تولي الله عز وجل بيان المستحقين للزكاة علي سبيل الحصر. فلا يجوز إخراج الزكاة لغير المبينين في قوله سبحانه: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم" "التوبة: 60" ويؤكد هذا الحصر ما أخرجه أبو داود بسند فيه مقال. عن زياد بن الحرث الصدائي. أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أتاه رجل. فقال: أعطني من الصدقة. فقال صلي الله عليه وسلم: "إن الله تعالي لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتي حكم فيها هو فجزأها ثمانية. فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". والفقراء والمساكين: هم أحل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم. والفقير أشد حاجة من المسكين. كما ذهب إلي ذلك الشافعية والحنابلة. لقوله تعالي: "أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر" "الكهف: 79". فأثبت لهم وصف المسكنة مع كونهم يملكون سفينة ويحصلون منها علي ريع. ولكنه لم يكن يكفيهم. وقال الحنفية والمالكية: بل إن المسكين هو الأشد حاجة من الفقير. لقوله تعالي: "أو مسكينا ذا متربة" "البلد: 16" وهو المطروح علي التراب لشدة جوعه. وأما العاملون علي الزكاة: فهم السعاة الذين يجمعون الزكاة للإمام. وهم يأخذون من الزكاة أجراً عن عملهم ولو كانوا أغنياء. لما أخرجه ابن ماجه بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها. أو لغاز في سبيل الله. أو لغني اشتراها بماله. أو فقير تصدق عليه فأهداها لغني. أو غارم". وأما المؤلفة قلوبهم: فهم الذين يعطون من الزكاة لضعف إيمانهم. وذهب الحنفية وبعض الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلي أن سهم المؤلفة قلوبهم قد انقطع لعز الإسلام. فلا يعطون الآن. لكن إن احتيج لاستئلافهم في بعض الأوقات أعطوا. وأما الرقاب : فهم المملوكون بالرق من أجل تحريرهم. وأما الغارمون: فهم المدينون غير القادرين علي الوفاء. فإن كان قادراً علي وفاء الدين بعد زمن بالاكتساب فقد ذكر الشافعية في ذلك قولين. وأما سبيل الله: فهو الجهاد. بالإنفاق علي الجنود المدافعين عن الوطن. وفي رواية للإمام أحمد خلافاً للجمهور أن الحج من سبيل الله. لما أخرجه أبو داود بسند فيه مقال. عن أم معقل أن النبي صلي الله عليه وسلم: قال لها: "يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا" وكان ذلك في حجة الوداع فقالت: لقد تهيئنا فهلك أبو معقل. وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه. فأوصي به أبو معقل في سبيل الله. فقال صلي الله عليه وسلم: "فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله". وتوسع بعض الفقهاء المعاصرين في تفسير سبيل الله. بأنه يشمل كل أوجه الخير. وهو تفسير حسن. لأن الإنفاق علي الجيش صار من أصول الدولة وليس من أموال الزكاة. وأما ابن السبيل: فهو المتغرب عن وطنه الذي ليس بيده ما يرجع به إلي بلده. وأجاز الشافعية خلافاً للجمهور إعطاء الزكاة لمن كان في بلده. ويريد أن ينشيء سفراً ولا يجد ما يسافر به. وبهذا يتضح أن الزكاة يمكن إنفاقها في رصف الطريق وشق الأنهار وإنشاء الجسور وبناء المساجد أو المدارس أو المعاهد أو غيرها مما يعم نفعه بدلاً من سهم المجاهدين في سبيل الله بعد أن تكفلت الحكومات الإسلامية بالإنفاق علي جيوشها من الأصول وليس من الزكاة. وقد كان الفقه قديماً يري عكس ذلك. فقد حكي الإمام الرملي الإجماع علي عدم مشروعية إنفاق الزكاة علي المساجد والمدارس ونحوها. التزاماً بالأصناف المذكورين في آية الصدقات. وحتي لا نعتدي علي حق الفقير في طعامه وكسوته بإنشاء المشاريع التي يجب أن تكون من أموال القادرين وليس من حقوق المساكين. إلا أن تطور الدولة الحديثة اقتضي استقلال ميزانية الجيش ودعمها بما تحتاج من أصول الدولة وليس من الزكاة. فصار سهم سبيل الله في الزكاة إما أن يتعطل وإما أن ينفق علي المشروعات العامة التي يحتاجها وتعجز الدولة عن الوفاء بها.