نرجو ونتمني ألا تخلِّف الثورة ميراثا من الحقد والكراهية بين أبناء الشعب المصري الواحد. فمثل هذه الصفات البغيضة تُعمِي عن التعقُّل والتبصُّر ورؤية الحقيقة المجردة. كما نرجو ونتمني من كل رمز من الرموز السياسية والإعلامية الذين يحركون الشارع المصري أن يعيد النظر في مواقفه ويراجع أفكاره ويعود إلي جادة الصواب فالاعتراف بالخطأ لا ينقص من قدر الإنسان شيئا بل التمادي فيه والإصرار عليه يؤدي إلي عواقب وخيمة لا يحمد عقباها. وآثار مدمرة لا تبقي ولا تذر. فلنتق الله في هذا البلد الذي يستحق من الجميع كل الإخلاص والوفاء. وفي نفس الوقت لابد من التذكير بأن الثورة المصرية قامت من أجل أن يتوفر لهذا الشعب أبسط حقوق المواطنة المتمثلة في "العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية". وهي كلها حقوق مشروعة يتوقف بعضها علي بعض إذ لا كرامة بدون حرية. فمن سلبت حريته تنازل بلا شك عن كرامته. ومعني الحرية هنا حرية العقول والمواهب والتعبير عن الرأي بوعي وفكر مستنير لا حرية السب والقذف والقدح والذم. ولا هي حرية التخريب وحرق وإتلاف المنشآت وإعاقة الدراسة في المدارس والجامعات. ولا هي حرية الغرائز علي طريقة الفتاة المصرية علياء المهدي التي أثارت الكثير من الجدل بنشرها طواعية صورها عارية علي مواقع التواصل الاجتماعي. نريد ممن تدفع به الأيام القادمة إلي سدة الحكم أو منصب رئيس الوزراء أو رئيس مجلس الشعب أن يعي جيدا أن الشعب المصري لم يبذل كل هذه الدماء ويفجر كل هذه الثورة ويضحي كل هذه التضحيات لكي يبقي الوضع علي ما كان عليه في عهد حسني مبارك. وإنما فعل كل هذا من أجل أن يتغير الواقع ويتحسن حال المواطن. وترتقي البلاد إلي مصاف الدول العظمي اقتصاديا وعسكريا وعلميا وصناعيا. خصوصا وأن مقومات كل هذه الطموحات متوفرة لكن ينقصها من يحسن إدارتها ويقطع دابر المفسدين. لن يتحقق لشعب مصر الرخاء الذي يحلم به إلا بالتمكين للعدالة الاجتماعية وعدم إطلاق يد فئة أو طبقة ما في المجتمع لتستأثر لنفسها أو تحتكر لأبنائها وظائف قطاع معين كالقضاء. وعدم منح مميزات وتسهيلات لفئة المحتكرين المتحكمين في مقدرات مصر علي حساب المصلحة العامة. ومحاسبة الفئة التي نهبت خيرات هذا البلد من الأغنياء ورجال الأعمال الذين حققوا ثروات هائلة لا بجهدهم أو تعبهم أو نشاطهم ولكن بسرقاتهم واختلاساتهم التي فاقت كل تصور وغالبيتهم لا يزالون يمارسون نشاطهم المشبوه. لن يتحقق لشعب مصر الرخاء إلا بالشفافية والمكاشفة والمصارحة ونشر الحقيقة علي الناس حتي لا تستشري الشائعات التي تدمر المجتمعات. وتهتز الرؤي فيعجز الشعب عن تمييز الطريق السليم الذي يجب أن يسلكه في سبيل الوصول لتحقيق التقدم والتطور. وأيضا لن يتحقق الرخاء إلا باعتماد هذا الشعب علي نفسه وعدم الركون للقروض أو الجلوس انتظارا للهبات والمساعدات التي تأتي من هنا أو هناك. فمثل هذه المنح والودائع والهبات لن تحقق نهضة والنتيجة كما يراها القاصي والداني ماثلة أمامنا. تلقينا القروض والمنح والودائع والهبات ومع ذلك بقي تراجع احتياط النقد الأجنبي متواصلا وتراجع قيمة الجنيه المصري مستمر. ونفس الأزمات ظلت مستفحلة. أعرف أن قول الحقيقة مثل رش الملح علي الجرح يزيد من وطأة الألم. لكن بعد قليل يندمل الجرح ويبرأ. قال الإمام الشافعي: ما حَكَّ جِلدَكَ مِثلُ ظُفرِك- فَتَوَلَّ أَنْتَ جَميعَ أمْرِك وَإِذا قَصَدتَ لِحاجَةي - فَاِقصِد لِمُعتَرِفي بيقَدرِكَ