أكدت الدكتورة درية عبدالرازق.. أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس أن بناء الانسان الصالح لنفسه ومجتمعه ودينه يبدأ من البيت محذرة من أن تحول البيوت إلي مجرد "بنسيون" يلتقي فيه أفراد الأسرة الواحدة بالمصادفة أفرز ظواهر سلبية شاذة أضرت بالمجتمع كله. طالبت بعودة روح المحبة والود بين أفراد الأسرة فهي التي تقي المجتمع من الأنحراف.. وفيما يلي نص الحوار الذي أجري معها: ** ماذا عن دور الوالدين في خلق هذا الجو في الأسرة؟! * للوالدين دوران أساسيان: الأول: التأديب والتهذيب والثاني: التربية. فالتأديب والتهذيب يعني غرس القيم الدينية والخلقية بالأبناء وهي قيم داخلية تخاطب النفس البشرية وتكون الضمير حتي إذا ما شبوا عن الطوق بدأ دورهما مع الشق الثاني المتعلق بالتربية فهو غرس القيم الجمالية وهي القيم المرتبطة بجماليات الإرسال والتلقي في التعامل مع المجتمع المحيط وهنا يبدأ دور التعامل مع مكتسبات الأبناء الاجتماعية وهي قيم خارجية تخاطب العقل ومن ثم تمتزج جميع القيم لدي الأبناء في بوتقه واحدة لتصدر للمجتمع انساناً محباً لوطنه ناجحاً في حياته علي مستوي الدراسة والعمل. ** وهل كل قل هذا الدور؟! * هذا الدور كان يمارس بالفطرة منذ قديم الأزل حيث جبل الانسان علي ممارسة كل أدواره في الحياة بحكم كينونته إنساناً أبا أماً أخاً أختاً عماً أو خالاً وحتي الجيرة كانت لها دور في التأديب والتهذيب والتربية فساد قانون العيب. ومع تقدم الحضارة وتعقد اساليب الحياة وسيادة النزعة المادية تغيرت النظرة لأشياء كثيرة فافتقد الأبناء لوجود الوالدين ثم لاندثار الجو الأسري وعاش كل منهم حياته وأصبح المنزل "بنسيون" يضم ضيوفه من أب يعمل ممولاً اقتصادياً وأم تنافسه دوره وتقف له علي قدم المساواة بين الرجل والمرأة وأبناء انفصلوا عن واقع الوالدين فبعدت الشقة بينهم. فهاهي أم "طه حسين" تقدم هذا المفكر والفليسوف لمصر. وها هي أم "أحمد زويل" وأم "مصطفي السيد وأم د.فاروق الباز وأم الشيخ الشعراوي وأمهات أخريات قدمن أبناء رفعوا رايه مصر خفاقة علي المستوي المحلي والإقليمي والعالمي علمياً. وأمهات قدمن نماذج مشرفة علي مستوي الطب والعلوم والاجتماعات والانسانيات رغم كونهن لايحملن المؤهلات العليا واليوم تحمل كثير من الأهات الشهادات علي اختلافها حتي درجة الدكتوراة وقدمن للمجتمع الصالح والفاسد والبلطجي والمرتشي والمتحرش إلي غير ذلك لان الأمهات الأوائل أنصرفن لتربية الأبناء. أما الأخريات انصرفن لتحقيق ذواتهن علي حساب الأبناء ولقد تواجد الأب في الماضي كقوة حازمة وحاسمة لا يمر يوم أو ليلة لا يسأل عن مسيرة الأبناء علي كافة أوجه الحياة وعن تعاملات أب اليوم فهولاء لا يعرف بالكاد أي مرحلة تعليمية أو أي عام دراسي يتواجد فيه ابنه!!. روح المحبة ** هل كان هناك تقليد أسري يسمح باللقاءات واختفي اليوم؟ * كانت تسود روح المحبة وليست البغضاء بين الزوجين لحسن الاختيار كمقتضيات دينية لكلا الطرفين ومعرفة كل منهما حدوده داخل الأسرة واختيار اسماء محترمة للأبناء يفتخرون بها كالأسماء المحببه إلي الله تعالي ما حمد وما عبد واسماء الصحابة والأبطال والعظماء. كانت تجمعهم عند الوجبات "الطبلية" تلك المائدة المستديرة يلتف حولها الأبناء لتناول مالذ وطاب ويتبادلون الحوارات والنكات وآخر الاخبار علي المستوي الأسري والسياسي ويطرحون مشاكلهم ويتبادلون الحلول حتي إذا كانت هناك مشكلة صعبت عليهم أو خبأها أحد الأبناء لخوفه من العواقب انفرد أحد الوالدين بعيداً لحلها. ومع تعقد الحياة وظهور اتيكيت المائدة لم يعد هناك "لم شمل" الأسرة ومن تواجد قبل الآخر لا ينتظره وانفرط عقد الأسرة في أولي مراحل المدنية وافتقدت الأسرة الصلة الداخلية ثم بالتدريج الصلة الخارجية من جيران وأصدقاء وزملاء وأصبحت وسيلة المعايدة والسؤال عن المريض هي كلمة "ألو" مع انتشار المدنية المتمثلة في التليفون الثابت والمحمول. نتيجة عكسية ** من المفترض أن يعمل التقدم التكنولوجي علي التقارب بين الناس وأفراد الأسرة الواحدة. ولكن الملاحظ هو العكس فلماذا؟؟ * في الواقع حينما قام "مارك زوكربرج" بإنشاء موقع "فيس بوك" للتواصل الاجتماعي لم يتوقع أن يكون مرتادوه بالملايين ورغم أن الوالدين والأبناء انخرطوا في هذا الموقع إلا أنهم انفصلوا عن واقعهم الحياتي فهم يتكلمون مع أناس من مختلف الأديان والجنسيات ولكنهم لا يلتفون إلي بعضهم البعض داخل الأسرة. كما أن انتشار الوجبات الجاهزة والسريعة وسابقة التجهيز زادت من معدلات الابتعاد وفقدان التواصل الاجتماعي داخل الاسرة ولم تعد الأم تمارس دورها الطبيعي في اعداد الوجبات الأسرية التي تجمع أسرتها حولها ومالت إلي "الدليفري" وهكذا تتم تفريغ دور الأبوين من مضمونة خاصة مع لجوء الوالدين أو أحدهما للعزلة واختلاط الثقافات. طريق الخلاص ** هل من سبيل للحل أم علي قلوب أقفالها؟ * لو خلصت النية الحل موجود ويتمثل في: علي المحيطين من كبار السن ذوي الخبرة اختضاف الوالدين من كبار السن ذوي الخبرة احتضان الوالدين ليتعرفا إلي دورهما. وعلي وسائل الاعلام ووسائل التكنولوجيا الحديثة إعداد برامج ومسلسلات وأفلام من أجل تعريف كل من الوالدين والأبناء بأدوارهم الحياتية. والدور الأساسي يقع علي عاتق الأم فيجب أن تكون صبورة حيال متغيرات الحياة وتحتوي ابناءها بغض النظر عن سلوكيات الأب إن لم تستطع تقويمها. كما يجب علي مدارس البنات ومراكز الشباب والجامعات المساهمة ليكون لها اليد الطولي بتوعية البنات من الصغر لكونهم أمهات المستقبل.