* كان الأزهر أيقونة الإسلام السني في العالم كله.. وكان رمزاً لمواجهة المستعمر بالنفس ومواجهة الغزو الفكري بالعلم والفكر.. ومواجهة كل البدع الدخيلة علي الدين.. حاملاً في الوقت نفسه شموع الهداية وأعلام الدعوة إلي الله وهداية الخلائق. * وكان الأزهري قديماً إذا وطأ بلداً مثل الصومال والسنغال ونيجيريا واندونيسيا وباكستان أو ماليزيا يعتبره أهلها من أحفاد الصحابة والامتداد الطبيعي للفقهاء العظام الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد.. حتي ضعف الأزهر علمياً وتربوياً من جهة.. ثم دخله التحزب الديني والسياسي من جهة وتم أدلجة معظم الأزهريين خارج الأزهر وداخله.. حتي صار الأزهر مثل الكانتونات السياسية كل فريق منها ينصر حزبه وجماعته.. ناسين الأب الروحي الذي أنجبهم وعلمهم.. وقلة عزفت عن الدخول في أي تيار سياسي مكتفية بعنوانها ¢الأزهري¢ الأبوي الكبير.. فهو الأب رغم وهن جسده وضعف همته. * لقد كان الأزهر قديماً يخرج رؤساء دول مثل عبد الواحد وحيد رئيس اندونيسيا الأسبق الذي كان يأتي إلي مصر والأزهر ويتذكر دراسته وطعامه فيه.. فيرفض كل الأطعمة التي تعد له كرئيس دولة قائلاً: ¢أحضروا لي الفول والطعمية¢. * لقد قال لي صديق اندونيسي يدرس في جامعة الأزهر: إندونيسيا كلها تعرف الأزهر أكثر من مصر نفسها.. وتعتبر الأزهر هو مدخلها الأول والأساسي إلي مصر.. والمعبر الأساسي الذي تعبر عليه قلوبهم إلي عشق مصر.. وأنهم يعتبرون الأزهر وقفاً إسلامياً للمسلمين عامة وليس مصر خاصة.. فكما أن النيل هبة الله لمصر.. فكذلك الأزهر هو هبة الله للمسلمين السنة في العالم وأنهم تألموا لما أصاب جامعة الأزهر من تحطيم وإتلاف إثر المظاهرات الأخيرة.. ولذلك قام المستشار التربوي للسفارة الاندونيسية مع متطوعين إندونيسيين آخرين بالقيام بتنظيف الجامعة والمساهمة في إعادة طلائها وتجميلها بأنفسهم في مشهد حضاري يوضح قيمة الأزهر عند غير المصريين. * قال لي: إن الصراع السياسي الذي يدور في مصر عامة وفي جامعة الأزهر انتقل إلي الطلبة الإندونيسيين في القاهرة وإلي غيرهم في الوطن الأم.. حيث يستمع الإندونيسيون إلي بعض القنوات ويعتقدون أن مصر تعج بالصدامات الدموية اليومية.. ورغم ذلك لم تقم اندونيسيا بسحب طلبتها الأزهريين من مصر وترحيلهم إلي وطنهم.. كما فعلت ماليزيا التي خافت علي طلبتها من صدامات جامعة الأزهر ثم أعادتهم بعد هدوء الأحوال في الجامعة. * لقد أثرت صدامات جامعة الأزهر ومن قبلها صدامات المظاهرات المتعاقبة في مصر وفض رابعة بالقوة المفرطة.. فضلاً عن الحرائق التي طالت أقسام الشرطة والكنائس والمحاكم ومباني المحافظات سلباً علي كل أطياف الطلبة الوافدين إلي الجامعات المصرية عامة وجامعة الأزهر خاصة.. لأنها أكبر جامعة تستضيف آلاف الطلبة الوافدين من أنحاء العالم الإسلامي.. كما أن جامعة الأزهر يصل تعداد طلابها إلي 400 ألف طالب ولا توجد جامعة في مصر تصل إلي نصف هذا العدد. * إنني أناشد كل من يريد الحفاظ علي البقية الباقية من مكانة الأزهر في مصر والعالم ومكانة الإسلام نفسه أن يبعدوا الصراعات السياسية عن جامعة الأزهر وعامة والأزهر خاصة. * فهذه الصراعات ستدمر أبناء الأزهر وستضيق صدورهم وستدخلهم في متاهات لا مخرج لهم منها.. وستجعل الكراهية والأحقاد والغل السياسي يتسرب إلي النفوس البريئة فيقتلها ويدمرها.. وسيكون هؤلاء الطلاب وقوداً لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. سيربح فيها غيرهم ويخسرون هم كل شيء. * يا أهل الشريعة دوروا مع الشريعة حيث دارت.. اهتموا بدعوة الناس فهم في حاجة إليكم.. كونوا من الذين لا يختلف عليهم أحد.. وتذكروا أن مصر قد تحتاج اليوم إلي الدعاة والهداة أكثر من الساسة الذين يلعبون علي كل الحبال. * يا أهل الشريعة دوروا مع القرآن حيث دار.. ولا تفارقوه.. فالكتاب ثابت مقدس طاهر نقي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. والسياسة والحزبية متغيرة متلونة ملوثة.. فلا تلوثوا دعوتكم بالصراع السياسي.. فأنتم أكبر منه وأجل.