الإنسان الفاسد إيمانياً وأخلاقيا وسلوكاً هو أساس الفساد الاقتصادي. فإذا فسد الناس فسد المال وانتشر الظلم الاقتصادي بكل صوره. وعلي هذه الحقيقة يقدم المنهج الإسلامي العلاج لإصلاح الفساد الاقتصادي وما يترتب عليه من جرائم في حق البشرية علي التربية الروحية وتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية تطبيقا عادلا وشاملا في كل نواحي الحياةومنها المعاملات الاقتصادية. ويتمثل هذا المنهج لمكافحة الجرائم الاقتصادية في الأمور الآتية: أولاً: التربية الروحية التي تقوم علي التقوي والإيمان والمراقبة والمحاسبة الذاتية والاخلاص لله سبحانه وتعالي. والاعتقاد بأن الالتزام بشرع الله عبادة ومن الموجبات الدينية: ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالي: "ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" "الأعراف: 96". ثانياً: الالتزام بالأخلاق الحسنة. فلا اقتصاد بدون أخلاق. والدليل علي ذلك تجد أن معظم الآيات القرآنية التي وردت بالقرآن الكريم جاءت مقترنة بالأخلاق الفاضلة منها علي سبيل المثال قول الله تبارك وتعالي في وجوب كتابة الديون: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلي أجل مسمي فاكتبوه وليكتب كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً...." "البقرة: 282". وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" "رواه الترمذي". ثالثاً: تطبيق شرع الله عز وجل وهدي رسوله "صلي الله عليه وسلم" فهما أساس الإصلاح الاقتصادي. ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالي: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً. ونحشره يوم القيامة أعمي. قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسي" "طه: 124 126". وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" "البخاري". رابعاً: تطبيق العقوبات الواردة في شرع الله ضد مرتكبي الجرائم الاقتصادية فهي تأكيد لسلطان العقيدة والأخلاق. ويقول العلماء: "إصلاح الناس بالإيمان وإصلاح الدولة بالشريعة". خامساً: حسن اختيار العاملين علي أساس القيم الإيمانية والأخلاقية لأن ذلك من موجبات الوقاية من الفساد قبل وقوعه. ولقد طبق ذلك في صدر الدولة الإسلامية. سادساً: القدوة في تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. فإذا صلح الراعي صلحت الرعية. ومن سيرة رسول الله "صلي الله عليه وسلم" والخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان نستطيع أن نستنبط النماذج المشرفة لدور ولي الأمر في منع الفساد الاقتصادي. وفي هذا المقام نذكر من قال لعمر بن الخطاب: "لو رتعت لرتعت الرعية". الخلاصة ان الجرائم الاقتصادية التي حرمتها الشريعة الإسلامية تقود إلي الاعتداء علي الأموال والأنفس والمجتمع وعلي النظام العام. ولقد حرمت الشريعة هذه الجرائم من أجل المحافظة علي حقوق الإنسان قبل أن يصدر ميثاق حقوق الإنسان العالمي. ومن الآثار الاقتصادية السيئة لهذه الجرائم: الظلم والقمع الاقتصادي. وحدوث الخلل في المعاملات. وفقدان الثقة بين الناس. وحدوث الأزمات المالية والاقتصادية الطاحنة. ومن صوره المعاصرة: انخفاض الجودة. ومخالفة البضاعة للعينات المتفق عليها. والتلاعب في الموازين والمكاييل وطبع النقود بدون غطاء ذهبي. وهذا يقود في النهاية إلي الظلم الاجتماعي واندلاع ثورات الجياع وما في حكم ذلك. ويتمثل المنهج الإسلامي لمكافحة هذه الجرائم الاقتصادية وعلاجها في الآتي: 1 التربية الإيمانية والأخلاقية والسلوك الحسن. 2 تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. 3 اختيار العمال والموظفين علي اختلاف مواقعهم علي أساس القيم الإيمانية والأخلاقية والكفاءة. 4 تطبيق العقوبات في الشريعة الإسلامية علي مرتكبي هذه الجرائم والخارجين علي القانون والنظام العام للردع. 5 القدوة الحسنة للقيادة والقائمين علي أمور الناس. 6 تطهير أجهزة الإعلام الفاسدة حتي لا تهدم ما يبنيه المصلحون. 7 التدرج في الإصلاح لتجنب الفتن. وهذا المنهج يحتاج جهادا وتضحية ومثابرة ومرابطة وفقا لقول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" "سورة آل عمران: 200".