تصريحات مثيرة صدرت من داخل زنزانات السجون مؤخرا حول ما يفعله السجناء وحياتهم داخل الحبس وكيف يتصرفون.. بعضهم قال بأنه اتخذ من الزنزانة مقراً للاعتكاف بدلاً من السجن. يعبد ويتعبد ويحصل علي الثواب. أثارت هذه التصريحات أسئلة كثيرة لدي البعض.. عرضناها علي العلماء.. أكدوا ان الاعتكاف في المسجد شيء يختلف تماما عن التواجد داخل الزنزانة واعتبروا هذا المسلك نوعاً جديداً من خلط الأمور. وتأويل الفقه الإسلامي. والقول في الفقه من غير فقيه. يقول د. عبدالله الصبان أستاذ الحديث بجامعة الأزهر: الاعتكاف من وجهة النظر الشرعية هو المكث في المسجد ولزومه. بنية التقرب إلي الله تبارك وتعالي وهو سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان. ومستحب في غيرها. ولا يجب الاعتكاف علي المسلم إلا بالنذر فمن نذر أن يعتكف يوماً أو أكثر وجب عليه الوفاء به لقوله صلي الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" وروي ان عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله اني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال: "أوف بنذرك". والاعتكاف عبادة جليلة يترتب عليها صفاء الروح ونقاء القلب كما فيه من الانقطاع عن شواغل الدنيا والاشتغال بتحصيل ثواب الآخرة. لهذا كان يفعله النبي صلي الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان من كل عام. شرط الصيام يضيف د. عبدالله الصبان: من أهم شروط صحة الاعتكاف أن يكون في المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة الجماعة كما أقر العلماء شرط الصيام كشرط وشروط الاعتكاف لقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "السنة علي المعتكف ألا يعود مريضاً. ولا يشهد جنازة. ولا يمس امرأة ولا يباشرها. ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه. ولا اعتكاف إلا بالصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". ومن هنا أفتي مالك والشافعي وأحمد بإفساد الاعتكاف بالأكل والشرب نهاراً. لاشتراطهم الصوم في صحة الاعتكاف المنذور. ويفسد عند مالك بالأكل والشرب نهاراً سواء كان الاعتكاف منذوراً أو تطوعاً لاشتراطه الصوم في أي اعتكاف. وبالنسبة لمدة الاعتكاف فقد كره بعض الفقهاء للمعتكف أن يعتكف أكثر من عشرة أيام. وكره بعضهم له أن يعتكف أكثر من شهر". ومن خلال هذا المفهوم الذي حددته كتب الفقه الإسلامي المعتمدة فإن الاعتكاف في الزنزانة لا يمت بأي صلة بسنة الاعتكاف من وجهة النظر الشرعية. ويمكن أن يطلق عليه أي شيء إلا الاعتكاف الشرعي. ومن يريد أن يقدم لنفسه من الخير فالمجال أمامه مفتوح وهو الذكر والتسبيح والتدبر في ملكوت السماوات والأرض. وقراءة القرآن الكريم ومن الأفضل علي هؤلاء السجناء أن يغتنموا فترة السجن في حفظ القرآن الكريم وعلي المسئولين بالسجون المصرية أن توفر لهؤلاء السجناء المصاحف. وما يطلبونه من كتب التفسير المعتمدة وغيرها من الكتب والمراجع الإسلامية التي تنبذ الخلاف. مجاور ومرابط يضيف د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: من المقرر شرعاً ان الاعتكاف هو المكث في المسجد علي صفة مخصوصة. والله سبحانه وتعالي قيد الاعتكاف بالمساجد فقال تعالي: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها" وعلي ضوء هذا فالمسجد هو مكان الاعتكاف أما ما سواه فليس بمحل للاعتكاف حتي ان جمهور الفقهاء يوافقون رأي الحنفية في ان المرأة يجوز لها أن تعتكف في مصلي بيتها. أما ما عدا الاعتكاف.. فهو كالآتي: مثلاً طالب العلم في الأزهر الشريف وإقامته في المسجد لطلب العلم وهنا يسمي "جوار". واقامة المجاهدين بحق في المواقع الحيوية للدولة يسمي "رباط". وهذه المصطلحات "الاعتكاف. الجوار. الرباط" هي الواردة في الشريعة وما عدا ذلك لا صلة له بشعائر عبادية. فلا يقال علي المريض مثلا وهو في سريره في المستشفي أو في بيته انه معتكف حتي وإن نوي الاعتكاف. ومن باب أولي لا يقال للمعتقل في محبسه انه معتكف. ومن هذا يتضح ان ما سمعناه من داخل السجن يعد من لغو الكلام. فإقامته في محبسه ليست اعتكافاً. ولا جوارا ولارباطاً. فإقامته في أمور جنائية لا أصل لها بالشعائر العبادية يقول تعالي: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب". بمسجد الجمعة ويوضح الشيخ عادل أبو العباس عضو لجنة الفتوي بالأزهر: الاعتكاف سنة مؤكدة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في شريعته مقابلة لما رفضه الإسلام من الرهبنة التي تجعل الإنسان في مكان رهبنته مبتعداً عن الحياة كلها مقروناً بالتعبد لقوله تعالي: "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله". فإذا نظرنا للاعتكاف في الإسلام وجدنا أن معناه الفقهي حبس النفس ولزومها للشيء خيراً كان أو شراً وهذا المعني اللغوي المأخوذ من قوله تعالي: "يعكفون علي أصنام لهم" أما في الشرع فمعناه اقامة المسلم المميز في المسجد للذكر والصلاة وتلاوة القرآن فالاعتكاف رياضة للروح. وتهذيب للنفس البشرية يبعد فيها العبد عن ضجيج الحياة وسيطرة المادة وقتاً من الزمن. أما مكانه فهو المسجد. فقد قرر العلماء أنه لا يصح الاعتكاف في غير المسجد. فلا يصح الاعتكاف في المسجد الذي يجعله المسلم لنفسه داخل بيته لقوله تعالي: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" بل شدد بعض العلماء وقال: "انه لا يصح أن يعتكف إلا في المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة. وهنا هو رأي جمهور العلماء. وإن كان بعض الفقهاء قد ذهب إلي جواز الاعتكاف في المسجد الذي تصلي فيه الأوقات العادية دون الجمعة. وعليه فإن الاعتكاف في المسجد بما تتوفر فيه الشروط التي قررها الفقهاء لإجماع الرأي فيها علي أن يكون في المسجد وهو مكان الاعتكاف. وهذا هو الرأي الذي تميل إليه النفس. اللهم إلا إذا جعل المسجون لنفسه من مكان سجنه مكاناً للعلم والتعلم. علي حد قول القائلين من رجال القانون ان الأصل في السجن هو تهذيب النفس. وإبعادها عن الجريمة. ومحاولة إعادتها للفطرة الطبيعية التي فطر الناس عليها. ويضيف الشيخ أبو العباس: الاعتكاف داخل الزنازين لا يعد اعتكافاً شرعياً. حتي وإن نوي السجين للاعتكاف. إلا أن هناك أشياء كثيرة يستطيع بها المسجون الحصول علي ثواب الله الكبير عن طريق مثلاً حفظ القرآن. الإكثار من الذكر الدائم لله سبحانه وتعالي داخل الزنزانة وخارجها. ويجب علي الدولة أن توفر لمن يطلب من هؤلاء مصحفاً أن توفره له ويعمل علي استغلال وقته في ذلك. وهنا يحصل الثواب.