. 1- الفقير: الفقير عند الحنفيين: مَن له شيء دون النصاب أو قدر نصاب غير تام أو مشغول بالحاجة الأصلية كمسكن وملبس ومركب. ولو كان صحيحًا مكتسبًا. أو كان مالكًا لأموال بلغت أكثر من نصاب إلاّ أنّها غير نامية. مثل: الكتب المرتفعة الثمن. وآلات المحترفين والصناع والزراع.. وقال مالك: الفقير مَن لا يملك قوت عامه.. وقالت الشّافعيّة: هو مَن لا مال له ولا كسب. أو له مال وكسب لا يكفيه. ومَن تلزمه نفقته نصف كفايته العمر الغالب وهو ستون سنة بحيث لو وزع ما عنده من المال علي غالب العمر لم يبلغ نصف كفايته. ولو كان يملك نصابًا أو أكثر فعليه زكاته وله أن يأخذ زكاة غيره. وقالت الحنبلية: هو مَن لا مال له ولا كسب يحصل به نصف كفايته كمَن يكفيه عشرة ولا يحصل إلاّ علي ثلاثة. 2- المسكين: عند الحنفيين ومالك: فهو مَن لا شيء له ويحل له السّؤال لقوته أو ما يواري جسده بخلاف الفقير.. وهو عند الشّافعيّة مَن له مال أو كسب يقع موقعًا من كفايته ولا يكفيه بأن يحتاج في اليوم إلي عشرة دراهم مثلاً وعنده كسب أو مال يبلغ خمسة فأكثر. وهو عند الحنبلية مَن يجد معظم كفايته أو نصفها كالشافعية. قال أبو الطيب صديق حسن: والحق أنّ الفقير والمسكين متحدان يصح إطلاق كُلّ واحد من الاسمين علي مَن لم يجد فوق ما تدعو الضرورة إليه خمسين درهمًا. وليس في قوله تعالي "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَت لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَن أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَلِكى يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةي غَصْباً" "الكهف:79" ما ينافي هذا. لأنّ ملكهم لها لا يخرجهم عن وصف الفقر والمسكنة لما عرف من أنّ آلات ما تقوم به المعيشة مستثناة. والسفينة للملاح كدابة السفر لمَن يعيش بالضرب في الأرض "تراجع: الروضة الندية ص134". 3- العامل علي الزكاة: هو مَن نصّبه الإمام لجمع الصدقات. ويدخل فيه الساعي. والكاتب. والقاسم. ومَن يجمع أرباب الأموال للساعي. والحافظ لها. فيعطي كُلّ بقدر عمله ولو غنيًّا لا هاشميًّا. لحديث أَبِي سَعِيدي الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: ¢لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيّي إلا لِخَمْسَةي: لِعَامِلي عَلَيْهَا. أَوْ رَجُلي اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ. أَوْ غَارِمي. أَوْ غَازي فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَوْ مِسْكِيني تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا. فَأَهْدَي مِنْهَا لِغَنِيّي¢ "أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وقال صحيح علي شرط الشيخين".. ذلك أنّ هذا العامل قد فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين فيستحق الأجر كالقضاة. ويشترط فيه أن يكون ذكرًا مكلّفًا مسلمًا غير هاشمي. لأنّ الهاشمي من آل البيت وقد منعهم النّبيّ صلي الله عليه وسلم من أخذ الزكاة ولو كانوا عمّالاً.. ويعطي العامل عند الحنفيين كفايته وكفاية أعوانه بالوسط إلاّ إذا استغرقت كفايته ما جمعه فلا يعطي أزيد من النصف. لحديث الْمُسْتَوْرِدَ بْنَ شَدَّادي يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: ¢مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلا وَلَيْسَ لَهُ مَنْزِلى فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلا. أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةى فَلْيَتَزَوَّجْ. أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمى فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا. أَوْ لَيْسَتْ لَهُ دَابَّةى فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً. وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَي ذَلِكَ فَهُوَ غَالّى¢ "أخرجه أحمد وكذا أبو داود بسند صالح". وقال الشّافعي: يعطي قدر أجر مثله. إمّا علي عمل معلوم أو مدّة معلومة. وإن كان متيسرًا وتعفف عن أخذ حقه كان له بذلك أجر كبير. روي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَي عُمَرَ مِنْ الشَّامِ فَقَالَ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَعْمَلُ عَلَي عَمَلي مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ فَتُعْطَي عَلَيْهِ عُمَالَةً فَلا تَقْبَلُهَا ؟ قَالَ: أَجَلْ. إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا وَأَنَا بِخَيْري وَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَمَلِي صَدَقَةً عَلَي الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يُعْطِينِي الْمَالَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي. وَإِنَّهُ أَعْطَانِي مَرَّةً مَالا فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنِّي. فَقَالَ: ¢مَا آتَاكَ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةي ولا إِشْرَافي. فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ. وَمَا لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ¢ "أخرجه البخاري والنسائي وهذا لفظه". 4- المؤلّفة قلوبهم: هم ثلاثة أقسام: أ- كافر يُعطي تأليفًا له ولقومه. لعلهم يميلون إلي الإسلام. ب- كافر يُعطي لدفع شرّه. ج- مسلم جديد يُعطي لتثبيت إيمانه.