أكد الدكتور عبدالفتاح ماضي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية ان الانتقال الديمقراطي الناجح وتأسيس دولة متقدمة يتطلب إنهاء حالة الانقسام والاستقطاب والحراب الأهلي ووضع دستور في مناخ عام يتم بالتوافق السياسي. موضحاً ان تعديل الدستور كان يستوجب تحقيق المشاركة السياسية المجتمعية الموسعة والمصالحة الوطنية الجامعة حتي لا تتكرر أزمات ومشكلات دستور .2012 قال في حواره ل "عقيدتي" ان هناك معايير يجب تحققها في الدستور الذي تحتاجه مصر لتأسيس نظام ديمقراطي في دولة حديثة. مضيفاً ان أبرز هذه المعايير هي اتساق الدستور مع المرجعية العليا التي يستند إليها وعدم تصادمه مع معتقدات الشعب ولا قيمه العليا. يؤكد ضرورة ان يتضمن الدستور نصوصاً وضمانات وآليات واضحة تضمن جوهر الدستور الديمقراطي خاصة فيما يتصل بالنظام السياسي وأولوياته. مبيناً ان تحديد صلاحيات المؤسسات التنفيذية وتوزيع مهامها علي الرئيس والوزارة بشكل واضح. ووضع آليات لمراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية من خلال البرلمان ومن خلال الأجهزة الرقابية الأخري بجانب رقابة الإعلام والشفافية وتداول المعلومات. شدد علي ضرورة ان يحرص الدستور علي خلق حالة جديدة من الولاء الوطني العام لدي جميع مكونات المجتمع كبديل للانتماءات الضيقة. مؤكداً أهمية وجود آليات لدمج الشباب وتمكينهم وتضمينه اجراءات واضحة لتعديله بحيث لا ينفرد الرئيس ولا السلطة التنفيذية بالتعديل. * * اجمالا ما رأيك في نصوص الدستور الجديد؟ * بالنسبة لي لا يمكنني قبول الوثيقة الدستورية التي انتهت لها لجنة الخمسين المعينة. لأن عيوب هذه الوثيقة أكثر من محاسنها ومشكلاتها أكبر بكثير من مشكلات دستور 2012. * * ما هي ابرز هذه المشكلات؟ * هناك العديد من الأسباب منها أسباب متصلة بطريقة وضع الدستور. فقد تم وضع الدستور وسط انقسام شديد لم يشهده المجتمع المصري من قبل. وفي ظل إقصاء فصيل بالكامل واستهدافه أمنيا وقضائيا وإعلاميا. كما لم يتم التوافق علي اللجنة المعينة التي وضعته ولا علي الإجراءات التي تبنتها اللجنة في وضعه. وأيضا. لم يخضع لنقاش مجتمعي حقيقي. * * لكن البعض يقول إن الدستور الجديد يحتوي علي نصوص جيدة في باب الحريات؟ * صحيح أن هناك نصوصا جيدة في باب الحريات وغيره إلا أن هناك مواد أخري مهمة في باب نظام الحكم فرغت الكثير من المواد الرئيسية للدستور من مضامينها. فأولا. سلطة الشعب ليست نهائية في الدستور. إذ يعلوها أو يوازيها سلطة المجلس الأعلي للقوات المسلحة وسلطة القضاء. وثانيا. صارت المحكمة الدستورية تختار قضاتها دون أي رقيب من سلطة الشعب التي هي أعلي من سلطة القضاء. وهناك أمور أخري في التعيينات والميزانية تؤكد عدم رقابة خارجية عليها من الشعب عبر البرلمان كما هو متعارف عليه. فما ضمانة أن يتم اختيار قضاة لا يرون ضرورة لدعم الديمقراطية الآن لأي سبب كما حدث في دول أخري عندما عرقلت المحاكم العليا أو الدستورية التحول الديمقراطي؟ واحدة من الضمانات المتعارف عليها في بعض النظم هي تصديق البرلمان علي تعيين قضاة هذه المحاكم ووجود رقابة خارجية من البرلمان علي أداء كل مؤسسات الدولة الأخري بلا استثناء. كما ابقي الدستور الجديد علي ما جاء بدستور 2012 بشأن وجود ثلاثة مجالس عسكرية أو يغلب عليها الطابع العسكري بصلاحيات تعلو أحيانا سلطة المؤسسات المنتخبة أو بمواد فضفاضة تحتمل تأويلات مختلفة. فلمعالجة العلاقات المدنية العسكرية سنن كونية منها أنها يجب أن تتم بعيدا عن النصوص الدستورية. وعلي يد كافة القوي السياسية الرئيسية. وبشكل تدريجي. ومعلن. وشفاف. وبما يؤدي في النهاية إلي تقوية الجيش والديمقراطية معا. * * نفهم من ذلك أن النصوص الدستورية تؤدي الي عدم فعالية النظام السياسي؟ * بالفعل لن يكون النظام السياسي فعالا مع وجود ثلاثة رؤوس "الرئيس. ووزير الدفاع. ورئيس الحكومة" وبعلاقات غير متوازنة بين البرلمان والرئيس والحكومة. أهمها فتح الباب من خلال القانون لإضافة شروط أخري للترشح للرئاسة. وإعطاء الرئيس حق تعيين 5 بالمائة من أعضاء البرلمان. وحذف إلزامية نتيجة الإستفتاء الذي يدعو له الرئيس مما يفتح الباب لتأويلات مختلفة. وغير ذلك. فضلا عن التوسع في القوانين المكملة للدستور والتي تتطلب موافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس المجلس. لتشمل ¢القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية. والنيابية. والمحلية. والأحزاب السياسية. والسلطة القضائية. والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية. والمنظمة للحقوق والحريات..¢. وهذا سلاح ذو حدين وفي التطبيق قد يتعذر هذا مما يؤدي إلي الجمود. كما تم تقييد البرلمان في إصدار القوانين التي تخص القضاء وغير ذلك. * * وهل يدخل في ذلك النص علي أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الذي يختار وزير الدفاع. فالبعض يقول إنه جعله سلطة أعلي في مواجهة كل الهيئات المنتخبة؟ * هذا صحيح لأنه قيد سلطة المؤسستين التنفيذية والتشريعية في اختيار وزير الدفاع والموافقة عليه. * * هل حل الدستور الجديد إشكالية إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة ومحاسبة الرئيس؟ * نصوص الدستور اعطت البرلمان الحق في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وهذا خلل جسيم لأن البرلمان لم ينتخب الرئيس حتي تسند إليه محاسبته. وكان الأصوب إسناد هذا الأمر للناخبين بضوابط معينة كما الحال في فنزويلا وفي بعض الولاياتالأمريكية. * * وماذا عن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري؟ * محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية كانت أحد مسالب دستور 2012. وللاسف نص عليها الدستور الجديد. وهي تفتح الباب لاستهداف المعارضين. وكان يجب عدم النص علي ذلك. * * هناك من يتخوف بسبب وجود مواد قد تؤدي الي العودة الي أوضاع ما قبل 25 يناير؟ * يوجد بالدستور الجديد مواد قد تفتح الباب لتأويلات مختلفة قد تضعف النظام أو تعود بنا إلي ما قبل 25 يناير مثل عودة الندب الجزئي للقضاة مما يفتح باب الفساد وشراء الولاءات. وأيضا. إضافة عبارة مثل ¢ويؤخذ رأيها في القوانين المنظمة لها¢ في حالة القضاء. أو ¢ويجب أخذ رأيها في أي قوانين تتعلق بها¢ كما في حالة الشرطة .. وهي قد تفتح الباب لوصاية هذه المؤسسات علي سلطة الشعب ممثلة بالبرلمان وقد تمهد الطريق لدولة بها طوائف وظيفية . والأصوب هو عدم النص علي ذلك. إذ في واقع الأمر لا تعديل لأي نص إلا بعد التواصل والتشاور مع أصحاب المصلحة. وإذا كان هناك منطق من وراء ذكر هذا في بعض الوظائف فما هو منطق تجاهله مع وظائف أخري؟! كما نجد عبارات مثل ¢تمثيل ملائم¢ للعمال. و¢تمثيل مناسب¢ للشباب والأقباط وذوي الإعاقة والمصريين بالخارج وكلها عبارات فضفاضة. فمن سيحدد المناسب. وأيضا. عبارة ولاء الشرطة للشعب عبارة فضفاضة . وكان يجب إما أن يكون الولاء ¢للشعب ولمؤسساته المنتخبة والدستور والقانون¢ أو الولاء ¢للدستور والمؤسسات المنتخبة¢. فالشعب في الدستور يمثله ما توافق عليه الشعب في الدستور والمؤسسات التي تمثله وهي البرلمان وأي مؤسسة أخري منتخبة كالرئاسة .. وهذا هو المتبع في دساتير ديمقراطية عدة. وهناك أمور تطرح تساؤلات مهمة جدا مثلا لماذا تم تغيير مادة استقلال الجامعات الي ما يفيد أن الدولة تكفل استقلال الجامعات ¢وفقا للقانون¢؟. ولماذا إلغاء مواد الوقف. وإضافة كلمة "الوقف" مرة واحدة ضمن مادة الملكية؟! ومن الغريب أن يتم ترحيل قضايا جوهرية إلي الرئيس المؤقت. مثل نوع النظام الانتخابي. وترتيب الانتخابات "الرئاسية أم البرلمانية أولا". وتمثيل الشباب والمرأة والأقباط في الانتخابات القادمة.. من المفترض ألا ترحل هذه الأمور الجوهرية إذا كانت الهيئة تأسيسية بالفعل وسيدة قرارها. كما حذف الدستور أمورا كانت في دستور 2012 دون تبرير أو تفسير ولا سيما في مجال مكافحة الفساد. واستقالة الرئيس في حالة رفض طلبه في استفتاء حل البرلمان. والحفاظ علي اللغة العربية في مادة الإعلام. والمواد التي تشير إلي الأخلاق والآداب العامة.. وبينما تم تجريم الإعتداء علي العَلَم والآثار ألغيت المادة الخاصة بالإساءة للأنبياء. كما أن الديباجة إنشائية ولا تليق بنا. كما أنها ألغت نصوصا جيدة كانت في ديباجة دستور 2012 مثل حيدة واحترافية المؤسسة العسكرية وعدم تدخلها في السياسة. ووضع حكومة مدنية بدلا من دولة مدنية. وغير ذلك. ومن الناحية الشكلية. بالوثيقة أخطاء لغوية وأخطاء في الأسلوب سبق وكتبت عنها. * * وهل نجح الدستور في معالجة أشكالية إقامة الأحزاب علي أساس ديني؟ * الدستور نص علي حظر الأحزاب علي أساس ديني. ولكن كان يجب توضيح ما المقصود بالأساس الديني. أما النص الحالي فقد يفسر في المحكمة الدستورية بأشكال مختلفة. * * في رايك هل نجحت مواد الدستور في الاقتراب من مطالب وآمال الثورة المصرية؟ * في السابق حسمت رأيي بالتصويت بلا علي تعديلات مارس 2011 . وعلي دستور 2012. وأكدت أن هذه الوثائق لن تساعد في الحل وستعمق المشكلات. وحذرت من تكرار الأمر. وللاسف ها هم يكررون الأمر مرة أخري وبأخطاء أكبر. ولهذا أتوقع إذا مُرر هذا الدستور أن يكون جزءا من مشكلة أكبر وأن يدخلنا في نفق أكثر إظلاما. وسيطالب الشعب بتغييره قريبا. * * هل تتفق معي أن وضع الدساتير يتطلب تحقيق التوافق للخروج بالدستور الذي يضع مصر علي طريق الاصلاح والتقدم؟ * من المؤلم جر الشعب ثلاث مرات لصناديق الإستفتاء علي وثائق دستورية دون أن يسبق هذه الوثائق الحد الأدني من التوافق بين القوي السياسية حول أسس الحكم ومعالم النظام الديمقراطي المنشود. ودون أن يتبعها حوار مجتمعي حقيقي يسمح بالنقاش وإبداء الرأي ثم التعديل في الوثيقة قبل الذهاب للصناديق.